إنهاء حقبة الإخوان المسلمين وعقد انتخابات من دون تغيير.. الأردن إلى أين؟

عدد القراءات
2,010
عربي بوست
تم النشر: 2020/09/05 الساعة 10:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/05 الساعة 10:28 بتوقيت غرينتش
ما علاقة أبوظبي بقرار حل جماعة الإحوان المسلمين بالأردن.. انترنت

ما يزال موقف دوائر القرار في عمّان يرجّح قرار إجراء الانتخابات النيابية، التي أعلن الملك عن عقدها، وحدّدت الهيئة المستقلة للانتخابات العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل موعداً لها، رغم التصاعد المفاجئ بأعداد المصابين بفيروس كورونا، ليصبح معدل الإصابة اليومية تقريباً 50 حالة، والعودة إلى الحظر الليلي ومنع التجول في بعض المحافظات في أيام معينة (مثل العاصمة عمّان ومحافظة الزرقاء في أيام الجُمَع).

الإصرار على الانتخابات يعود لأكثر من سبب، في مقدمتها عدم رغبة مطبخ القرار في استمرار مجلس النواب الحالي، والخشية من أن تأجيل الانتخابات إلى العام القادم مع ظهور تداعيات الأزمة الاقتصادية-الاجتماعية، بسبب فيروس كورونا، سيعزز من حضور القوى الراديكالية وخطابها، وبالتالي الأفضل هذا العام، وأخيراً الخشية من أن التأجيل وعودة مجلس النواب في ظل الأوضاع الاقتصادية-الاجتماعية قد يشجعان القوى والنخب السياسية على المطالبة بتعديل قانون الانتخاب، الذي تتمسّك به دوائر القرار.

مع ذلك يبقى احتمال تأجيل الانتخابات قائماً إذا أصبح الوضع الوبائي خارج السيطرة، فسيكون عندها الحديث عن حملات انتخابية وإجراءات وقائية أكثر تعقيداً ومخاطرة وصعوبة. 

لا توجد توقعات بتغيير حقيقي في نتائج الانتخابات، ولعلّ التوقعات غير المعلنة ترجّح عودة نسبة كبيرة من أعضاء المجلس الحالي، وهو ما يعني أن الانتخابات سواء أُجريت أم لم تُجرَ، لا يعني ذلك أي تغيير يُذكر على الحياة السياسية، فهي مطلوبة لذاتها كاستحقاق دستوري، لا شيء آخر.

هنا، تتبدى المفارقة فالانتخابات -في العادة- فرصة لتنفيس الاحتقان الشعبي والضغوطات الاجتماعية وتنفيسها عبر صندوق الاقتراع، ما يسمح بصعود شخصيات وقوى تمثّل الشارع وتقنعه بأهمية اللعبة السياسية وقيمتها، لكن ما يحدث هو استدامة الأزمة والإبقاء على الفجوة المتنامية المتجذّرة بين الشارع ومؤسسات الدولة، ومن ضمنها مجلس النواب، الذي وصل منسوب الثقة به خلال الأعوام الأخيرة إلى أكثر نقطة منخفضة في تاريخ استطلاعات الرأي بالأردن.

على الجهة المقابلة، أعلنت أغلب الأحزاب السياسية نيتها المشاركة، وبدأت بتجهيز القوائم، وربما الطرف الوحيد الذي أعلن لغاية الآن رفض المشاركة هو جهة غير محدّدة ولا مؤطرة قانونياً أطلقت على نفسها الهيئة الوطنية لمقاطعة الانتخابات النيابية، وعلى الأغلب تتشكّل من قوى الحراك الشعبي التي ما تزال تنشط بين الفينة والأخرى في الشارع، منذ العام 2010.

أمّا بخصوص الحزب الأكبر والأكثر حضوراً تقليدياً في الشارع الأردني، حزب جبهة العمل الإسلامي (الذي يمثّل جماعة الإخوان المسلمين)، فحتى كتابة هذا المقال لم يعلن موقفه من الانتخابات، وإن كانت مصادر قيادية رجّحت (في اتصال مع كاتب المقال) قرار المشاركة، بعد أن تمّ الإفراج عن مجلس نقابة المعلّمين، وتراجع منسوب الأزمة بين الحكومة والنقابة، وهي الأزمة التي أصرت الحكومة فيها على تحميل الجماعة مسؤولية تحريك المعلمين، بينما كانت قيادة الجماعة تصرّ على أنّها مع التهدئة وأنّ الأزمة مرتبطة بالعلاقة بين الحكومة والمعلمين (حصرياً).

تتنازع أوساط الحزب والجماعة النقاشات الساخنة بخصوص جدوى المشاركة السياسية، ففضلاً عن أنّه لا تغيير متوقعاً، فإنّ أبناء الجماعة يشعرون بالاستهداف من قبل السياسات الرسمية، وهو ما وصل إلى نزعة الشرعية القانونية عنها، ومصادرة ممتلكاتها وأملاكها واسمها لصالح الجمعية الجديدة باسم جمعية الإخوان المسلمين.

فوق هذا وذاك يكشف المراقب العام للجماعة (في حوار خاص مع الكاتب) عن قلق شديد في أروقة الجماعة من عدم وجود ضمانات بانتخابات نزيهة، وهو ما قد يكرر تجربة انتخابات 2007، عندما تم تزوير الانتخابات وإسقاط أغلب مرشحي الجماعة، للإبقاء على ستة فقط، وقد اعترف لاحقاً مسؤولون كبار، من ضمنهم رئيس الوزراء، د. معروف البخيت الذي أجريت الانتخابات في عهده، بأنّ الانتخابات تم تزويرها وتغيير نتائجها (مع تأكيده أن ذلك تم من غير علمه).

في المقابل ربما لم يعد السؤال المهم لدى قيادات الجماعة: ماذا يكسبون من الانتخابات القادمة؟ إنّما ماذا سيخسرون في حال قرروا المقاطعة؟ ذلك أن تجربة المقاطعة لثلاث مرات لم تكن مفيدة قط للجماعة (1997، 2010، 2013)، إذ فقدت رافعة من روافع قوتها في العلاقة المأزومة باستمرار مع النظام، وهي الكتلة النيابية التي تمثل الجماعة والحزب في الانتخابات، فضلاً عن أن فلسفة المشاركة للإخوان تقوم على حد تعبير الباحث الأمريكي المعروف ناثان براون، على مبدأ "المشاركة لا المغالبة"، فالمشاركة تتيح لهم الاشتباك مع الشارع والجماهير، وتقديم خطابهم وإرسال رسائلهم وإبقاء حالة الحركة في القواعد، بدلاً من الركود.

يبدو الوضع هذه المرّة أكثر إلحاحاً بالنسبة لنخبة قيادية في كل من الجماعة والحزب، على المشاركة؛ تجنباً لتعميق الأزمة مع النظام، ومحاولة لإعادة بناء جسور الحوار والوصول إلى توافقات بعدما أصبحت السياسات الرسمية أكثر شراسة ووضوحاً في الإصرار على إلغاء الوجود القانوني للجماعة وحظرها بالكلية، وهو ما يجعل من خيارات الحزب محدودة، ومن وجوده في مجلس النواب القادم فرصة لإبقاء قناة من القنوات مفتوحة على الحوار مع النظام.

وعلى الرغم من أن أغلبية ما يسمى الجناح البراغماتي أو المعتدل في الجماعة قد خرجت وأسست تجارب حزبية وسياسية أخرى (كحزب زمزم، وحزب الشراكة والإنقاذ، وجمعية الإخوان المسلمين الجديدة)، فإن الفراغ الناجم عن ذلك ملأه زكي بني ارشيد، الذي كان يُحسب على تحالف المتشددين سابقاً، بينما يقود اليوم تياراً يطلق عليه "تيار الوسطية" في الجماعة والحزب، في مواجهة الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي، مراد العضايلة، أحد أبرز قيادات جناح الصقور.

السياسات الرسمية لا تريد أن تطبق التجارب السعودية والمصرية والإماراتية بتجريم الإخوان واتهامهم بالإرهاب، لكنّها مصرَّةٌ هذه المرة، كما يؤكد وزير سياسي أردني (لكاتب المقال)، على أن يتم إنهاء حقبة الإخوان المسلمين والاكتفاء بجبهة العمل الإسلامي كإطار قانوني سياسي يمارس العمل الحزبي والبرلماني، وإنهاء الازدواجية الحالية بين الطبيعة المغلقة السرية للجماعة والحزب.

لم يصل بعدُ قادة الجماعة والحزب إلى قرار نهائي بخصوص هذه التحولات المفصلية، فهم منقسمون بين أكثر من رأي، أقواهما رأيان: الأول يرى التريث و"الإيواء في الظل" ويراهن على تغير الظروف المحيطة، بينما الثاني يرغب في الاقتداء بالتجربتين التونسية والمغربية في العمل الحزبي والفصل بين الدعوي والسياسي..

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد أبو رمان
كاتب في الفكر والإصلاح السياسي
كاتب في الفكر والإصلاح السياسي
تحميل المزيد