بعدما تحوّل العالم العربي إلى سيرك بالتطبيع مع إسرائيل.. متى تصدر شهادة وفاة جامعة الدول العربية؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/09/27 الساعة 12:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/27 الساعة 12:11 بتوقيت غرينتش
هل تناقش الجامعة العربية قضية التطبيع الإماراتي/رويترز

يطرح الإسرائيليون طوال الوقت سؤالاً غاية في الأهمية على أنفسهم، وفي الوقت نفسه يعجزون عن إيجاد الجواب الشافي عنه، والسؤال هو: من هو اليهودي؟

والإسرائيليون -للغرابة- على حقٍّ في طرح هذا السؤال، لأنهم أتوا من شتات، وكانوا عبارة عن مغامرين ومقامرين، عاشوا في دول مختلفة، ضمن ثقافات مختلفة، ووجدوا أنفسهم سادةً على أرض اغتصبوها دون أي وجه حق، لذلك يتمسكون بما اغتصبوه، ويحرصون ويدققون في اختيار الوافدين الجدد لتلك الأرض، لذلك يضعون تعريفاً دقيقاً لليهودي والإسرائيلي.

أما نحنُ، أبناء هذه الأرض منذ أكثر من ألف سنة، ونتوارثها أباً عن جد بشكل متواصل سواء كنا من أرض الكنانة، أو من أرض الحجاز وصحاريها، أو من بلاد الشام، وصولاً لأبناء الأطلسي، فهل من المعقول أن نتساءل: من هو العربي؟ بعد أن أصبحنا مادة دسمة لأفلام سياسية تشبه أفلام عالم ديزني، يخرجها ترامب على هواه، ويُنتجها عرب أغنياء. 

وفاة الجامعة العربية

لعقود واجه النظام العربي أزمات كارثية وصراعات بينية مريرة، ولكن القضية الفلسطينية كانت خطاً أحمر حتى لو شكلياً، ولذا فإن إسقاط مشروع قرار فلسطيني بإدانة التطبيع الإماراتي مع إسرائيل في الجامعة العربية منذ أيام، يؤشر لتعرض منظومة العمل العربي المشترك، الممثلة في الجامعة العربية، لخطر كبير.

وقال خبراء سياسيون فلسطينيون، إن إسقاط مشروع القرار الفلسطيني، في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، مؤشر على "انهيار البيت العربي".

وأضاف الخبراء في أحاديث منفصلة لوكالة الأناضول، إن مخرجات الاجتماع تُعطي الضوء الأخضر للدول العربية لإقامة علاقات تطبيعية مع إسرائيل.

وبينما قوبل اتفاق التطبيع الإماراتي الذي أُبرم في 13 أغسطس/آب 2020، برفضٍ وتنديد كبير من القيادة الفلسطينية المتمسكة بمبادرة السلام العربية، لعام 2002، والتي تربط بين التطبيع والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967، فإن اللافت أن أياً من الدول العربية لم تحاول تبنِّي الموقف الفلسطيني الداعي لإدانة التطبيع الإماراتي باعتباره انتهاكاً لهذه المبادرة.

فحتى عندما تم التوافق، بالحد الأدنى، على "صدور قرار من الجامعة العربية يتضمن تأكيد التمسك بالمبادرة العربية للسلام، وإدانة الخروج عنها (أي إدانة التطبيع)، واجهت مجموعة من الدول العربية ذلك ورفضت هذه الإضافة".

وعندما اقترح وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، الذي كان يتولى الرئاسة الدورية لمجلس وزراء الخارجية العرب، "تعليق الجلسة ساعات أو أياماً أو إسقاط بند إدانة التطبيع كلياً، أجمعت الدول على عدم تعليق الاجتماع، ومن ثم سقط مشروع الإدانة تلقائياً"، حسبما قال لـ"عربي بوست"، في تقرير سابق، الدبلوماسي الفلسطيني مهند العكلوك، الذي يشغل منصب السفير المناوب لفلسطين في جامعة الدول العربية.

وبعد أن بات عالمنا العربي على يد كثير من الحكام الحاليين "سيركاً" لاستعراضات نتنياهو البهلوانية، التي يطيل بها أمد وجوده في رئاسة وزراء إسرائيل هرباً من المكوث خلف القضبان في السجن كمرتشٍ وفاسد، صار من المهم تعريف العربي على مستوى الهوية والقومية، والانحيازات السياسية، والمواقف التاريخية، وليس فقط على مستوى اللغة والأصل والنسب. 

ما ظهر مؤخراً من مؤشرات يؤكد أن مؤسسات هذا النظام أصبحت متصدعة، وتسير نحو الهلاك، حيث اتَّخذت الجامعة العربية في دورتها الأخيرة موقفاً موارباً من تطبيع أبوظبي والبحرين، ولم تستطع حتى التمني على الدول الأخرى لَجْم مسار التطبيع ولو بشكل مؤقت، لذلك تخلّت فلسطين عن رئاسة هذه الدورة، ورفضت قطر الحلول محلها، ما يعني أن وثيقة وفاة الجامعة العربية قد حرّرت. يتبقّى فقط تحديد موعد الدفن، ومؤسسة القمة العربية كذلك هي أيضاً في حالة احتضار، لأن انعقادها -إن تم- فسيكون مجرد حلقة من حلقات فيلم كرتوني لا يودّ أحد مشاهدته. 

هذا المسار شارَفَ على نهايته، وسوف توزع الهيمنة على العواصم العربية ما بين الدول الصاعدة في الإقليم مثل إيران وتركيا، وحامية العرب المطبعين إسرائيل، بمشاركة لصيقة من الدول الكبرى.مسار الانحدار هذا يتجه من الاستقلال بحدِّه الأدنى إلى التبعية بحدِّها الأقصى، فهل من الممكن استنهاض قوى اجتماعية جديدة في العالم العربي، قادرة على خلق تحول سياسي ما، أم أننا دخلنا مرحلة السُّبات التاريخي من جديد؟ هذا هو سؤال اللحظة.
وحتى يظهر جوابه نقول لأصحاب الجاه والمال، لأصحاب الفخامة والسمو، هنيئاً لكم الصور المُلتقطة في استوديو ترامب وخشبة نتنياهو، لكن تأكدوا أنكم لستم منا ولسنا منكم، نحن وإن رضينا بما نحن عليه من حالة رثّة أوصلنا إليها زمانُ تسلُّطِكم الذي لم يبخل علينا لا بهزيمة ولا بنكسة، فإننا نأبى مشاركتكم في الركض خلف المهانة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ناصر الحسيني
كاتب صحفي لبناني مقيم في إفريقيا
مواليد 1958 بلبنان، حائز على ماجستير في الهندسة المدنية من جامعة الصداقة في موسكو سنة 1983 ودبلوم دراسات عليا سنة 1990. مهندس استشاري لدى منظمة الأمم المتحدة للتنمية UNDP، عملت في جريدة الديار قبل عام 2000، وكذلك لي كتابات ومساهمات في جريدة النهار وجريدة البلد، مقيم في إفريقيا منذ 2010 بشكل شبه دائم في غينيا الاستوائية وغينيا بيساو.
تحميل المزيد