يفرض وصاية على لبنان ويدعم مرتزقة في ليبيا ويتغنى بالاستعمار.. لماذا يجب أن يصمت ماكرون عن تركيا؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/09/11 الساعة 12:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/11 الساعة 12:25 بتوقيت غرينتش
رويترز

يحاول ماكرون إحياء ماضي فرنسا الإمبريالي والاستعماري من جديد. إنه متشوق للماضي الاستعماري العفن، والمجازر المروعة بحق الإنسانية، والمذابح، والتعذيب، ونهب ثروات الدول الأخرى وممتلكاتها بمكر وخبث. إنه يحاول الآن بكل ما يملك من طاقة استعادة ذلك الماضي من جديد.

إن فرنسا في الحقيقة لم تستطع يوماً ما أن تتخطى حاجز ماضيها الاستعماري، ولا تستطيع. طوال الفترة الماضية وعلى اختلاف قادتها وحكوماتها لم ينقطع همها الاستعماري تجاه إفريقيا والشرق الأوسط، سواء في السر أو العلن، وهي بكل حال لم تصرف أنظارها يوماً ما عن هاتين المنطقتين. إن فرنسا التي تعتبر اليوم من مصاف أو أوائل الدول المتقدمة، والمتطورة بصناعتها ونموّها، لطالما كان ولا يزال هذا التطور والازدهار على حساب القهر الذي تذيقه للمسلمين والشعوب الإفريقية بشكل عام. وبهذا الشكل يمكنك رؤية النفاق وسياسية الوجهين في الديمقراطية وحقوق الإنسان لدى فرنسا التي يُنسب لها التطور والازدهار والحضارة الغربية.

من أراد رؤية خلفية تلك الحضارة والحداثة التي تشع من جبين فرنسا، عليه أن يزور المتحف الذي نصب على جثث الشهداء في الجزائر. حينما يشاهدون الاضطهاد الذي مارسوه بحق الشعب الجزائري المولع بالحرية والاستقلالية والكرامة، لن يشعروا سوى بالخجل والخزي والعار من حجم النفاق والاحتيال اللذين يختبئان وراء كلمة تحكي عن الحضارة والحداثة الفرنسية، وبعارٍ أفظع حين الحديث عن حقوق الإنسان والديمقراطية التي تتغنى بهما فرنسا.

من الواضح أنّ الحماس الاستعماري الذي بدا جليّاً في زيارة ماكرون إلى لبنان، وخطابه وتحركاته هناك، لا يبشّر بأي خير. لا يمكن لماكرون الذي يتوق بشدة لماضيه الاستعماري أن يعد لبنان بشيء، بل ماكرون يفكر بما سيأخذه من لبنان أولاً وآخراً.

كذلك الأمر حينما حشر ماكرون أنفه في ليبيا، سرعان ما ذكّرتنا ممارساته وحساباته بماضي فرنسا الذي نتحدث عنه. رأينا المقابر الجماعية في الأماكن التي تم تطهيرها من حفتر الذي يتلقى دعمه من فرنسا ماكرون. تلك المقابر هي من طراز الممارسات الفرنسية الاستعمارية، وها هو التاريخ يعيد نفسه، وبعبارة أخرى الجميع يكشف الآن عن مزايا أو خصائص تاريخه.

لماذا أولئك يتهمون تركيا بأنها تعيد أمجاد الدولة العثمانية حينما تهمّ للدفاع عن الشعوب المضطهدة، بينما نجدهم لا يقولون أي كلمة إزاء ما تقوم به فرنسا؟ بيد أنه لا يوجد في تاريخ العثمانيين في المنطقة ما يعيب تركيا أو يجعلها تدفنه وتشعر بالعار منه. الآن نجد عموم شعوب الشرق الأوسط يشعرون باشتياق للدولة العثمانية، ربما أكثر من الأتراك أنفسهم. ألا يجب التوقف عند سبب ذلك إذن؟

هذا يعني أن هناك أشياء حاضرة الآن تعيد للأذهان صورة العثمانيين، مقابل أشياء بالتالي تجعل الأذهان ترسم الصورة الاستعمارية لفرنسا وأوروبا عموماً، وفي خضم هذه الذاكرة تبرز التجربة العثمانية صورة ناصعة نظيفة.

إن تركيا لا تمتلك أيّاً من ذلك الهوس الاستعماري الذي يطغى على العقل الفرنسي، حيث إنها الآن لا تفعل أي شيء سوى ما يقتضيه تاريخها وهويتها وشخصيتها. لا يوجد لها أطماع في أرض أحد، نعم تريد أن تكون قوية إلا أنها لا تسعى لاستخدام هذه القوة ضد أحد. لا يوجد هم لها سوى زيادة إنتاجها، وجلب مزيد من الرخاء والرفاهية والشرف والحرية لشعبها. وفي خضم ذلك تتميز تركيا بأنها دولة لا تلحق الضرر بأي دولة ترتبط معها بعلاقات وطيدة، ولا تهدّد استقرارها، ولا تطمع بما ليس بيدها بطريقة خبيثة ماكرة. ولذلك السبب تركيا هي الدولة التي تطلبها وتبحث عنها شعوب هذه المنطقة.

إذا كانت هذه الأشياء تبدو بنظر الغير وكأنها "عثمانية" (بمعنى التهمة) فقد يكون هذا الغير يعاني من مشكلة ما إذن، حيث أولئك الذين لديهم مشكلة مع العثمانيين تجد حالة من الذعر والتخبط تسكنهم، تنبع من إحساسهم بأن خيانتهم للعثمانيين وخيانتهم لشعوبهم الآن، لا بدّ وأنهم سيحاسبون يوماً ما عليها، ولذلك هم في ذعر وتخبط. على الرغم من أن تركيا لم ولا تذكر "العثمانية" إلا أنهم يرونها كابوساً كلما شهدت تركيا صعوداً نحو الأعلى. إلا أن ذلك ليس مشكلة تركيا، بل هو مشكلة أن الجميع يعيش واقع الأحاسيس النفسية التي يشكلها ما عاشه في الماضي.

ونعود إلى ماكرون، وإلى الرسومات المسيئة المنشورة مؤخراً في مجلة شارلي إبدو. كما تعلمون قامت مجلة شارلي إبدو الفرنسية بإعادة نشر الرسوم المسيئة لنبينا الكريم محمد، بينما صدرت انتقادات عديدة ضد هذه الخطوة، نجد أنّ ماكرون كان ضد هذه الانتقادات بحجة أن "رئيس الجمهورية لا يمكنه التعليق على ما يقوم به الصحفيون"، وراح يدعم إعادة نشر تلك الرسوم. في الحقيقة، لو كانت هذه الكلمات صحيحة وصادقة فلن يكون بإمكاننا قول أي شيء يصف هذا الفعل.

إلا أننا بكل حال نعلم أن الصحفيين في فرنسا ليسوا أحراراً في انتقاءاتهم الصحفية. على سبيل المثال، لا يمكن لأي أحد منهم أن يقوم حتى بإجراء تحقيق أو استقصاء حول عدد اليهود الذي قضوا في الإبادة الجماعية إبان الحرب العالمية الثانية، حيث عليهم التسليم بأنهم ليسوا أقل من 6 ملايين يهودي مات في تلك الإبادات. لا يمكن لأيّ قلم أن يكتب سطراً حول هذا الأمر، ولا يندرج هذا الموضوع تحت طائلة حرية التعبير. ونتذكر تماماً ما حصل لروجيه جارودي بسبب تلك المسألة.

بل هناك مسألة أحدث ولا تزال طازجة، وهي توبيخ ماكرون للصحفي الفرنسي في صحيفة لو فيغارو الفرنسية، جورج مالبرونو، لأن الأخير كتب مقالًا حول اللقاء الذي جرى بين ماكرون ومسؤولين في حزب الله اللبناني، بحجة أنه أتى ضد المصالح الفرنسية. هذا التوبيخ العلني لهذا الصحفي يظهر بدوره الحرية المزيفة التي يوليها ماكرون للصحفيين، أما تأييده للرسوم الكاريكاتيرية في شارلي إبدو فلم يكن يوماً لأجل حرية الصحافة، بل لأجل ترجيح شخصي في داخل ماكرون.

أي نوع من المساومة والاتفاقيات القذرة يتجلى في لقاء ماكرون بمسؤولي حزب الله، وهو ماكرون الذي يشتاق لإعادة ماضي فرنسا الاستعماري، ويحمل ما يحمل من عدم احترام إزاء الإسلام والمسلمين؟ 

لا شك أن الوقوف عند هذا مهم للغاية، إلا أن المؤكد في هذا المشهد بكل حال هو أن ماكرون يبدو تماماً كرسم كاريكاتوري من رسومات شارلي إبدو السيئة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسين أقطاي
مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
تحميل المزيد