هل يتحلل المغرب من الضغوط ويرفض التطبيع؟

عدد القراءات
2,361
عربي بوست
تم النشر: 2020/09/20 الساعة 11:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/20 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش
ملك المغرب وولي عهد أبوظبي

ثمة تبسيط مُخل يعتمده البعض للحكم على الموقف المغربي من التطبيع، والزعم بأنه سيكون من بين الدول الملتحقة بالموقعين على صفقة القرن.

الرئيس الأمريكي كعادته في التبشير بمبادرته لا يفتأ يؤكد أن هناك دولاً ستلتحق بجملة الموقعين، ومرة يتحدث عن أربع، ومرة يتحدث عن ست، والإعلام الأمريكي، وحتى بعض المسؤولين الأمريكيين لا يترددون في ذكر اسم المغرب من بين هذه الدول.

الصحافة الإسرائيلية سارعت للحديث عن قرب فتح خط جوي بين الدار البيضاء وتل أبيب، في إشارة إلى أن الضوء الأخضر قد أُعطي للتطبيع، وأن الأمر تعدى التوقيع إلى الدخول في تفاصيل التطبيع، ومنها الاتفاقيات التجارية (النقل الجوي).

والحقيقة أن لغة ترامب، وصهره ومبعوثه للسلام في الشرق الأوسط جاريد كوشنر، ولغة الصحافة الإسرائيلية واحدة؛ إذ تعتمد على بث الشائعة والإيهام، والبروباغندا الإعلامية، لخلق حالة من اليقين بمبادرته وحجم التأييد التي تحظى به، وربما لتشديد الضغط على دول أخرى وإسقاطها في التطبيع.

حتى الآن لم يصدر أي موقف مغربي يمكن أن يدعم هذه المواقف الإيهامية، فالموقف الرسمي الذي عبّر عنه رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني يرفض كل عمليات التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويعتبر أن الاعتداء على الحقوق الفلسطينية خط أحمر، وأن التطبيع مع إسرائيل يشجعها على انتهاك الحقوق الفلسطينية والالتفاف عليها، وأن موقف المغرب ملكاً وحكومة وشعباً، باستمرار، هو الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى.

لدى جولة جاريد كوشنر الأولى، وزيارته للرباط، أعيدت نفس المسرحية الإعلامية الإيهامية، وتحدث كوشنر عن تأييد الرباط لصفقة القرن، وأنها ستكون من ضمن الموقعين عليها، وأن دولاً كثيرة ستنضم إليها، وأن الفلسطينيين حينما يرون الدول العربية تتداعى للتوقيع عليها سيلتحقون هم أيضاً للتوقيع عليها، وتحدثت وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية، أن صفقة سيعقدها المغرب مع الولايات المتحدة ألأمريكية، بموجبها ستتم المقايضة بين موقفه من صفقة القرن وبين حل سياسي لقضية الصحراء المتنازع حولها، لكن ما إن هدأت عاصفة الزيارة وتداعياتها جاء الموقف المغربي الهادئ، بكونه سيأخذ وقته في دراسة هذه المبادرة، ومناقشة بنودها، وتذكيره بالمبادئ المؤطِّرة للتفاوض بين الطرفين (تبني حل الدولتين، اعتماد أسلوب التفاوض باعتباره الأسلوب الأنجع للحوار)، وتأكيده على حساسية موضوع القدس، والإشارة لضرورة تلبية الحقوق الفلسطينية، ولفته الانتباه إلى أن البعد الاقتصادي لا ينبغي أن يغيب عن البعد السياسي في حل الصراع.

ينبغي أن نسجل أيضاً أنه قد سبق زيارة جاريد كوشنر للرباط تنسيق مغربي أردني، إذ استقبلت الرباط الملك عبدالله، وتم إصدار بيان مشترك مغربي أردني بضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وأكد على أهمية الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية بالقدس، ودورها في حماية المقدسات العربية والمسيحية، وعلى دور أوقاف القدس والمجلس الأقصى، باعتبارهما السلطة الحصرية لتنظيمه وحمايته، بل إن البيان المشترك أعطى من خلال تأكيده على أولوية الدفاع عن القدس والحفاظ عليها إشارة قوية على ثوابت البلدين، بالنظر إلى اتفاق يخص حل قضية الصراع العربي الإسرائيلي.

لا شيء تغيّر إلى الآن، سوى ما كان من تداعي بعض دول الخليج للتوقيع في واشنطن على التطبيع مع إسرائيل، ولم يظهر في الأفق أي مؤشر يمكن أن يُعتمد عليه لتبرير التحول في الموقف المغربي، بل على العكس من ذلك تماماً، فلم يحضر أي مبعوث مغربي من أي درجة لحفل التوقيع على اتفاقية التطبيع بين كل من الإمارات والبحرين مع إسرائيل، ولم يصدر أي موقف مغربي مثمن لهذا الاتفاق أو مؤيد له، بل اكتفى في الجواب على حملة الإيهام الأمريكي الإسرائيلي بتصريحات منسوبة إلى مصادر مسؤولة تنفي وجود أي موقف مؤيد للتطبيع لإسرائيل، فضلاً عن فتح خط جوي بينها وبين الرباط.

والحقيقة أن الموقف المغربي من التطبيع لا يمكن أن يُختصر في المكسب الذي يمكن أن يحصله من جراء تغير الموقف الأمريكي من الصحراء، وإعطائه ضمانات سياسية بأنها ستقوم بدعم حله، لفائدة المبادرة المغربية للحكم الذاتي، لمجرد توقيع المغرب على التطبيع مع إسرائيل، فثمة ثابتان يؤطران موقف المغرب من الصراع العربي الإسرائيلي، ومن أي مبادرة سلام تعرض لحله، أولهما أن المغرب لا يمكن له أن يكون بديلاً عن الفلسطينيين فيما يخص حقوقهم المشروعة وثوابتهم، بالمعنى الذي يفيد بأن المغرب لا يمكن أن يقبل ما يرفضه الفلسطينيون، ولا يمكنه أن يرفض ما يقبله الفلسطينيون، والثابت الثاني يخص حساسية القدس والمسجد الأقصى، فملك المغرب يحتل موقعاً رمزياً مهماً؛ كونه يشغل مهمة رئيس لجنة القدس، وهي مهمة تأخذ مستندها الشرعي من صفته كأمير للمؤمنين داخل المغرب، ذلك المستند الذي يقيد الملك بجملة ضوابط تؤطر أي موقف تجاه أي مبادرة سلام معروضة، تحدد وضع القدس والمقدسات والأوقاف الإسلامية بها.

 فالقضية فوق كونها سياسية تأخذ طابعاً دينياً، يصعب معه أن يخطو المغرب أي خطوة في اتجاه التطبيع، دون مراعاة موقف الفلسطينيين من جهة، ومراعاة وضع القدس والمسجد الأقصى من جهة ثانية، والاحتفاظ بالدور الأردني في الوصاية على المقدسات والأوقاف بها.

وحيث إن الفلسطينيين ، نزعوا إلى توحيد صفهم، واختيار قيادة موحدة للمقاومة تضم مختلف فصائلهم، وحيث إن أسوأ ما في الصفقة وضع القدس، والإمعان في تهويدها، وحيث إن المغرب يعلم أن أجندة التطبيع أجندة ظرفية انتخابية، سواء على المستوى الأمريكي أو الإسرائيلي، فسيكون من المستبعد أن نرى في المستقبل القريب أي التحاق للمغرب بحملة الدول الموقعة على التطبيع مع إسرائيل.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بلال التليدي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
تحميل المزيد