ستزداد العداوة مع فرنسا ولن يصمت الاتحاد الأوروبي .. لماذا تكوِّن تركيا صداقاتٍ في غرب إفريقيا؟

عدد القراءات
1,136
عربي بوست
تم النشر: 2020/09/25 الساعة 13:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/25 الساعة 13:38 بتوقيت غرينتش

بينما زار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو السودان مؤخَّراً للضغط من أجل تطبيع المزيد من الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل بعد اتفاق دولة الإمارات العربية المتحدة، بهدف تأسيس تكوين جيوسياسي جديد في الشرق الأوسط الأوسع، تعمل تركيا على إنشاء تحالفٍ جديد في غرب إفريقيا يُنبِئ بتوسيع تنافسها الاستراتيجي مع فرنسا. 

أصبح الأمر أوضح في وقتٍ سابق من الشهر الجاري، سبتمبر/أيلول، مع زيارة وزير الخارجية التركي مالي وغينيا بيساو والسنغال. 

ولم يكن الانقلاب العسكري في مالي الشهر الماضي، أغسطس/آب، ذا صلةٍ خاصة بتركيا، لكنه قدَّم دافعاً قوياً لأنقرة لتوسيع أنشطتها في غرب إفريقيا. 

ظلَّت تركيا تراقب مالي منذ الانقلاب السابق في العام 2012، وأقامت اتصالاتٍ مع مُختَلَف الجهات الفاعلة في المجتمع المدني. لكن قبل أن تتَّخِذ أنقرة خطواتٍ بشأن مالي أو أيِّ أزمةٍ أخرى في غرب إفريقيا، يتعيَّن عليها أولاً الانتهاء من إرساء أساس العمل الإقليمي. 

وفي خضم التنافس المتزايد بين تركيا وفرنسا حول ليبيا وأزمة شرق البحر المتوسِّط، قد تمتد التوتُّرات وتتعمَّق قريباً في غرب إفريقيا، حيث تُوسِّع أنقرة نفوذها السياسي والعسكري. 

في يوليو/تموز، زار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو النيجر، ووقَّعَ اتفاقية تعاون عسكري واتفاقياتٍ أخرى. ومن المُرجَّح أن ذلك مهَّد الطريق أمام أنقرة لافتتاح قاعدةٍ عسكرية في البلاد، إضافةً إلى تلك القواعد المرتكزة في قطر وليبيا والصومال. 

ثانياً، يعزِّز التعاون العسكري والقاعدة العسكرية المُحتَمَل إقامتها انخراط تركيا في ليبيا، ويعملان كحاجزٍ ضد التهديد المصري المُحتَمَل لتركيا في ليبيا. 

إقليمياً، يُعَدُّ هذا مكسباً للجميع؛ إذ سوف يُعزِّز الاتفاق بين تركيا والنيجر نفوذ أنقرة في غرب إفريقيا، وفي المقابل ستتلقَّى الدول الإفريقية دعماً تركياً للمساعدة في حلِّ الأزمة الليبية. 

هناك بُعدان للاهتمام التركي بالنيجر. أولاً، هناك شبكاتٌ دينية في ذلك البلد تميل نحو تركيا. وهذا الدعم الاجتماعي، إلى جانب التعاون السياسي، يجعل النيجر حليفاً جديراً بالثقة في بيئةٍ تعمل فيها العديد من البلدان، مثل مصر، بنشاطٍ ضد تركيا. 

ضمان الحلفاء 

تركِّز أنقرة بشكلٍ عام على ضمان حلفاءٍ إقليميين، مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجزائر في يناير/كانون الثاني الماضي والإشادة بها باعتبارها "إحدى أهم بوابات تركيا إلى المغرب العربي وإفريقيا". ومع ذلك، فهو لا يضع الجزائر في موقفٍ صعب بالنسبة لفرنسا. وما يريده أردوغان هو الدعم الضمني -أو على الأقل عدم الرفض الصريح- لسياسة أنقرة الجديدة في غرب إفريقيا. 

ويبدو أن التواصل مع الجزائر يؤتي ثماره، ففي وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر كان وزير الخارجية الجزائري في تركيا لمناقشة التعاون الإقليمي بين البلدين. 

ولا تستند تركيا تجاه إفريقيا إلى حساباتٍ قصيرة المدى فحسب. على مدار العقدين الماضيين، انفتحت أنقرة على إفريقيا وحقَّقَت نجاحاتٍ كبيرة نسبياً على المستوى الاقتصادي والسياسي والمجتمعي. ومنذ العام 2003، فتحت تركيا عشرات السفارات في إفريقيا، وأُعلِنَ مؤخَّراً افتتاح سفارةٍ في توغو. 

وتتضمَّن مصالح تركيا في إفريقيا عناصر القوة الناعمة، وأدوات القوة الصلبة بشكلٍ متزايد. ففي الصومال، في أوائل العام 2010، قدَّمَت تركيا مبادراتٍ إنسانية، ومذاك الحين عمَّقَت العلاقات واكتسبت قوةً عسكريةً وسياسية في المنطقة. وقد يؤدِّي تدخُّل أنقرة في النيجر ومالي إلى تكرار سياسة تركيا في شرق إفريقيا. 

وتسفر سياسة أنقرة تجاه غرب إفريقيا عن تداعياتٍ على التنافس بين تركيا وفرنسا. فبينما انفتحت تركيا في الماضي على إفريقيا من خلال سياسات القوة الناعمة، فإنها تنظر الآن إلى إفريقيا باعتبارها ساحة لعب جيوسياسية يمكنها من خلالها مواجهة فرنسا أو أيِّ دولةٍ أخرى بلا تردُّد. ويبدو أن أردوغان يعتقد أو الوقت قد حان لتركيا لتصبح لاعباً سياسياً في إفريقيا. 

القوة الناعمة والصلبة 

تنشط مؤسَّسات القوة الناعمة لتركيا بالفعل في غرب إفريقيا. وتدعم وكالة التعاون والتنسيق التركية الكثير من مشاريع التنمية، وتربط الخطوط الجوية التركية المنطقة بالعالم، وجلبت رئاسة الأتراك بالخارج والمجتمعات ذات الصلة ما يقرب من ألف طالبٍ من المنطقة في مِنَحٍ دراسية كاملة إلى تركيا، ومعظم هؤلاء يدرسون السياسة والاقتصاد والهندسة. 

والآن، تجبر الأزمة الليبية تركيا على تحويل قوتها الناعمة إلى نفوذٍ سياسي أمني، بعيداً عن شمال إفريقيا -وهنا تُعَدُّ منطقة غرب إفريقيا هي المفتاح لهذا النهج. 

وفي نهاية المطاف، فإن نهج أردوغان في غرب إفريقيا له آثارٌ عِدَّة. ومن المُرجَّح أن يتعمَّق التنافس بين تركيا وفرنسا، وقد يؤثِّر على العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. وقد يخلق أيضاً فرصةً للتعاون المُحتَمَل مع القوى الأوروبية الأخرى، مثل إيطاليا أو إسبانيا، خاصةً في ما يخص قضايا الأمن والهجرة، وكسر احتكار فرنسا لمكانتها كمرساةٍ للاتحاد الأوروبي في المنطقة. 

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فيمكن أن يكون الوجود المتزايد لأنقرة في غرب إفريقيا، إلى حدٍّ ما، قوة موازنةٍ ضد النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة. وقد شجَّع السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام أن تصبح تركيا بديلاً عن النفوذ الصيني في إفريقيا، مضيفاً أن الأخيرة قد تفتح مجالاتٍ جديدة للتعاون مع الولايات المتحدة. 

ومع تشكيل استراتيجية تركيا الناشئة حديثاً في غرب إفريقيا، سوف تجلب السياسة الخارجية لأنقرة بالتأكيد المزيد من الاهتمام والنقاش في السنوات المقبلة. 

– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد أوزكان
باحث تركي في الشؤون الإفريقية بمركز السياسة العالمية في واشنطن.
باحث تركي في الشؤون الإفريقية بمركز السياسة العالمية في واشنطن.