المناورات السياسية التركية شرق المتوسط.. هل نحن بصدد فرض عقوبات قريبة على تركيا؟

عدد القراءات
680
عربي بوست
تم النشر: 2020/09/20 الساعة 10:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/20 الساعة 10:59 بتوقيت غرينتش

تبدو تركيا عازمة على منع كل محاولات عزلها داخل شواطئها، حيث لا تتقبل تركيا كصاحبة أكبر ساحل على المتوسط أن يتم استبعادها وعزلها، وهي عازمة على الدفاع عمّا تراه حقاً لها في شرق المتوسط وبحر إيجة، وما يتعلق بحقوق شمال قبرص التركية.

تتعامل أنقرة مع سلوك أثينا على أنه سلوك صبياني، وأنها يتم تحريضها من بعض الدول، على رأسها فرنسا، ومع استعراض تركيا لقوتها ورفضها التساهل مع الادعاءات اليونانية والأوروبية تفضل تركيا اللجوء للحوار، حيث أكد الرئيس أردوغان "رغم استفزازات الطرف الآخر (اليونان)، وسلوكه الصبياني في شرق المتوسط، نتصرف بحكمة لأننا دولة عظيمة وعلى حق". وأضاف: "أدرك نظراؤنا أن لغة التهديد لا تنفع، وأن تركيا لن تخضع للابتزاز وقطّاع الطرق". وتسعى تركيا بذلك إلى سحب ذرائع التحريض وتخفيف التوتر القائم، وبالتالي إبعاد اليونان عن الجهات المحرضة لها قدر الإمكان من جهة، ونزع فتيل الاحتقان قبل اجتماع الاتحاد الأوروبي.

لم تكن تركيا جامدة في التعامل مع التطورات شرق المتوسط، فهي تدرك أن اللعبة متعددة الأطراف وليس لديها الكثير من الأصدقاء، وقد دخلت واشنطن على خط الأزمة بقوة، حيث شاهدنا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في قبرص الرومية في الأيام الماضية، وقد جاء ذلك بعد رفع الحظر عن الأسلحة غير الفتاكة، والتي حظرت واشنطن توريدها إلى قبرص منذ حوالي 31 عاماً. فضلاً عن دخول روسيا، التي زار وزير خارجيتها سيرجي لافروف أيضاً قبرص قبل زيارة بومبيو لها بخمسة أيام فقط. وهناك فرنسا ومصر وإسرائيل والإمارات. كما أن دول جنوب أوروبا مثل إيطاليا وإسبانيا ومالطا والبرتغال أيضا مهتمة وقد عقدت قمتها مؤخرا بمبادرة فرنسية دفعت نحو تهديد تركيا بعقوبات.

ولهذا فإن تركيا تجاوبت مع المبادرة الألمانية أكثر من مرة وسمحت للحوار وفي نفس الوقت أبرزت قوتها من خلال مناورات عسكرية بحرية مع شمال قبرص، وبعد اجتماع دول جنوب أوروبا وقبيل زيارة بومبيو لقبرص سحبت سفينة أوروتش رئيس إلى ميناء أنطاليا، ولكنها عادت للإشارة أن السفينة لم تكمل مهمتها، وأنها توجهت للميناء لدواعي الصيانة.

مع أن تركيا مؤمنة بالحوار مع الجيران فهي تريد أن تتحاور من منطلق قوة لا من منطلق ضعف، ولكنها مع ذلك تأخذ بعين الاعتبار اجتماع الاتحاد الأوروبي نهاية الشهر الحالي، خاصة فيما يتعلق بإمكانية إقرار عقوبات على تركيا، وقد دخلت تركيا في اجتماعات مباشرة مع اليونان، وصلت إلى 4 اجتماعات فنية، لإحباط الجهود الفرنسية من جهة، ولتخفيف أي حنق في الاتحاد الأوروبي قبل القمة المرتقبة من جهة أخرى. ومع هذا هناك قناعة تركية أن اجتماع الاتحاد الأوروبي لن يطبق عقوبات كبيرة على تركيا، خاصة أن قراراً مثل هذا قرار يحتاج إجماعاً من الدول الأعضاء، ولعل هناك عدداً من الدول الأوروبية يرفض ذلك، وعلى رأسها مالطا، أصغر الأعضاء؛ ولهذا ليس من المفضل الاستهانة بالدول الصغيرة أحياناً.

كما أن كلاً من إيطاليا وإسبانيا ومالطا قد تواصلت مع تركيا بعد اجتماع دول جنوب أوروبا، وقد جاءت عملية التواصل هذه بمثابة رسالة عن معارضتهم لأي عقوبات على تركيا، وتفضيلهم للحوار، ويمكننا أن نلاحظ أن هذه الدول هي التي تتعرض لأزمة المهاجرين واللاجئين، سواء براً عبر تركيا، أو عبر البحر من سواحل شمال إفريقيا، وعلى رأسها ليبيا، حيث إن تركيا لاعب رئيسي من خلال رعايتها ودعمها لحكومة الوفاق.

وفي حال ناقش الاتحاد الأوروبي عقوبات على تركيا، فعلى الأغلب ستشمل الشركات المالكة للسفن والداعمة لعمليات التطوير، وستمنع السفن من الرسو في الموانئ الأوروبية، وأموراً أخرى تتعلق بقطع غيار هذه السفن، كما يمكن أن تشمل العقوبات البنوك التي تمول هذه المشاريع. وفي الحقيقة لا توجد قناعة كافية أن مثل هذه الأمور ستحقق نتائج، بل ستخرب الحوار، ومن الصعوبة توقع أن تبقى تركيا مكتوفة الأيدي أمام مثل هذه الإجراءات، وبالتالي ستُظهر تركيا شراستها بشكل أكبر في حال أقدمت أوروبا على مثل هذه الخطوات.

تظهر تركيا خطاباً حكيماً متنقلاً بين التلويح بالقوة والدعوة للحوار، وتستمر في مناوراتها التي ترتكز على استعراض القوة من جهة وعلى إدراكها لنجاح مساعيها في حال تم تحويل الخلافات بينها وبين اليونان إلى المحاكم الدولية المختصة. (وقد ذكر النائب في البرلمان اليوناني ديمتريس كامينوس على قناة سكاي اليونانية، قبل أيام، أن أثينا ستخسر جزيرة ميس لصالح تركيا، في حال تم عرض الأمر على المحاكم الدولية المختصة)، كما أن الحكومة التركية تستفيد من تكاتف الشعب التركي بكافة أطيافه واصطفافه خلفها في أي خلاف مع اليونان، بعكس السياسة تجاه الشرق الأوسط، والتي قد تشهد تبايناً في وجهات النظر السياسية بين الأحزاب التركية.

ذكرت اليونان أنها ستخصص ميزانيات كبيرة لتعزيز قوّتها العسكرية، ولكن هذا يبدو أمراً غير منطقي في ظل أزمة كورونا، وميل الدول لتعزيز بنيتها الصحية والاقتصادية، ودعم القطاعات المتضررة من شعوبها، وهذا تدركه تركيا بشكل جيد.

في الختام يمكننا ملاحظة المناورة السياسية والتنقل بين أدوار القوة الدبلوماسية والعسكرية، وعلى سبيل المثال كان أحدث مثال هو إعلان وزارة الدفاع التركية عن مناورات عسكرية في رومانيا، تشارك فيها اليونان أيضاً ودول أخرى، ومن جهة أخرى أعلنت الوزارة استمرار مصاحبة سفنها العسكرية لسفن التنقيب التركية في البحر المتوسط والبحر الأسود.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمود الرنتيسي
باحث فلسطيني مختص بالشأن التركي
محمود سمير الرنتيسي باحث فلسطيني يعمل في مركز سيتا للدراسات، مساعد رئيس تحرير مجلة «رؤية تركية» الصادرة عن المركز، وحاصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية، صدر له كتاب «السياسة الخارجية القطرية تجاه بلدان الربيع العربي والقضية الفلسطينية»، وله عدة دراسات منشورة في مركز الجزيرة للدراسات ومجلة السياسة الدولية ومجلة رؤية تركية.
تحميل المزيد