بايدن لم يخسر وترامب لم يربح لكنْ هناك فائز خفي.. كيف فضحت المناظرة شيخوخة النظام الأمريكي؟

عدد القراءات
1,786
عربي بوست
تم النشر: 2020/09/30 الساعة 15:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/30 الساعة 20:46 بتوقيت غرينتش
ترامب وبايدن - عربي بوست

لا تعدو المناظرة الأولى في سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بين المرشح الديمقراطي جو بايدن والرئيس الحالي المرشح الجمهوري دونالد ترامب، عن كونها مناظرة كاشفة للوضع الحالي بالولايات المتحدة، أكثر منها مؤسسة لوضع جديد أو موقف متقدم أو متأخر لأي من المرشحين في ذلك السباق، وإذا كان ثمة وصف لنتيجة المناظرة فهو مناظرة "اللافائز واللاخاسر".

فكلا الرجلين لم يُقدم جديداً يُذكر أو يؤسس لمفاهيم مختلفة عما هو سائد بين داعميهما أو بين وسائل الإعلام المؤيدة لكل منهما، فالحجج والاتهامات وردودهما قيلت أكثر من مرة في أكثر من موضع، وربما عكس هذا ترسخ حالة الاستقطاب الحاد التي يعيشها المجتمع الأمريكي الذي بات انقسامه على نفسه بشكل رأسي شيئاً لا تخطئه العين.

الجديد في هذه المناظرة كان من جهة أداء كلا الطرفين المتوقع، فقبل المناظرة كانت التوقعات الشخصية لكثير من المتابعين والخبراء تنصب حول "أداء باهت ومهزوز لبايدن" و"شراسة وهجوم ومباغتة من ترامب". لكن ما جرى كان غير ذلك، فعلى الرغم من الشحوب الواضح على وجه بايدن وعدم حيويته مقارنة بترامب، فإنه استطاع أن يجاري ترامب في رد بعض الإهانات الشخصية، والسخرية منه كما يفعل ترامب، واستطاع الإفلات من "المباغتات الترامبية" عبر توجيه الحديث للناخب الأمريكي مباشرة، بالنظر إلى الكاميرا مباشرة، وهو ما عكس ثقة كبيرة في بعض الأفكار التي تناولها في لقطات كهذه، بعكس ترامب الذي لم يوجه أي كلمة مباشرة للناخب الأمريكي، بل كانت انفعالاته وردوده وعباراته البيانية موجهة لمدير المناظرة ولبايدن.

لكن ترامب أيضاً قدم جديداً في هذه المناظرة، من حيث بعض الردود والحجج التي اتسمت بالمناورة الذكية، كرده على سؤال تعيين قاضية جديدة في المحكمة العُليا الأمريكية دون انتظار لنتائج الانتخابات، باعتبار أن هذا حقه الدستوري كفائز شرعي بمنصب الرئاسية، وكذلك الحال مع مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية التي ستصدق على تعيين القاضية الجديدة. وكذلك حديثه عن الرواج الاقتصادي الذي حدث في عصره قبل كورونا، وكذلك الحال في التعليق على ملف الضرائب الخاص به، والذي توقع الجميع أن يكون أكبر نقطة ضعف في المناظرة، لكن ترامب أفلت بمناورة من هذا السؤال، ولم يضغط كريس والاس كثيراً عليه، ولم يباغته بايدن أيضاً في هذا السؤال. فيما استطاع ذكر نقاط حقيقية تعد سلبية في تاريخ بايدن القديم كسياسي، لاسيما في ملف السود والرعاية الصحية.

ولأن المناظرة كانت كاشفة وليست مؤسسة، فلا أتوقع أن يكون هناك أي تغيرات على مستوى مزاج الناخبين أو تحول رأيهم ناحية أي من المرشحين، فما تتميز به هذه الانتخابات أن مساحة المترددين أو الأصوات المتقلبة قليلة، ولن تكون ذات تأثير كبير كما هو معتاد في كل انتخابات، حيث يكون التنافس في آخر شهر قبل التصويت على هذه الأصوات تحديداً.

ولذلك فإن فجوة النقاط بين بايدن وترامب في استطلاعات الرأي لصالح الأول ناتجة عن أداء ترامب السيئ، خاصة في العامين الأولين لحكمه، اللذين تميزا بالتخبط، وانعكست سلبية الأداء فيهما على انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في عام 2018 بخسارة الجمهوريين لأغلبية مجلس النواب، وتوالي خسارتهم لبعض مناصب حكام الولايات. هذا بينما يأتي تصاعد احتمالات فوز بايدن بسبب ميل كتلة السود له بقوة، بالإضافة للتصويت الاحتجاجي من الأصوات التي كانت متأرجحة في الانتخابات الماضية، ولم تكن راضية عن هيلاري كلينتون.

على المستوى العام، فإن أكثر ما سيشعر به الأمريكيون هو حالة الخجل من مستوى الحوار العام الذي وصل إليه أطراف الصراع، والذي دفع محطة سي إن إن وكثير من الخبراء لتوصيف هذه المناظرة بأنها الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة، وبدا أن القواعد "المؤسسية" مستمرة في التراجع، في ظل سيطرة فكرة "المعايرة" والسباب والشخصنة على فكرة البرامج والأفكار، والتي كانت غائبة بشكل لافت، وهو ما يكشف شيخوخة أصابت السياسة الأمريكية، ربما لن تكون قادرة على انتشال المجتمع من حالة الاستقطاب دون خسائر محتملة.

ما تأثير كريس والاس؟

كريس والاس

ربما لن ينال أي من الرجلين نقداً مثلما سينال كريس والاس، مذيع محطة فوكس نيوز المخضرم، الذي أدار المناظرة، فالرجل وجهت له اتهامات من ترامب بالانحياز لبايدن والضغط عليه وعدم إعطائه المساحة الكافية للحديث، في حين رأى الديمقراطيون أنه لم يستطع أن يسيطر على ترامب، ولم يكن قادراً على ضبط الوقت على محاور المناظرة، وأفلت منه زمام الأمر، فضلاً عن عدم الضغط بشكل كافٍ على ترامب، ومحاصرته في الملف الأكثر حساسية، وهو ملف التهرب الضريبي. لكن ما بدا بوضوح أن والاس كان يخشى من اتهام مسبق بالانحياز لترامب بسبب انتمائه للمحطة الأشهر في مساندة الرجل، وكان يخشى أيضاً حالة غضب الجمهوريين؛ لذا فقد ظهر متردداً في بعض المواقف في الحسم أو الضغط، على الرغم من ذكاء بعض الأسئلة التي وضعها بنفسه للمناظرة. على كلٍ، كريس والاس كان نجم المناظرة، ويمكن القول أنه الفائز الوحيد من المناظرة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالرحمن يوسف
صحافي مقيم في واشنطن
صحافي مستقل مقيم في واشنطن، مهتم بالشؤون السياسية والاقتصاد الكلي والتيارات الدينية وقضايا اللاجئين.
تحميل المزيد