بسبب ضعفها وخوفها من “العدالة والتنمية”.. لماذا تفسد أحزاب المعارضة المغربية العرس الديمقراطي؟

عدد القراءات
899
تم النشر: 2020/09/24 الساعة 14:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/24 الساعة 14:57 بتوقيت غرينتش
ملك المغرب محمد السادس ورئيس الوزراء سعد الدين عثماني/رويترز

هذا السؤال يفرض نفسه مع انطلاق "المشاورات" بين الأحزاب والدولة حول إصلاح قوانين انتخابات 2021 التي تعتبر ثالث استحقاقات تشريعية في ظل الدستور الجديد، والتي ندخلها بسقف ديمقراطي جد منخفض، لم يكن حتى أسوأ المتشائمين يتوقعه قبل عقد من الزمن، رغم أن هذا الدستور نفسه قد جعل من الاختيار الديمقراطي رابع ثابتٍ من ثوابت الأمة الجامعة.

مفهومٌ أن تسعى معاول الفساد والاستبداد في كل مرة إلى تقويض هذا البناء، لأن من مصلحتها أن تبقى دار لقمان على حالها، لكن من المؤسف أن تتحول الأحزاب السياسية، التي جعلها دستور 2011 شريكاً في السلطة لأول مرة، إلى معاول هدم داخلية بسبب حسابات انتخابوية أفقدت العملية السياسية بُعدها الديمقراطي، حيث تحوَّل هَمُّ الفاعل السياسي من النضال من أجل بيئة سياسية سليمة يتنفس فيها الجميع رياح التغيير، مع ما يقتضيه ذلك من التزام ومصداقية، إلى النضال فقط من أجل البقاء ولو تحت التنفس الاصطناعي.

نقول هذا الكلام ونحن نتابع المناورات التي لا تنتهي من أجل تجزيء ما تبقى من هذا المشهد الانتخابي، تارة بالمطالبة بإلغاء العتبة أو تخفيضها، وتارة بالمطالبة بتعديل طريقة احتساب القاسم الانتخابي، وتارة أخرى بالمطالبة بالاقتراع الفردي عوض اللائحي، وكل هذا تحت وطأة الخوف من حزب العدالة والتنمية، الذي مازال يتمتع بجاهزية تنظيمية وحضور سياسي قوي وقدرة كبيرة على التكيف، فعلى الرغم من قواعد التباعد الاجتماعي التي فرضتها جائحة كورونا، فإن هذا الحزب استطاع التأقلم بسرعة مع الأوضاع الجديدة، مستغلاً الإمكانات التي تتيحها منصات التواصل الاجتماعي، حيث استمر الحزب طيلة هذه الفترة في تأطير مناضليه والتواصل مع المواطنين.

يبدو الآن، أن أصحاب هذه المناورات قد أدركوا أنه لا البلوكاج على مستوى تدبير الشأن العام أو المحلي، ولا مسار الثقة، ولا القصف المستمر، قد نجح في الأكل من رصيد "العدالة والتنمية". والرهان –كل الرهان- هو ضبط الإيقاع الانتخابي حتى لا يتجاوز حزب المصباح النتائج "المذهلة" المسجلة في استحقاقات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016. وما دامت الغاية تبرر الوسيلة، فقد تحالف اليوم الجميع لهزم هذا الحزب، الذي لا يشكل أي تهديد على البلاد، اللهم تهديد مصالح "هؤلاء الجميع". 

ما ينبغي الانتباه إليه هو أن الاستمرار في هذا المسار سيؤدي إلى تشكيل مؤسسات هشة تفتقر إلى الفاعلية والنجاعة، ويغلب عليها منطق الترضيات كما هو حال الحكومة الحالية التي تضم ستة أحزاب سياسية ضداً على منطق الأشياء. كما سيؤدي إلى أخطر من ذلك، وهو العزوف عن المشاركة السياسية، وبقاء فئات واسعة خارج أي تأطير، خاصة في صفوف الشباب، لأن منسوب الثقة بالمؤسسات الذي ازداد مع نسمات الربيع الديمقراطي سنة 2011، والذي كان من المفترض أن يرتفع بعد عقد من الزمن، يوجد في مستوياته الدنيا اليوم. وهذا هو أكبر تهديد يواجه بلادنا.

ولذلك، نقول هنا بصوت عالٍ، لمن يعنيهم الأمر، إن الأوان قد حان لوضع البنيات التحتية الأساسية لقيام دولة عصرية، في شكلها ومضمونها، فالصراع حول السلطة قد انتهى منذ التسعينيات ولم يعد هناك مبرر للخوف من الأحزاب، ما دام الجميع يشتغل في إطار المؤسسات والثوابت. كما أن الوقت قد حان لينكبَّ الجميع كل من موقعه- على معالجة التحديات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي تواجه بلادنا، ما يقتضي خلق بيئة سياسية سليمة وتقوية دور هيئات الوساطة وفي مقدمتها الأحزاب السياسية، وذلك باتخاذ المسافة نفسها من الجميع وترك الكلمة الفصل للمواطنين عبر صناديق الاقتراع.

كما نهمس في أذن الأحزاب السياسية ونقول إن بلادنا تحتاج أحزاباً سياسية وطنية بما تحمله الكلمة من معنى، أحزاباً لا ترى في الانتخابات كعكة ينبغي أن يأخذ كل حزبٍ نصيبه منها، أياً كانت الوسيلة، بل أحزاب تشتغل بحسٍّ وطني وتعتبر الانتخابات مجرد وسيلة للمشاركة في تدبير الشأن العام، وليست مطيَّة للترقي الاجتماعي وحماية المصالح الاقتصادية. فهل ستحمل قوانين الانتخابات المنتظرة جواباً نهائياً لهذا السؤال أم أن مسلسل الانتقال إلى الديمقراطية ما يزال طويلاً؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عبداللطيف الحاميل
كاتب من المغرب
تحميل المزيد