قبل 40 عاماً، خلال المناظرة الرئاسية الوحيدة في عام 1980، طرح المرشح الجمهوري آنذاك رونالد ريغان تساؤلاً على الشعب الأمريكي حول ما أصبح تقريباً التساؤل الذي حدد تلك الانتخابات: هل صرتم أفضل مما كنتم عليه قبل أربع سنوات؟ وببساطة وبصورة مباشرة، بدا أن التساؤل يتجاوز دراما السياسة ويجد صدىً لدى الناخبين على مستوى شخصي وآنيٍّ. والآن، بينما نمضي قدماً نحو المرحلة الأخيرة من انتخابات 2020، حان الوقت لتوجيه سؤال آخر إلى الشعب الأمريكي: هل أنتم أكثر أماناً اليوم مما كنتم قبل 4 سنوات؟
لا ريب في أن الإجابة الصادقة لهذا السؤال، بالنسبة لجميع من في هذه البلاد، ينبغي أن تكون "كلا". بالنظر إلينا نظرة الأمة أو نظرة الأفراد، نحن الآن في خطرٍ أكبر بكثير من الوضع الذي كنا فيه عام 2016. إذ تتعرض سلامتنا الجسدية للتهديد، وثمة خطر يعترض صحة الفرد والصحة العامة، وتقلصت فرص العمل لدينا تقلصاً كبيراً.
ومع ذلك، يُسقط الرئيس دونالد ترامب بطريقة معاكسة وروتينية (وإن كانت غير مفاجئة)، مسؤولية هذا الوضع الأمريكي على أي شخص آخر، ما عدا شخص الرئيس نفسه. ونشهد هذه الاستراتيجية مرة أخرى هذا الأسبوع.
وفي تجاوزٍ لاعتراضات توني إيفرز، حاكم ولاية ويسكنسن، ترامب اليوم في مدينة كينوشا بولاية ويسكنسن. وأثناء زيارته، لن يقابل عائلة جاكوب بليك، الرجل الأسود الأعزل الذي أُطلق عليه النار من ظهره سبع مرات عن طريق ضابط شرطة في كينوشا، بل سيعقد اجتماعاً مع هيئات إنفاذ القانون، كما لو أن الشرطة هي الضحية الحقيقية لعنف الشرطة في هذه البلاد. (لقد قلت إن المنطق قد انقلب). والآن، صرنا معتادين على سماع أسماء الآخرين، الذين سيلقي اللوم على كاهلهم، ومن ضمنهم "اليسار الراديكالي"، و"المدن التي يديرها الديمقراطيون"، وأيضاً -بكل تأكيد- جو بايدن، الرجل الذي لا يشغل منصب الرئيس الحالي للولايات المتحدة.
لا يحتاج الأمر إلى عبقرية كي نرى -حرفياً منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها حملتَه الرئاسية- أن ترامب يتبع دون مواربةٍ سياسات التفرقة، إذ يشوه سمعة مجموعة مستضعفة تلو الأخرى، ثم يضعهم بلا رحمة في مواجهة ناخبيه الرئيسيين الغاضبين. كان المسلمون والمكسيكيون أول الأشرار في هذه المسرحية غير الأخلاقية. عندما أعلن ترشحه في يونيو/حزيران 2015، ادعى ترامب أن المكسيك "ترسل" "المغتصبين والمجرمين" لديها إلى الولايات المتحدة، وبحلول ديسمبر/كانون الأول 2015، طالب ترامب بـ"إغلاق شامل وكلي" أمام المسلمين الذين يدخلون البلاد. وبحلول يناير/كانون الثاني، كان في البيت الأبيض، وبدأ المكسيكيون والمسلمون -وأنا من ضمنهم- عهداً متوتراً مليئاً بالخوف والقلق.
لم ينته التوتر؛ بل امتد إلى آخرين. إذ إن وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك في إدارة ترامب تفصل الأطفال طالبي اللجوء، القادمين في الغالب من أمريكا الوسطى، عن آبائهم وتضعهم في ظروف اعتقال مروعة. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد. وُضع عدد صادم من المواطنين الأمريكيين خطأً في مراكز احتجاز المهاجرين. وشاهد الأمريكيون المتحولون جنسياً إدارة ترامب تسعى إلى سحب حقوقهم المدنية، حتى بعد أن حظرت المحكمة العليا التمييز الجنسي في بيئات العمل ضد أفراد مجتمعات الميم. وفي عام 2017، ألغى قاعدة " الأجور العادلة وبيئة العمل الآمنة"، التي قدمت للنساء في بيئات العمل أدوات حماية رئيسية. والقائمة تطول.
لذا، من هم تحديداً الذين يشعرون بأمانٍ أكبر في ظل حكم ترامب؟ هل هم الأمريكيون من أصول إفريقية؟ بالكاد يمكن القول بذلك. برغم ما يدعيه الرئيس، لا يزال الأمريكيون السود يُقتلون عن طريق الشرطة بمعدلات أعلى من الأمريكيين البيض، وتشير بعض الدراسات إلى أن المعدل أعلى بـ3.5 ضعف. ماذا عن المستفيدين من القرار المؤجل للواصلين أطفالاً؟ يعيش هؤلاء في حالة خوف عميق من أن يفوز ترامب بولاية رئاسية ثانية، وحينها سيكون قادراً على إعادة صياغة أمره المناهض للقرار المؤجل للواصلين أطفالاً، بطريقةٍ أفضل بما يكفي لإرضاء المحاكم، مثلما فعل في قرار حظر المسلمين. ماذا عن الأمريكيين المسلمين؟ فُصل كثير من هؤلاء بطريقة قاسية عن ذويهم، بسبب قرار ترامب حظر دخول المسلمين. وماذا عن الأمريكيين العاملين؟ فقد 12 مليون أمريكي تأمينهم الصحي، بسبب إخفاقات هذه الإدارة في التعامل مع جائحة فيروس كورونا. فأين أمان هؤلاء؟
لعل أنصار اليمين المتطرف هم المجموعة الوحيدة، ممن هم ليسوا من آل ترامب وليسوا من المليارديرات، الذين تبدو سلامتهم مضمونة في ظل حكم ترامب. غرد الرئيس: "ارقد في سلام يا جاي"، وذلك في تعازيه التي قدمها إلى عضو في إحدى جماعات اليمين المتطرف قُتل في بورتلاند بولاية أوريغون مساء السبت 29 أغسطس/آب. ويبدو الأمر كما لو أن اليمين المتطرف يحظى، تحت إدارة ترامب، بكافة ضمانات الأمن والسلامة التي تحظى بها أي فئة محمية.
في الأسبوع نفسه الذي سافر خلاله الرئيس ترامب إلى ويسكنسن، ليخبرنا بأننا أكثر أمناً تحت قيادته، أبلغت الولايات المتحدة عن تجاوز أعداد الإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة حاجز الـ6 ملايين مصاب، أي أكثر من التعداد السكاني لدولة الدنمارك.
إذ إن الصحة هي الأخرى مسألة تتعلق بالأمن والسلامة. والتوظيف مسألة تتعلق بالأمن والسلامة. وأن يكون المرء غير معرَّض لعنف الشرطة مسألة تتعلق بالأمن والسلامة. لذا، أوجِّه السؤال مرة أخرى: هل أنتم أكثر أماناً اليوم مما كنتم قبل 4 سنوات؟ إذا لم تكونوا كذلك، ألا يتحمل ترامب قدراً كبيراً من المسؤولية في ذلك؟ ولماذا لن تتراجع سلامتكم وأمنكم تراجعاً أكبر خلال الولاية الرئاسية الثانية لترامب؟
يكمن الأمر الذي يمكن رؤيته بوضوح، في أن الرئيس الحالي يعتقد أن طريقته لإعادة انتخابه هي الطريقة نفسها التي أوصلته إلى المنصب في المقام الأول، أي عن طريق الاستخدام المجرد من الضمير لاستراتيجية "نحن" في مواجهة "هم". ولكن بعد نحو 4 سنوات، ليس أي من "نحن" تقريباً في وضعٍ أكثر أمناً على الإطلاق. يجب أن تفضح هذه الحقيقة البسيطة استراتيجية ترامب التي تخدم مصالحه الذاتية. فالأمر ليس "هم" في مواجهة "نحن". ولم يكن حقاً "نحن" في مواجهة "هم" على الإطلاق؛ بل من الأفضل أن نفكر في الأمر على أنه الولايات المتحدة -أي أغلبية الشعب الأمريكي- في مواجهة ترامب. ومن أجل مستقبل وصحة هذه الجمهورية، يجب أن تفوز الولايات المتحدة.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian الأمريكية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.