في بلد يعاني من إنترنت بسرعة السلحفاة.. ما الصعوبات التي تواجه الطلاب والأساتذة في التعليم الجامعي بعد كورونا؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/09/29 الساعة 10:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/29 الساعة 10:16 بتوقيت غرينتش

في قرار احترازي يهدف لتقليص اختلاط الطلاب بالجامعات المصرية خوفاً من كورونا وتبعاته، قررت وزارة التعليم العالي أن يكون التعليم هذا العام هجيناً نصفه بقاعات الدرس والنصف الآخر إلكتروني من خلال محاضرات معدة مسبقة. ومع أن هذه الخطوة تبدو جيدة ومنهجاً جديداً في التصدي لانتشار الفيروس بين طلاب الجامعات، إلا إن إدارة هذا القرار الجديد الذي يمثل خبرة جديدة بالجامعات إدارةٌ تقليدية للغاية.  

على الرغم من الدروس الكثيرة التي علَّمها كورونا للعالم، لم تفد الجامعات الحكومية في مصر شيئاً من دروس كورونا، إذ لم تستثمر في منشآتها ولا بنيتها التكنولوجية ولا طورّت من خدماتها بشكل حقيقي ولم تجدد دماء الهيئات والمراكز التكنولوجية المسؤولة عن التعليم الإلكتروني، وبعض هذه الهيئات تعتمد بشكل شبه كامل على طاقم من العمالة المؤقتة من المهندسين والفنيين ومطوري المواقع الإلكترونية ومسؤولي الشبكات، وهي عمالة غير مأجورة على عملها بما يساوي الجهد الذي يُتوقَع منها مما يفسر كفاءتها المحدودة إما لأنها فعلاً محدودة أو لأنها تعمل بمبدأ "على قد فلوسهم".  

ومما يثبت الإدارة التقليدية لقرار التحول للتعليم الهجين في الجامعات المصرية أن الجامعات طلبت من أعضاء هيئات التدريس بها إعداد محاضرات إلكترونية دون تحديد معالم واضحة لهذه المحاضرات، ودون توفير دعم بشري أو لوجيستي حقيقي للأعضاء الذين باتوا مسؤولين عن إعداد محتوى المحاضرات وتصميمها إلكترونياً على أجهزتهم ثم تحميلها على الإنترنت من بيوتهم. اتخذت الوزارة القرار دون مراعاة الفروق المادية والتكنولوجية الكبيرة بين الجامعات، ودون تزويد الجامعات ذات الميزانيات الضعيفة بأجهزة جديدة تناسب الحدث، ودون مراعاة سرعة الإنترنت (السلحفاة في مصر) في رفع ملفات كبيرة الحجم، مع عدم اعتبار خبرة الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي الماضي الذي شهد فوضى عارمة تمثلت في عدم قدرة الطلاب على مشاهدة أو تنزيل محاضرات نصية فما بالنا هذا العام بمحاضرات تشتمل نصاً وصوتاً وصورةً؟ والاعتبار الأكبر الذي لم يؤخَذ في الحسبان هو عدم مراعاة قدرات الطلاب المادية إذا يتطلب التعليم الهجين أن يكون لدى كل الطلاب أجهزة تليفون وكمبيوتر وإنترنت، فهل تأكدنا من أن كل الطلاب يستطيعون ذلك؟ لماذا لا تتحرك الجامعات وتدخل في شراكة مع بنوك وشركات إلكترونيات ليتمكن الطالب بل وعضو هيئة التدريس من اشتراء تليفون أو تابلت أو كمبيوتر بسعر معقول وبالتقسيط، على أن تكون الجامعة هي الضامن بالنسبة للطلاب غير المقتدرين؟

 في ظل التعليم الهجين في مصر، سيتعين على طلاب الجامعات المصرية الحضور يومين فقط أو ثلاثة أيام من الساعة الثامنة صباحاً حتى السادسة مساءً، 10 ساعات كاملة في محاضرات أغلبها بين 3 و4 ساعات لا تتخللها دقيقة راحة واحدة كما في الجداول الدراسية، وهذا عمل غير إنساني بامتياز. فكيف يستطيع الطالب أن يجلس هذه المدة الطويلة في مكان واحد (وربما على مقعد صلب) وهو لا يشعر بالملل وكيف يركز فيما يُدرَّس وهو محروم من الأكل والشرب وربما الذهاب للحمام؟ وكيف يقف المحاضر أو يجلس وهو يشرح طيلة هذه المدة كذلك؟ بالطبع، سيختزل المحاضرُ المحاضرة لأنه إنسان وربما لا يجد حرجاً في تضييع بعض الوقت في قصص لا فائدة منها، وسيفقد الطلاب تركيزهم لأنهم بشر وربما "يزوغوا" لالتقاط الأنفاس أو تناول "ساندوتش" أو مشروب لأن هذه إحدى حاجات البشر. وبطبيعة الحال، ستختفي الأنشطة الطلابية البسيطة التي كانت موجودة قبل ذلك مما يجعل الجامعة "سنتر دروس" لا مصنعاً لبناء الشخصية، وهي مهمة – لو تدرون – عظيمة ولا تتم إلا من خلال الأنشطة الطلابية.

ربما يقول قائل: "هذا هو الوضع الجديد بسبب كورونا، وهو أحد الإجراءات الاحترازية". ولست أخالف هذا لقول، وإنما أخالف الطريقة القديمة في الإدارة والرؤية التي ترى في المحاضرات الماراثونية قيمة كبيرة وتعول عليها في تعليم الطلاب لا تَعَلُّمِهم (والفرق كبير).  وأرى أنه يلزمنا الآن أن تغير قطاعات الكليات ومجالس الأقسام من لوائحها بالتركيز على التحول للبحث الحقيقي لا التدريس فقط، وتقصير مدد المحاضرات النظرية، والتخلي عن المقررات التي لا فائدة منها في سوق العمل، ورعاية الأنشطة الطلابية التي ترتبط بتخصصات الكليات والأقسام لضرب "عصفورين بحجر واحد" وهما تنمية شخصيات الطلاب ومهاراتهم ومساعدتهم في تطبيق ما يتعلمون (مثل: صالون ثقافي متلفز يستضيف شخصيات إعلامية مرموقة ويشارك في تنظيمه طلاب أقسام الإعلام). قد تؤدي بنا هذه الإجراءات لجامعة غير مملة للطلاب، ولا مضيعة لوقت المحاضر الذي يقع عليه حمل إداري وبحثي هائل. وقد تؤدي بنا كذلك لإدراك قيمة الوقت والكيفية المثلى للإفادة منه، مع عدم التنازل عن جودة التعليم الحقيقية لا تلك المزعومة في أوراق ملفات الجودة في كل الجامعات المصرية (وهذه قضية أخرى نكتب عنها – بمشيئة الله – في وقت لاحق إن كانت في العمر بقية).

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سعودي صادق
كاتب ومترجم مصري
كاتب ومترجم مصري
تحميل المزيد