كيف أشعل محمد علي النار في نفسه؟

عدد القراءات
846
عربي بوست
تم النشر: 2020/09/10 الساعة 11:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/10 الساعة 11:38 بتوقيت غرينتش
رجل الأعمال المصري محمد علي /الشبكات الاجتماعية

في يومَي 20 سبتمبر/أيلول من عام 2019، و25 يناير/كانون الثاني 2020، كانت هناك دعوات للنزول إلى الميادين المصرية بغرض إسقاط رأس النظام المصري الحالي عبدالفتاح السيسي، كان الداعي لها هو المقاول والممثل المصري محمد على. ما حدث في اليوم الأول (20 سبتمبر/أيلول) كان استجابة لتلك الدعوات ونزل المصريين إلى الشوارع، ممّا أدى إلى عمليات كرّ وفرّ واشتباكات بين المتظاهرين والشرطة المصرية، فضلاً عن الاعتقالات العشوائية الواسعة التي استمرت لأيام لاسيما في وسط القاهرة ومحافظتي السويس ودمياط. أما اليوم الآخر فلا أحد لبَّى النداء، وكانت الشوارع خالية، نتج عن ذلك موجة سخرية من الإعلام المصري موجهةً إلى محمد علي وداعميه، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، لينتهي اليوم بظهور محمد علي معلناً اعتزاله العمل السياسي، وبعد اختفائه فترة، ظهر أول أيام عيد الفطر الماضي على المصريين مرةً أخرى منتقداً سياسة النظام المصري في التعامل مع أزمة كورونا على المستوى الصحي، مُردداً نفس الخطابات التي تبناها من قبل. ولكن هذه المرة، كما من قبلها دعوته للتظاهر يوم 25 يناير/كانون الثاني 2020، لم يحظَ باهتمام حقيقي من المصريين لخطابه عكس ما جرى عند ظهوره، فهل يعكس فشل خطاب محمد علي مدى ارتباطه ودمج خطابه السياسي والإعلامي بالإخوان المسلمين؟ 

ضيق الأفق 

كانت مطالب الإخوان منذ إزاحتهم من سُدة الحكم في مصر في يوليو/تموز 2013 هي مطالب إلى حد كبير تدخل في السياق الفئوي وليس لها غطاء جماهيري متنوع يخرج من عباءة الإسلاميين، حتى وإن كانت دستورية صحيحة، وهي عودة الشرعية متمثلة في الدكتور محمد مرسي رئيساً للبلاد قبل أن يتوفاه الله في يونيو/حزيران 2019، وعودة الدستور المقر شعبياً عام 2012 والبرلمان المصري، وظلت الجماعة وأنصارها يطالبون بتلك المطالب في الاعتصامات والشوارع، لسنوات متتالية، حتى تمكن الجهاز الأمنيّ في مصر من سحق تلك الاحتجاجات وإخمادها تماماً بحلول عام 2017.

ولكن دلّت القيادة السياسية والخطاب الإعلامي للجماعة على ضيق أفقها وعدم استيعابها ليس لفئات كثيرة من الشعب فقط، أو حتى القوى الثورية المتراجعة عن موقفهم في 30 يونيو/حزيران 2013، بل حتى على مستوى التحالفات السياسية الإسلامية التي نشأت، فقد انفكَّ عن تحالف الإخوان باسم الشرعية حينذاك أبرز الكيانات الإسلامية والوسطية مثل الجماعة الإسلامية الذي أعلن حزبها البناء والتنمية فكّ ارتباطه عن تحالف دعم الشرعية، متحججاً بتطلعه نحو مزيد من الانفتاح السياسي على القوى الأخرى سواء السياسية أو حتى إجراء حوارات مع النظام المصري. كذلك أعلنت الجبهة السلفية خروجها من التحالف اعتراضاً منها على تخلّي الإخوان المسلمين عنهم في دعوتهم للنزول في مظاهرات رافعة للمصاحف في يوم الهويّة الإسلامية الذي دعوا إليه يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014. حزب الوسط أيضاً لم يطِق العمل تحت راية القيادة الإخوانية، وانسحب في أغسطس/آب عام 2014 من تحالف الشرعية منادياً بالاصطفاف الثوري والوطني لاستكمال النضال من أجل مطالب 25 يناير 2011 بعيداً عن مظلة الإخوان وتحالفاتهم؛ لأنها تعترض أي اصطفافٍ وطني لجمودهم في التعامل السياسي. 

الخطاب الشعبي الغير مؤدلج

أوائل سبتمبر/أيلول الماضي ظهر محمد علي إلى الناس، لِيعرّف نفسه أنه ترك العمل كمقاولاً تنفيذياً لمشاريع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وهرب إلى إسبانيا، ليتكلم عن الفساد الموجود داخل تلك المشاريع واستخدام النفوذ والمحسوبية وإهدار مئات الملايين من الجنيهات المصرية في مشاريع وهمية لا تعود على المواطن المصري بأي منفعة في ظل أكثر من 30 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، بل حتى الجنرال المصري يهدر عشرات الملايين على القصور الرئاسية التي يبنيها كاستراحاتٍ ترفيهية ومصيفيةٍ له ولأسرته بتكلفة تقدر بـ250 مليون جنيه. 

كان خطاب عليّ المتكرر كل يوم يركز على شيئين ميّزاهُ في نظر الكثير من المصريين: الشيء الأول عدم أدلجة خطابه، فهو يعرف نفسه كَخريج دبلوم الصنايع (مؤهل متوسط) ولا يعرف ما معنى السياسة، ولم يشارك في ثورة يناير، ولا في أي احتجاجات من قبل، وليس له علاقة بالإخوان ولا القوى الثورية (الليبراليين – اليساريين) على حد وصفه. الشيء الآخر كان الخطاب السلس الذي ابتلعه المواطن المصري بسهولة ومصداقية الذي كشف تفاصيل وأسماء المشاريع التابعة للقوات المسلحة، ردّ الفعل كان سريعاً سواء على المستوى الإعلامي والسلطوي، نُكّل بمحمد علي إعلامياً واتُّهم بالزنا والصياعة والانتماء لأهل الشر، ورد عليه السيسي بشكل شخصي في مؤتمر الشباب بالقاهرة، قائلاً بشأن بناء القصور الرئاسية: "هعمل واعمل قصور رئاسية، هو أنا بعمل لمين. ماهو للمصريين"، أدت ردود الفعل الغاضبة من النظام المصري تجاه المقاول إلى مصداقية أكبر لحديثه، نتج عنها غضب عارم في الشوارع لآلاف المصريين مساء يوم الجمعة 20 ديسمبر/أيلول الماضي، ولكن تمّ احتواؤه بقوة الجهاز الشرطيّ في مصر عن طريق فض تلك التظاهرات واعتقال المئات.

بداية الأدلجة ونهاية المصداقية 

لم يصدق أكثر المتفائلين ما حدث في هذا اليوم، حتى محمد علي نفسه، صُور الجنرال السيسي قد مزّقها الشعب المصري وداس عليها بأقدامه، واستمرت تلك الاحتجاجات لعدة أيام في شوارع القاهرة ومُدن أخرى، في ظل ركودٍ سياسي، واستسلام شعبي للسلطة الغاشمة على مدار سنوات فائتة، حتى إن جاء هذا اليوم الذي كُسِرَ فيه صنم التظاهرات الشعبية ضد رئيس الدولة المصرية، هنا كانت بداية النهاية لمصداقية محمد عليّ. سريعاً، تواصل الإعلام العربي والعالمي مع المقاول المصري لعقد اللقاءات الصحفية والتلفزيونية، حيث عقدت منظمة egypt watch لقاءً صحفياً للمقاول المصري في العاصمة البريطانية لندن في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، تحدث من خلاله عن خططه للتخلص من رأس النظام المصري، بعد ذلك دارت الحوارات واللقاءات الصحفية بين الممثل المصري وبين تلفزيون بي بي سي البريطانية، وشاشات الجزيرة، وصحيفة الجارديان وميدل ايست اي، وغيرهم من وسائل الإعلام متعددة اللغات.

ضاق العقل السياسي بالمقاول المصري وسط زخم تلك اللقاءات، لم يعد يعرف ماذا يقول كمتحدث سياسي، فهو باعترافه لا يفقه شيئاً في هذا الحقل، بل ونفد مخزون أسراره عن المؤسسة العسكرية وفسادها، لذلك بات حديثه للمصريين متكرراً، مع ازياد القبضة الأمنية واشتدادها وانشغال ما تبقى من رموز سياسية أو حقوقية في مصر بكمّ المعتقلين إثر احتجاجات سبتمبر/أيلول، بدأ المقاول يتحدث عن خطط ومشاريع سياسية مُستقبلية أثارت استهزاء البعض، مثل خططه بأن نأتي من كل محافظة بـ50 رجلاً عاقلاً يضعون دستوراً للبلاد، لكي نعيش كما تعيش الديمقراطيات في أوروبا، بل وأخرج "وثيقة ما بعد رحيل السيسي" سميت بوثيقة "التوافق المصري".

امتزجت تلك السذاجة السياسية من المقاول مع ظهوره المتكرر على القنوات التابعة للمعارضة الإخوانية بتركيا كقنوات مكملين والشرق وإجراء حوارات مع الوجوه الإذاعية المحسوبة على جماعة الإخوان كمحمد ناصر ومعتز مطر وسيد توكل، انجرّ محمد عليّ مع تلك الوجوه الإذاعية في ترديد شعارات رنانة وحث المصريين على النزول إلى الشوارع دون خطة مسبقة. مع ذلك التقارب في الخطاب الإعلامي، حدث أيضاً تقارب سياسي، فلم يعد محمد علي يتبرأ من عباءة الإخوان كما قال في بدايات ظهوره، بل تصالح معهم، وبدأ في امتنانه في التواصل معهم، حتى إنه صرح بتواصله مع رئيس الجماعة بالخارج الدكتور إبراهيم منير، واتفاقه معه على إخراج وثيقة ما بعد السيسي، ممّا أتاح فرصة للإعلام الرسمي في مصر بوضعه في دائرة مشاريع الإخوان المفرغة.

استمر الوضع هكذا، حتى هلت أيام ما قبل الذكرى التاسعة لثورة يناير، ليكثف عليّ ظهوره للدعوة للتظاهر في ذلك اليوم في كل ميادين مصر، ولكن هذه المرّة لم ينزل أحد إلى الشوارع، بل هاجمت أصوات العقلاء والأكاديميين محمد علي والأصوات المحسوبة على الإخوان من صحفيين ومذيعين في قطر وتركيا لتحريضهم المصريين على النزول للتظاهر، ممّا يؤدي إلى اعتقالهم مرةً أخرى، وسط خطاب سياسي لمعارضة تائهة، وخطة ساذجة لا يُعتد بها، وعدم وجود قيادة تنظيمية حركية للشارع بالداخل المصري، فضلاً عن الوجود المكثف للأمن المصري منذ بداية شهر يناير/كانون الثاني في ميادين مصر كافة وخاصة وسط القاهرة، والاعتقال العشوائي للمشتبه بهم، وتفتيش الهواتف الخلوية للمواطنين كافة، وفي آخر اليوم ظهر محمد عليّ معلناً اعتزاله العمل السياسي وفشله في حشد المصريين للتظاهر، بل وحذف صفحة الفيسبوك الخاصة به للأبد، ولكن ما فات سوى أربعة أشهر فقط حتى يعود للتحدث من جديد.

عودة مكررة

عاد مرّة أخرى ليتحدث عن أزمة كورونا وتقاعس الدولة المصرية وإهمالها في الحفاظ على حياة المصريين، تمحور خطاب المقاول في الأيام الماضية حول الحديث عن مستشفيات الجيش المُغلقة أمام المصريين، وعن ازدواجية معايير وزارة الصحة في التعامل مع المريض الفقير من المريض الغني، وغير ذلك من مشاركة منشورات توضح استياء المصريين من النظام المصري في التعامل مع الجائحة، بدا عليه هذه المرة أنه لا جديد لديه سوى الانتقاد الدوري الذي تعوّد عليه المصريون على شاشات القنوات المعارضة في الخارج، لذا كانت ردود الفعل المصرية عليه بلا جديد أيضاً، معاناة مستمرة بلا حلٍّ حقيقي، وخطاب مفرّغ من الحلّ الواقعي لما يعانيه المصريون.

في بداية الظهور، وتحديداً أثناء تظاهرات يوم 20 سبتمبر، تكاثرت التحليلات بأن جهة ما داخل المؤسسة العسكرية تريد التغيير وهي التي تقف بدورها وراء خروج محمد عليّ لحث المصريين على التظاهرات، تلك الجهة لا تريد سيطرة السيسي وحاشيته على المؤسسة العسكرية وغير راضية عن التصفيات الداخلية التي أجراها الرئيس السيسي لخصومه داخل المؤسسة العسكرية لاسيما داخل جهاز المخابرات العامة، ولكن انتهت التظاهرات واستقرت المقاليد مرّة أخرى في يد الرئيس السيسي حتى وإن أقبل بعدها على اتخاذ إجراءات تخفف حدّة التوتر داخل الجهات الفاعلة والمتحكمة في دوائر السلطة العليا للنظام المصري، لكن يظل ما وراء ظهور محمد عليّ غير مؤكد، بل الظاهر أن خطابه أصبح بلا تأثير، وخرج من دائرة الخطاب الشعبي الذي يشغل المواطن البسيط إلى الخطاب المؤدلج الذي ملَّ المواطن المصري من تداوله.

فصل جديد قديم

قبل أيام قليلة، دعا المقاول المصريين للنزول مرّةً أخرى يوم 20 سبتمبر الحالي وهي الذكرى الأولى لأحداث سبتمبر 2019. ولكن من الواضح -وبعد مرور تسع سنوات ونصف على ثورة يناير 2011- إفلاس أي أدلجة مصرية (إسلامية – ثورية) من خطابها الملموس لدى المواطن المصري، وخاصة إن كان الخطاب ممزوجاً من القوى الإخوانية أو المحسوبة عليهم، لأن خطابهم ما زال بعيداً عن أذن الشعب، ودائماً ما يتمتع بسرديةِ المِحنة والمظلومية التي وقعت عليها وأخرجتهم من سدة الحكم ظلماً وعنوةً، وهذا بالضرورة أزمة حقيقية ولكنها لا تهم المواطن المصري المتصدّع من أزمات اقتصادية واجتماعية وصحية  وخدمية تُهدر حياته كل يوم بلا ثمن، فأي خطاب يخرج سواء من المقاول المصري أو ما يأتي بعدهُ من شخصيات إن اختلط بالأدلجة فقد مصداقيته وتخلى عنه مُستمعيه.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد عبد الحليم
كاتب وباحث مصري في قضايا السياسةوالاجتماع
كاتب وباحث مصريّ، له العديد من المقالات والدراسات والتحقيقات المنشورة باللغتين العربيّة والإنجليزيّة في عدد من المؤسّسات البحثية والمنابر العربية. مؤلّف كتابي «الحارة العربيّة» و«أجساد راقصة»، صدرت عن دار الجديد، بلبنان عام 2021.
تحميل المزيد