في جزيرة توتي في قلب العاصمة الخرطوم، يثبت الشباب أنفسهم أمام مجرى التيار المندفع، لإتاحة الفرصة لتخفف من مسار المياه وتمنعها من المسيرة، فهم يواجهون معدل فيضانات وأمطاراً غير مسبوقة دفعت السلطات إلى إعلان حالة الطوارئ، المشهد الذي أعاد للذاكرة السودانية الكارثة التي تتكرر سنوياً ويتكرر معها مشاهد القرى المدمرة والمشردين والسيول.
لكن لماذا يفاجئ الخريف السودان هكذا كل عام؟
يمر نهر النيل بموسم فيضان سنوي يؤثر على الدول التي تحتضنه، ويرتبط بفصل الخريف، حيث يرتفع منسوب النيل الأزرق من إثيوبيا خلال فصل الخريف وتتساقط المياه بغزارة في ولايات السودان المختلفة، مسببةً سيولاً جارفة، بالإضافة إلى الروافد التي تدفع كميات كبيرة من المياه.
في هذهِ الأوقات من كل عام، مع بدايةِ شهرِ أغسطس/آب، يبدأُ موسمُ الفيضان، والذي ينطلقُ في رحلتهِ من هضبةِ الحبشةِ إلى السودان ثم إلى مصر. وهو ما يعرفُ ببدايةِ السنةِ المائيةِ الجديدة، حيثُ تتساقطُ الأمطار، ويستمر الفيضان لمدةِ 3 أشهر. رحلةُ فيضانِ النيل تستغرقُ 15 يوماً، من الهضبةِ الإثيوبيةِ حتى تصل إلى بحيرةِ ناصر في مصر، يقطعُ النهرُ في هذهِ الرحلةِ مسافةَ 2590 كم بسرعةٍ تصلُ إلى 168 كم يومياً. كارثة طبيعية حلت في السودان؛ بسبب فيضان نهر النيل الذي نتجت عنه أزمات إنسانية، وتضرر أكثر من نصف مليون شخص. ووصل ارتفاع الماء هذا العام إلى ١٧،٤٠ وهذا الرقم حسب المصادر لم يأتِ من مئة عام، ولذلك يُعتبر هذا العام للسودان عاماً كارثياً جداً، حيث إن أكثر من ١٦ ألف ولاية تضررت بالسودان، و٥٠٠ ألف شخص تضرروا من هذا الفيضان، وأكثر من ١٠٠ ألف منزل دُمرت. ومازال الكثير من سكان السودان مهددين بخطر الغرق والتشريد وفقدان ممتلكاتهم، نظراً لتواصل ارتفاع مناسيب المياه في نهر النيل وروافده، وتواصل هطول الأمطار الغزيرة.
وقد ذكرت عدة مواقع تحذيرات المختصين بشأن ارتفاع مناسيب المياه منذ بدء موسم الأمطار، مؤكدين أنها غير مسبوقة، وتعد من الفيضانات الأكثر تضرراً وضرراً، وهذا ليس غريباً على السودان فهي تشهد فيضانات كل عام مع بداية فصل الخريف والتي كان أشدها وأكثرها دماراً فيضانات عامي 1946 و1988.
وحسب موقع "بي بي سي": "تظهر أحدث بيانات لجنة الفيضان التابعة لوزارة الري والموارد المائية أن مناسيب المياه في محطتي الخرطوم و"شندي" بلغت اليوم بمعدلات قياسية، إذ بلغ منسوب محطة الخرطوم اليوم 17.49 وهو أعلى من المنسوب القياسي المسجل عام 2019، بينما بلغ منسوب محطة شندي 18.44 محطماً المعدل القياسي الذي سجل عام 2019، ويظهر جدول التوقعات الذي نشرته اللجنة تراجعاً في مناسيب المياه في الأيام المقبلة، إلا أنها ستبقى أعلى من المعدلات القياسية المسجلة في تاريخ رصد النهر، منذ أكثر من مئة عام". "خبراء ومسؤولون سودانيون نفوا علاقة سد النهضة بالفيضان، وأكدوا عدم صحة "فرضية" تخفيف الضرر برفع بوابات السد العالي في أسوان المصرية". "كما تحدث كثير من السودانيين عن عدم صمود البنية التحتية للبلاد وعما يصفونه بـ"تجاهل النظام الحالي وقبله نظام البشير" لأولوية تطوير البنية التحتية للبلاد، التي تشكل الفيضانات تهديداً دائماً لها".
عند التقاء النيل الأبيض والنيل الأزرق في الخرطوم يشكلان معاً نهر النيل، والذي يتغذى على نهر عُطبرة، وفي شمال مدينة الخرطوم يمر نهر النيل بستة شلالاتٍ من الشلال السّادس في السبلوقة بالخرطوم، وحتى شلال أسوان، وبعدها يتّجه النيل إلى الجنوب الغربي قُرب مدينة أبو حدم، ثُم يَعود لمساره الأصلي شمالاً بالقُرب من مدينة الدبة، حيث يعبُر الحدود السودانية المصرية، ويُمر بمصر إلى أن يصل لبُحيرة ناصر، ثُم يُغادرها، ويتجه شمالاً وصولاً للبحر المُتوسط ويستمر حتى يصل للفيوم، حيث ينقسم إلى فرعين هما: فرع دُمياط شرقاً، وفَرع رشيد غرباً، ومن خلالهما يصُب في البحر المُتوسط.
في عام 2015 اختار برنامج الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث والفيضانات، جزيرة توتي، من أفضل 8 مناطق على مستوى العالم في استخدام كافة الأساليب الثقافية والتقليدية للحد من مخاطر الفيضانات والكوارث، وتقع جزيرة توتي عند ملتقى النيلين الأزرق والأبيض في السودان وسط مدينة الخرطوم وتبلغ مساحة الجزيرة التي درج البعض على تسميتها بـ"درة النيل" 990 فداناً ويقطنها حوالي 20 ألف نسمة، وتٌصنف جزيرة توتي من أجمل المناطق في السودان ويوجد بها الكثير من الخضار والفواكه، وتعد من أكثر المناطق السياحية في السودان أما الآن أصبحت غير صالحة للعيش، حيث خرج منها جميع سكانها مهاجرين إلى مناطق أكثر أماناً.
وذكر موقع "الخليج الإخباري" العديد من وسائل مكافحة الفيضانات وهي بناء ضفاف اصطناعية للنهر مع قنوات مياه لاستيعاب المياه الزائدة، أو توجيه مجرى النهر وإلغاء التموجات والانحناءات في مساره، ورفع الأوحال والأوساخ من قاع النهر لجعله أكثر عمقاً وقدرة على استيعاب المياه.
كما يمكن إقامة ما يسمى ليفيز وهي سدود مكونة من التربة ومواد أرضية طينية، بوجود هذه السدود، فإن كمية كبيرة من الأمطار تلزم لإحداث فيضان واختراق هذه السدود التي تمتص تربتها المياه.
ومن الحلول المتوافرة أيضاً وضع أكياس من الرمال على ضفاف النهر لتكون مثل سدود ليفيز، ووضع صخور كبيرة كذلك لمنع ضفاف النهر من التآكل.
ومن الوسائل الحديثة لمكافحة الفيضانات تجهيز طائرات حديثة كما فعلت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا مزودة بأجهزة استشعار لقياس معدل رطوبة التربة وبالتالي التنبؤ بقرب حدوث فيضان ومحاولة تفاديه والطائرة P-3B تعتبر الوجه الأبرز الجديد في مجال مكافحة الفيضانات".
وكانت الحكومة السودانية أعلنت حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر، معتبرة البلاد بأكملها "منطقة كوارث"، واتسعت رقعة الفيضانات لتشمل 16 من ولايات البلاد الـ18.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.