كان شعار الثورة الفرنسية التي استمرت بين عامي 1789 – 1799 هو "الحرية، المساواة، الأخوة" وتحت تلك الشعارات كانت هناك مذابح مجنونة، واسأل التاريخ عن مذابح سبتمبر التي كانت موجة عنف مسعورة لم يسلم منها لا النساء ولا الصبيان من القتل، وعلى إثرها ألغيت الحرية الدينية باسم الحرية نفسها واسأل التاريخ عن مذابح مدينة فونديه حيث فقدت هذه المنطقة الفرنسية على الأقل 117 ألف روح.
واليوم تحت الشعارات نفسها؛ الحرية والمساواة والأخوة ترتكب فرنسا الدولة العلمانية اللائكية التي ترى نفسها امتداداً للثورة الفرنسية جرائم ضد الإسلام وأهله وضد البشرية في كل المعمورة من غزو اقتصادي للشعوب الفقيرة وسلب لما بها من خيرات تعد ضرورية لأي نهضة. وآخر تلك الجرائم وقعت صبيحة اليوم حيث توقف البرلمان الفرنسي وخرج الأعضاء من القاعة لأن هناك امرأة محجبة تتكلم وسبب هذا الامتعاض ليس أنها امرأة بل لأنها محجبة. رغم أن تلك الطالبة هي رئيسة اتحاد طلاب جامعة السوربون العريقة
غادر النواب الفرنسيون قاعة البرلمان احتجاجاً على وجود الطالبة المحجبة "مريم بوجيتو"، خلال جلسة كانت تناقش مستقبل الطلاب في فرنسا، معتبرين أن وجودها بالحجاب ينافي القيم الفرنسية وقد قالت كريستين لانغ، عضو حزب "الجمهورية إلى الأمام" الحاكم في فرنسا، في تغريدة عبر تويتر، أنها ترفض وجود محجبة، وهي "مريم بوجيتو" رئيسة الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا بجامعة السوربون وفي اجتماع للبرلمان قلب الديمقراطية وأضافت: "بصفتي مدافعة عن حقوق المرأة والقيم العلمانية، لا يمكنني قبول شخص يرتدي الحجاب في الاجتماع".
هذه ليست المرة الأولى التي تتهجم فيها فرنسا والغرب على الإسلام بتلك العنهجية والغطرسة بل هكذا كان الأمر دائماً. فماذا يمكن أن يستنتج من هذا غير أن هناك حرباً ضد الإسلام وأهله.. ماذا يمكن أن يستنتج عندما تصدر محكمة العدل الأوروبية قراراً بمنع ارتداء الرموز الدينية في الشركات الأوروبية تأييداً لقرار طرد من العمل في فرنسا وبلجيكا لنساء مسلمات محجبات.. وماذا يعني هذا القرار غير أنه اضطهاد على أساس ديني فهو يقول بصريح العبارة على المحجبات أن يصبحن فقراء لا مال لهن، أليس هذا هو الإكراه بأم عينه؟
ما دلالة التضييق على المحجبات في مؤسسات ومراحل التعليم في فرنسا وبلجيكا؟
وماذا يعني قول الوزيرة الفرنسية للدفاع عن حقوق المرأة بأنه لا مكان للمحجبات في الجامعات غير أن هناك اضطهاداً دينياً وأن هناك قوانين تصاغ ضد الإسلام وأن هناك صياغة جديدة للحروب الصليبية أقل عنفاً لكنها أكثر خبثاً.
ولو أننا جعلنا العقل الذي نريد فرنسا أن تحتكره لنفسها حكماً بين تلك الفتاة المحجبة وهؤلاء الخصوم أو بين الحجاب والتبرج فسوف نجد أن كليهما خطاب موجه للآخر، فإذا كان الأول خطاباً أخلاقياً يقال عنه العفة في علم الأخلاق فإن الخطاب الثاني خطاب جنسي من الدرجة الأولى فإذا كانت الأولى بخطابها تقول هذا الجسد له كرامة فهو لا يعرض على الأغراب فإن الثانية تقول بأنه سلعة وهو يعرض على العموم فها نحن هنا نجد الحرية الفرنسية المزعومة في اتجاه واحد وهذا الاتجاه هو الإباحية بمعنى إباحة الجنس وتسويقه وفرضه (أقرت فرنسا مشروع قانون يسمح بممارسة الجنس للأطفال ذوي الـ15 عاماً فقط). ولو أننا سألنا التاريخ ماذا تقول في هذه واقعة مغادرة البرلمانيين للقاعة لأن بها طالبة محجبة فحتماً سوف يجيب بأن هذا فعل قبيح، لأن غطاء المرأة لجسدها أو شعرها كان دليلاً طوال التاريخ العربي والغربي دليلاً على الفضيلة والنسب الرفيع. وفرنسا نفسها عندما استعمرت الدول الإفريقية قالت بأن المرأة الإفريقية امرأة متخلفة لأنها إمرأة عارية، أما المرأة الغربية فهي امرأة متحضرة شريفة لأنها امرأة محتشمة. والغرب هنا كان قريباً للحق بعيداً عن الباطل فكيف اليوم قد صار ما كان فضيلة رذيلة وما كان رذيلة صار فضيلة. صار هذا لأن الكنيسة العدو التاريخي للعلمانيين جعل من غطاء الجسد فضيلة فكانت فرنسا العلمانية أول معارضي المبدأ وتم توريث ذلك العداء ولما ضعفت الكنيسة وآلت إلى ما هي عليه، اتجهت السهام نحو الإسلام.
هذا الذي حدث في فرنسا مع الطالبة المحجبة "مريم بوجيتو"، خلال جلسة في البرلمان الفرنسي كانت تناقش مستقبل الطلاب سوف يستمر ما دام أهل الإسلام وأهله في حالة الضعف السارية فيهم. تدعي فرنسا طوال الوقت أنها تحارب الحجاب والنقاب لتزيل الظلام وتسمح للنور بالمرور للعقول لكن الحقيقة أنها تزيل النقاب عن مفهومها القبيح عن الحرية والمساواة والأخوة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.