من الواجب على كل مهتم بالشأن الجهوي في تطاوين والشأن العام في ربوع تونس أن يستفسر عن سر استمرار مختلف الصعوبات التي تواجهها فئة الشباب الناتجة عن الإقصاء والتهميش وغياب المساواة في الدخل والفرص والعمل والدراسة، واتساع الهوة بين الفقراء والمهمشين من جهة وعلية القوم من جهة أخرى. كما يشرح الوضع الرث الحالي دوافع الشباب للهجرة المستمرة والمتواصلة من تونس نحو إيطاليا وفرنسا في مراكب الموت. وتطرح الظروف الحالية مجموعة من الأسئلة، تُستهل بسؤال عريض عن التوقيت الذي سترفع فيه هذه المعاناة عن تلك الفئة العمرية التي يمثلها الشباب والشابات الموجودون في المناطق المنسية وفي المناطق الصحراوية الصعبة والمبعدة والمقصية من برامج الأحزاب والحكومات المتعاقبة على التسيير. علماَ أنه حتى وإن وجدت تلك البرامج فإنها لا تخصص للمناطق المهمشة من الميزانية العامة إلا نسبة هزيلة يتم إنفاقها بطرق عشوائية على البرامج غير المدروسة التي تفتقر إلى الواقعية في التنزيل والتطبيق، ومردوديتها تكون عادة غير مضمونة، وتظل أحياناً مجرد حبر على ورق كاتفاق الكامور، أو مجرد كلام يتبخر في سماء مقرات الأحزاب التي تنفق ميزانيتها على الاجتماعات فارغة المضمون.
وعند حلول موعد الانتخابات تتقاطر الأحزاب وتكثر الاجتماعات وترى السيارات الفارهة، لا دور لهم سوى هتك عرض الميزانيات الجماعية وإطلاق الوعود الزائفة للشباب والمهمشين.
ولذلك فإن الشباب في المناطق المهمشة الداخلية في تونس، ومنذ مدة وهو يعيش انتكاسات متواصلة، تنطلق منذ صرخة الولادة إلى غاية سكرات الموت. ويستمر ترسخ المعاناة ابتداء من فترة الحلم وبداية الخطوات العمرية الأولى التي يعيش فيها الشباب معاناتهم بجميع فصولها وبمفهومها الدلالي والاصطلاحي واللغوي. حيث يبلى بالفقر والتهميش والحرمان والإقصاء والإبعاد من جميع الحقوق المتعارف عليها وطنياً ودولياً بسبب غياب الرعاية والاهتمام اللازمين من طرف الدولة والمجتمع المدني بالإضافة إلى الأحزاب السياسية. ويظهر هذا الحرمان جلياً من خلال القيام بجولة قصيرة في أي مدينة داخلية في تونس.
إن توصيف وتوضيح أسباب تخلف المناطق الداخلية في تونس من حيث التنمية عن بقية الجهات ليس بالأمر الصعب باعتبار انعكاسات تلك الأسباب على الواقع… مدينة تطاوين مثلاً الجهة الغنية بالثروات الباطنية والتي تتمتع بمساحة شاسعة قادرة على أن تتصدر المشهد الاقتصادي في تونس لولا وجود عوامل تمنع ذلك. ولعل العامل الأبرز هو سياسي بالأساس، فلا وجود لإرادة سياسية لتغيير المشهد التنموي في المدينة رغم الاتفاق الشهير مع شباب المدينة الذين احتجوا سنة 2017، ذلك الاتفاق الذي يعرف باسم "اتفاق الكامور" والذي بقي حبراً على ورق ولم تف الدولة بتعهداتها مما نتج عنه هزات ارتدادية وصل صداها مؤخراً بإغلاق وحدة ضخ النفط في الكامور من قبل الشباب المحتج، مما نتج عنه تعطل الإنتاج وتعمق الأزمة التي تكبر مع الزمن ككرة الثلج. الشباب يطالب بتنفيذ اتفاق 2017 الذي وقعه مع الحكومة وقتل من أجله الشاب أنور السكرافي الذي لم يتحقق إلى الآن ما خرج من أجله.
ما يحدث في الكامور حالياً هو احتجاج شعبي سلمي لا يدعي أبوّته أحد وإنما هم شباب مهمش مل من الانتظار لعل الدولة تطبق الوعود وتفي بالالتزامات.
الكامور اليوم هو القضية الأولى وطنياً على طاولة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، تحت بند قضية "أمن قومي".
وفي تطاوين التي يتقافز فيها أصحاب الوصفات السحرية لتقديم الحلول وتبسيط الأمور هناك محاولات جادة لنزع فتيل الأزمة مقابل الوفاء بمنوال تنمية يحفظ للجهة كرامتها ويوفر لأبنائها حداً أدنى من أسباب العيش الكريم. لكن بين هذا وذاك تسعى بعض الأطراف لاستغلال مطالب الجهة لتحقيق نقاط سياسية ضد خصومها والقول في شباب الكامور ما ليس فيه واتهامه بتنفيذ أجندات خارجية وخدمة القوى المضادة للثورة.
لكن المتأمل للوضع العام في جهة تطاوين يلاحظ مدى تدهور الوضع الاقتصادي في المدينة خاصة بعد غلق الحدود مع الجارة ليبيا وما سببه ذلك من تعطل التبادل التجاري وقطع أرزاق العديد من القاطنين في المنطقة الحدودية على طول الشريط الحدودي لولاية تطاوين مع ليبيا وقد كانت التجارة مع ليبيا مصدر رزقهم الوحيد لعدم توفر مواطن الشغل في تطاوين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.