تم استخدامها لإشعال الحرب ضد الإسلام وكراهية المسلمين.. أنا جندي مارينز مسلم وهذه شهادتي عن “11 سبتمبر”

عدد القراءات
2,394
عربي بوست
تم النشر: 2020/09/12 الساعة 14:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/12 الساعة 14:07 بتوقيت غرينتش

مثل الكثير منا، أتذكر بوضوح أين كنتُ وماذا كنتُ أفعل في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. وكنتُ قبل ذلك بعام تقريباً قد اتخذتُ واحداً من أصعب القرارات التي قد يتخذها أي شاب أمريكي بعمر 18 عاماً على الإطلاق؛ إذ رفعتُ يدي لأقسم بـ"دعم دستور الولايات المتحدة والدفاع عنه ضد كل الأعداء في الخارج والداخل"، وأصبحتُ جزءاً من أفضل ما في أمريكا. أصبحتُ جندياً في قوات مشاة البحرية (المارينز).

حين بدأت لقطات تفجير مركز التجارة العالمي في الظهور، جلستُ، مثل أي أمريكي آخر، مرعوباً ومرتبكاً وغاضباً. ولم يكن أيٌ منا نحن المارينز بإمكانه معرفة ماذا يجري. لكن مع مرور الدقائق والساعات، قرَّرت قيادة قاعدتنا في معسكر "كامب جونسون" بولاية نورث كارولينا الدخول في وضع الإغلاق. بل وأتذكر حتى أحد ضباط الصف لدينا وهو يُطلَب منه الذهاب إلى مستودع الأسلحة لإحضار بندقيته من طراز M16 والوقوف عند مدخل القاعدة للحراسة. وجرى وقف أي عمليات دخول غير ضرورية للقاعدة. ولم يكن بإمكان أي من أفراد القوات مغادرة القاعدة أيضاً. وكان قد مرَّ على وجودي ضمن قوات المارينز عام فقط، ولم أكن قد شهدتُ أي شيءٍ كهذا قط.

توصلنا بمرور الأيام لاكتشاف أنَّ مصدر الهجمات كان أفغانستان، التي تتاخم باكستان، البلد الذي وُلِدتُ فيه. أقل ما يمكن قوله هو أنَّ الأمر كان موجعاً للقلب ومؤلماً. وبدأتُ أتساءل في داخلي لماذا توجَّب أن يكون المسؤولون هم أولئك الذين أشاطرهم التراث، والأسوأ من ذلك أنَّني أشاطرهم نفس الدين؟ لماذا لم تكن أي مجموعة أخرى؟ لماذا تعيَّن أن يكون الإرهابيون أناساً يدَّعون أنَّهم يتبعون ديني الإسلامي الجميل؟ لكنَّني أدركتُ لاحقاً أنَّ هذا ربما لك يكن أسلوب التفكير الصحيح.

ومع أنَّ قوات المارينز هي أخوية من نوع فريد تفخر بنفسها لامتلاكها قيماً أساسية معينة مثل الشرف والشجاعة والالتزام، بدأتُ أرى مستوى من التمييز لم يكن بإمكاني تخيله قط.

كنتُ قد سمعتُ حكايات عن تمييز يحدث في الأوساط المدنية في أمريكا، لكن في المارينز؟ ما كنتُ لأتخيل حدوث ذلك داخل مجموعة أصبح أفرادها يمثلون من نواحٍ عدة إخوة لي.

أتذكر بعض أفراد المارينز وهم يرمقونني بنظرات غريبة، في حين وصفني البعض الآخر، علانيةً، بأوصاف مثل طالبان وإرهابي وأسامة بن لادن. كنتُ في البداية إمَّا أتجاهل الأمر وإمَّا أتظاهر بأنَّني أضحك عليه وحسب، لكن بمرور الوقت كان بإمكاني الشعور أنَّ الأمر بدأ يزعجني. فقدمتُ شكاوى لقيادتي، لكنَّهم لم يقوموا بالكثير من أجل التدخُّل. بل للأسف كانوا أحياناً جزءاً من المشكلة.

حتى إنَّني أتذكر تلك المرة حين رفض مساعد الضابط طلبي لتأجيل اختبار لياقة بدنية (كان يتضمَّن الركض لثلاثة أميال أو حوالي 5 كيلومترات خلال زمن محدد، وتمرينات الضغط وأصعب تمرينات الطحن في دقيقتين) إلى ما بعد انتهاء شهر رمضان المبارك، الذي يصوم المسلمون فيه من شروق الشمس وحتى غروبها يومياً طيلة شهر. وتُقدِّم القوات المسلحة تسهيلات حسب الحاجة، لذا شعرتُ بأنَّ الرفض كان جزءاً من التمييز الذي كنتُ أواجهه. ولحسن الحظ، اجتزتُ اختبار اللياقة البدنية دون أن أفقد وعيي.

كان التأقلم مع نمط حياة قوات المارينز حتى تلك المرحلة صعباً بما يكفي. والآن صرتُ أتعامل مع بيئة جديدة مخيفة أكثر. نُقِلتُ بعد أشهر إلى وحدة مختلفة في القاعدة واستطعتُ البدء من جديد، وحصلتُ على جائزة "أفضل جندي مارينز خلال ربع السنة"، ولاحقاً على ترقية مُستوجِبة التقدير إلى رتبة عريف.

وكي أكون واضحاً تماماً، لا أقول إنَّ قوات المارينز مليئة بالعنصريين والمتعصبين. بل أقول فقط إنَّ العنصرية والتعصُّب موجودة، للأسف، أيضاً داخل القوات المسلحة.

وفي ظل استمرار كل تلك الفوضى، تمكَّنتُ بطريقة ما من البقاء وفياً لطبيعتي وللقَسَم الذي أديتُه بصفتي جندي مارينز أمريكي. وتواصلتُ مع قيادتي لأُعرِّفهم بخلفيتي الفريدة: قدرتي على التحدُّث باللغة الأردية والبنجابية والهندية، ومعرفتي بثقافات وتقاليد تلك المنطقة من العالم، بل وحتى بديني الإسلامي بما أنَّ أفغانستان دولة ذات غالبية مسلمة.

باختصار، كنتُ أطلب من قادتي استغلالي بطريقة قد تكون مفيدة، حتى لو كان ذلك يعني إرسالي إلى لهيب المعركة. وكنتُ مستعداً للموت من أجل بلدي. كانت تلك عقليتي. وكان هذا هو مستوى الحب والتفاني اللذين أُكِنُّهما لأمريكا. كان ما أفعله، من نواحٍ عدة، هو الإسلام في صورته التطبيقية، لأنَّ الحب وخدمة البلد الذي أعيش فيه هو جزء من ديني الإسلامي مثلما تعلَّمتُ من مؤسس الإسلام، النبي محمد.

وبالعودة إلى وقتنا الحاضر، إن لم تكونوا ذوي بشرة مائلة إلى السُمرة، ولا تطلقون لحاكم السمراء مثلي أو ترتدين حجاباً مثلما يفعل الكثير من أخواتي في المجتمع المسلم، فعلى الأرجح لن تعوا التجربة التي يخوضها المسلم.

فبعد مرور 19 عاماً على الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وفي كل مرة نحيي فيها ذكرى ضحايا الهجمات في البرامج المختلفة، هناك بعض المجموعات والمنظمات والأشخاص (بينهم سياسيون) الذين يعملون عمداً وبدهاء لقرن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول بالدين الإسلامي.

ومع تصدر هاشتاغات مثل #NeverForget (لن ننسى أبداً)، لا يمثل ذلك فقط تذكيراً لإبقاء ذكرى تلك الأرواح الثلاثة آلاف التي حُصِدَت بوحشية حية، بل رأيتُ أيضاً كيف يمثل ذلك للبعض وسيلة أيضاً لتذكير الأمريكيين بأنَّ الإرهابيين كانوا مسلمين. فقط تصفَّحوا مواقع التواصل الاجتماعي واقرأوا بعض التعليقات. سترون ما أتحدث عنه بالضبط.

وصل الأمر إلى حد أنَّ البعض منا نحن المسلمين يختبئ تقريباً في هذا اليوم خوفاً من ربطه بالأحداث والآثار غير المُستحَقة الناتجة عن ذلك. ويشعر البعض منا كما لو أنَّنا غير مسموح لنا بالحزن أو تكريم تلك الأرواح البريئة التي فُقِدَت.

وأحياناً يبدو كما لو أنَّنا غير مسموح لنا بالحديث عما حدث إطلاقاً. فالعام الماضي، هُوجِمَت النائبة الديمقراطية عن ولاية مينيسوتا إلهان عمر أثناء إحدى الفعاليات لأنَّها قالت "نعيش منذ زمن طويل للغاية حالة ضيق ناتجة عن كوننا مواطنين من الدرجة الثانية. وبصراحة، لقد سئمتُ هذا. وكل مسلم في هذا البلد يجب أن يسأم أيضاً". وتابعت إلهان لتتطرَّق إلى الحديث عن مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، والذي قالت إنَّه "أقرَّ بأنَّ بعض الأشخاص فعلوا شيئاً ما، وأنَّنا جميعاً بدأنا نفقد القدرة على الحصول على حقوقنا المدنية".

وبدل النظر إلى تعليقاتها من منظور كونها شخصاً أمريكياً، جرى تعنيفها.

وبالطبع أضاع الرئيس دونالد ترامب بعض الوقت في إخراج حديث إلهان عن سياقه، وادَّعى كذباً أنَّها أشادت بتنظيم القاعدة.

تذكَّروا أنَّه نفس الرجل الذي أصدر في 2017 حظر سفر على بلدان معظمها ذات غالبية مسلمة، وهو مَن قال: "أعتقد أنَّ الإسلام يكرهنا" في بث مباشر على التلفاز حين كان مرشحاً رئاسياً.

وكي أكون واضحاً تماماً، لا أتفق مع كامل خطاب عضوة الكونغرس إلهان عمر في سياقه وحسب، بل وأتفق على وجه الخصوص مع الجزء الذي يبدو أنَّه أثار حفيظة أناسٍ في أنحاء أمريكا: "بعض الأشخاص فعلوا شيئاً ما".

كان على المسلمين طوال فترة طويلة للغاية (عقدين من الزمن تقريباً إلى الآن) تحمُّل التمييز الرهيب والاضطهاد والكراهية والتعصب بسبب تصرفات 19 إرهابياً يدَّعون انتماءهم للدين الإسلامي المسالم. لذا نعم، "بعض الناس فعلوا شيئاً ما"، ومن الظلم ربط كل المسلمين بهذا العمل الوحشي.

إنَّ هذا هو نفس الشكل من المعارك التي يواجهها ذوو البشرة السوداء في أمريكا اليوم؛ فإذا ارتكب شخصٌ أسود خطأً ما، يُنظَر إلى آلاف الأمريكيين الأفارقة تلقائياً باعتبارهم مجرمين. لكن ماذا عن حوادث إطلاق النار الجماعي في أمريكا؟ فالغالبية الساحقة من عمليات إطلاق النار الجماعي يرتكبها شُبَّان ذوو بشرة بيضاء. تخيلوا الآن لو أنَّني طبَّقتُ نفس الصيغة على كل الأمريكيين البِيض مثلما يفعل الأمريكيون مع المسلمين، وافترضتُ أنَّ كل شخص أبيض أراه هو مرتكب عملية إطلاق نار جماعي.  

إنَّني أطلب من رفاقي الأمريكيين الذين ربما لا يزالون يحملون شكلاً ما من أشكال التمييز ضد المسلمين في قلوبهم بسبب الحادي عشر من سبتمبر/أيلول أن يتوقفوا لحظة للتفكير وأن يفهموا أنَّ هناك مسلمين أيضاً كانوا من بين ضحايا الهجوم.

لقد خدم مسلمون وماتوا من أجل هذا البلد منذ أيام جورج واشنطن.

في الواقع، لم يسبق أن كانت أمريكا بدون مسلمين قط. لذا بينما تحيون ذكرى الحادي عشر من سبتمبر/أيلول هذا العام، دعونا نُكرِّم تلك الأرواح البريئة التي راحت، معاً، يداً بيد، متضامنين بصفتنا أمريكيين. لكن مهما فعلتم، من فضلكم لا تُقحِموا ديننا الإسلامي في الأمر. لأنَّكم إن فعلتم، فإنَّكم لا تقللون فقط من احترام خدمتي المشرفة لهذه الأمة، بل تقللون كذلك من احترام كل مسلم أمريكي، حي أو ميت، قدَّم كل ما لديه (في الجيش أو خارجه) من أجل أمريكا. لستُ أطلب معروفاً خاصاً. بل كل ما أطلبه هو النظر إلينا نحن المسلمين باعتبارنا بشراً، باعتبارنا إخوانكم الأمريكيين دون تحامل. هذا كل ما في الأمر.

– هذا الموضوع مترجم عن شبكة CNN الأمريكية. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

منصور شمس
عضو سابق في قوات مشاة البحرية الأمريكية وعضو مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي
عضو سابق في قوات مشاة البحرية الأمريكية وعضو مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي
تحميل المزيد