"رُب ضارة نافعة"، أليس كذلك؟! هذا ما سنكتشفه عبر هذا المقال، كما سنتعرّف من خلاله على حكايات ومواقف عديدة، ومنها قصة الطفل "الرُّمان الصغير" الذي وُلد مع صافرة بداية الجائحة وكان محل انتباه الناس، خاصةً في مدينة ووهان، الطفل الرمان الذي ألهمني اسمه العجيب مع المتابعين هنا أن مبادئ "السلامة أولاً" و"الغذاء قبل الدواء" هما أهم مفتاحين لانحسار وباء كوفيد-19 من الصين للأبد.
قبل الوصول إلى تلك الخلاصة، مضت بنا أيام عمل وجهاد مشترك من الناس كافة ضد كائن مراوغ لا يُرى بالعين المجردة، وهو كذلك. وهي كذلك فرصةٌ للاسترخاء في البيت والتفكير في قائمة أعمال التدابير وتسيير دفة معيشة الحياة التي –فجأةً- أصبحت ضنكاً –بالتساوي- على جميع سكان القرية العالمية وشهد بدايتها البشر المقيمون بأرض الصين. ولكن وبحمد الله تقاسم الناس بعض التدابير الفعّالة طوال النصف الأول من السنة الأولى لهجمة الكائن فيروس كوفيد-19. وبالتالي الوصول إلى حلول بأقل الخسائر الممكنة، أولئك الذين اتّحدوا وتحدّوا بشكل إيجابي منعاً لانتشار الفيروس القاتل ومعالجة المستجدات فتراكمت الخبرات في رصيد كفاحهم الموحّد. ثم جاء النصف الثاني من السنة "الكورونية" الخاصة جداً ولا زال الفيروس يتسيد الموقف، لذلك أود أن أغتنم السانحة تطوّعاً لأشارك مع بني البشر في قريتنا العالمية بعض المستجدات على ضوء التفكير الجمعي والواقع المُعاش من الجهة التي شاءت الأقدار أن تكون أول المكتوين بويلات كوفيد-19، هي رؤية آمل من خلالها تحقيق تكاتف أكثر بين البشر ورفع الروح المعنوية وتشجيعاً تستحقه أجيالنا الطامحة نحو مستقبل أفضل.
الحياة في الصين بدأت تسير بصورة طبيعية استناداً على مبادئ "السلامة أولاً" و"الغذاء قبل الدواء": وهما مفتاحان أساسيان لضمان انحسار كوفيد-19. والمصداقية في المعلومة مع التركيز على خدمة المجتمع هما جناحان يحلقان بالعالم إلى سماء "الصحة والعافية" الصافية. تلك أهم سمات العصر الكوروني في الصين، حيث يسهل على الجميع تحديث معارفهم واكتساب مهارات جديدة من أي مكان في العالم عبر تطبيقات ذكية ومنصات تشاركية حسب خدمة الإنترنت المتاحة.
نموذج يُحتذى به من "المهارات الفائقة"
لم تُعرف الصين بأنها من أشهر الدول الصناعية في العالم فحسب، حيث شملت خدماتها توفير مواد حيوية وتقديم بعض الدعم الفني للعديد من البلدان في العالم؛ ولكن أيضاً، بدءاً من الآن وفي غضون سنوات قليلة قادمة، تقدم الصين مثالاً للعالم ليتعلم معها ما يتمنى بعد أن تعلّمت منه ما تريد، وقد آن الأوان أن يتشارك سكان القرية الدولية مع بعضهم البعض خبرات لا تعرف الحدود ولا تحدها القيود، وخاصةً عندما تواجه العديد من البلدان حول العالم صعوبات مشتركة ومصيراً واحداً، حينذاك يمكن لتلك البلاد أن تتعلم من المواقف الفعلية الداعمة للروح الوطنية للشعب الصيني "التعلم عن بُعد" وقد أسس له قبل نحو ألف عام حكيم الصين الفيلسوف الشهير كونفوشيوس؛ فعلاً يحتاج الناس إلى الاهتداء بممارسة حقيقية حول كيفية توحيد الجهود بالسعي ليكوِّنوا مجموعات "متطوعين" تعمل بروح الفريق الواحد، مما يؤدي إلى توليد طاقة وطنية "جمعية" كانت كامنة ولكنها متفرقة. إن أولى ثمار الجهد الصيني هي توحيد وتعبئة بشر بحجم 1.4 مليار شخص، وتوفير الموارد العينية المناسبة لهم والتركيز على ضبط إيقاع القضايا المصيرية الكبرى نحو غاياتها المرجوّة. الآن دعونا نقُم بسبر أغوار التجربة، فمن خلال البيت الصيني الكبير سيتعرّف بقية سكان القرية العالمية على مسألتين رئيسيتين مبنيتين على المهارات الفائقة: الأولى، كيفية التعامل مع الأزمات والتحول تدريجياً عبر ثلاث مراحل، بدءاً من حالات "الهلع" الأولية ثم مرحلة "شيء من الخوف" الانتقالية إلى مستوى "الفوز" الختامي. وثانياً، مهارة بناء مستشفيات طوارئ متنقّلة ومراكز للوقاية من الأوبئة في وقت قصير، وكلها تعمل بإدارة التقنيات الذكية والتطبيقات الحاسوبية على المحمول. أما على المسرح العالمي، فقد تبنت الأمم المتحدة شعار "أوقفوا الوباء"، وكذلك وفقاً لمنظمة العمل الدولية للعام 2020، رفع يوم العمل الدولي درجة الوعي بشأن اعتماد الممارسات الآمنة في أماكن العمل والدور الذي تؤديه خدمات السلامة والصحة المهنية (OSH) على المستوى الوطني ومستوى المؤسسات. ولذلك، أعتقد أن شعار يوم العمل الدولي في عام 2019 وهو "توحيد العمال من أجل التقدم الاجتماعي والاقتصادي"، هو في الوقت الحاضر صالح لخدمة غالبية العمال الماهرين في سنة كورونا الأولى للتأكيد على الحق في التخفيف من ضغوطات العمل عن طريق القيام بأنشطة أقل بذلاً جسدياً وعلى حسب الجهد الذهني من خلال توصيفات وظيفية جديدة يمكن تخصيصها للمواطنين الرقميين بالاستفادة من خبرات أهل الصين على النحو المذكور أعلاه، وهذا أهم ما نادى به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوماً ما بخصوص تشجيع ذوي المهارات على حاملي الشهادات.
رجوع الصدى
من أولى سمات حياة أهل التنين وبلاد العجائب في بداية النصف الثاني من 2020، هو ما يمكن أن أسميه "رجع الصدى". منذ أن خفّت وطأة انتشار فيروس كورونا في أبريل/نيسان الماضي، بدأ بعض الأهالي الصينيين يتجاذبون أطراف الحديث عن جيل البطولات الذي مات، وجيل آخر من فرسان التضحيات آتٍ. وبينما أنا أقلّب في إحدى المكتبات المحلية وأغلب كل معروضاتها باللغة الصينية طبعاً، إذ وقع بصري على كتاب جاذب وعلى غلافه الجميل عنوان لافت للنظر هو "كيف لي أن أعانقك؟"، فوقفت أقلب صفحاته قبل أن أقتنيه. الكتاب فكرته رائعة قام بإعداده فريق مراسلي وحدة "شاندونغ المصورة" تعزيزاً لمشاعر التكاتف الدافئة من جميع الناس في تلك الأيام الخاصة. فكما جاء في مقدمة الكتاب أنه لا ينبغي أن تبقى في ذاكرة الإنسانية مواقف الخوف والحزن الناجمة عن الوباء للاتعاظ فحسب، بل الأهم من ذلك أن يبقى الأمل الذي صنعته الجهود المتضافرة في نفوس الصامدين الصابرين، فاختاروا بدقة 40 صورةً تحكي حكاياتٍ مؤثرة بمناظير متباينة من عامة الناس توثيقاً احترافياً لتلك اللحظات التاريخية العجيبة. من القصص التي تم التوثيق لها في الكتاب، قصة كانت قد حدثت في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة في مستشفى تونغجي التابع لجامعة هواتشونغ للعلوم والتكنولوجيا، بطل تلك القصة طفلٌ وُلد حديثاً آنذاك يسمى شياوشيليو "الرمان الصغير". قبل ولادة هذا "الرمان الصغير"، تم تشخيص والديه على أنهما مصابان بالالتهاب الرئوي التاجي المستجد. في 3 فبراير/شباط، تم إدخال الطفل الصغير إلى وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة بمجرد ولادته. وعلى الرغم من أن الوالدين لم يكونا في جواره، إلا أن مجموعة الممرضات قمن بدورهن كأمهات لرعايته، وأصبح العديد من المواطنين يتابعون بشغفٍ كبير أحوال نمو ذلك "الرمان الصغير" من خلال بث مباشر عبر وسائط التواصل الاجتماعي الصينية، حكاية مليئة بالشجن وذات إلهام للأدباء ليستخرجوا منها روائع أدبية وللتشكيليين ليرسموا لنا نفائس اللوحات. كما وثّق الكتاب بالصورة والقلم لمستشفيات الطوارئ المتنقلة التي شيدتها الصين بإستغلال الاستادات الرياضية والقاعات المفتوحة والتي أطلقوا عليها اسم "سُفُن الحياة"، ربما لأن الظروف أشبه بما كانت عليه في عصر نبي الله نوح عليه السلام الذي هداه الله لكي يصنع سفينةً يحمل فيها المؤمنين بربهم الواحد الماجد المعبود وكذلك إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مخلوقات تصارع طوفان كوفيد-19 من أجل البقاء. أو لربما أنها "تجعل جميع المرضى يشعرون وكأنهم عائلة كبيرة يبحرون وسط أمواج متلاطمة صبراً وسعياً إلى شاطئ الأمل وبر الأمان" وخلاصة القول هنا، فقد حققت تلك المستشفيات المتنقّلة أهدافها ونالت الرضا والقبول بشكل كبير في فترة زمنية قصيرة وبأقل تكلفة.
سيناريو المعرفة الجماهيرية وأخواتها
أصبحت وحدة التعددية واحدة من أهم القيم التي ربما تجمع شتات المجتمعات البشرية ولا تفرّقها، بل هي من أهم سيناريوهات تلك المجتمعات التي باتت تتحقق جزئياً بسبب وحدة الكفاح ضد فيروس كورونا. هذا السيناريو تحكمه عدة متغيّرات جوهرية، أهمها:
(1) تحقيق أحلام وطموحات الأجيال الصاعدة بتكوين مجموعات وكيانات اجتماعية اقتصادية متجانسة مما يضيق حدة الصراعات ويقوي نقاط التقاطع والاشتراك وبشكل أكثر تحديداً –ربما- تأسيس برلمانات افتراضية وممارسة حقهم في التعبير عبر الإنترنت رغم وجود رقابة وهيمنة وقرصنة وانتهاك خصوصية أحياناً هنا وهناك.
(2) بدأت الشعوب تعيش عصر المعرفة الرقمية "Digit-ology" الواسعة التي تتيح مزيداً من فرص التعليم الفرصة تلو الأخرى لمستخدمي الجوال الذكي وغيره من الأجهزة الحاسوبية. فكما هو الحال في العديد من مؤسسات التعليم العالي، اعتاد فريق التدريب الدولي في جامعتنا الصينية على توفير برامج وخدمات التدريب المهني للمجتمعات المختلفة في بكين والتي تشمل الأجانب. وقبل اندلاع الحالة الوبائية، ظل الجانبان على اتصال وثيق وعلاقات جيدة. لا أعتقد أنه سيكون هناك مثل هذه البرامج المنتظمة بالوسائل التقليدية في المستقبل القريب جدًا، إذ يستغرق الأمر وقتاً وصبراً! لذلك، يفكر الصينيون في تطوير أعمالهم بطرق جديدة، مثل إعادة تشكيل مجموعات خبراء رقميين، والاعتماد على المكاتب الافتراضية، ومنصات الاتصال عبر الإنترنت، وتصميم برامج المحاكاة والتطبيقات التي تتيح للأفراد والمؤسسات تحقيق الاختراق المطلوب ليس في التعليم فحسب، بل في العمل كذلك!
خلاصة القول
في الصين يتطلع الجميع إلى مستقبل مبني على مبادئ راسخة مثل "السلامة أولاً" و"الغذاء قبل الدواء"، المفتاحين لضمان انحسار كوفيد-19 من العالم. ستستمر معركة القرى العالمية ضد الجائحة في الازدياد، في حين تضخ الصين المزيد من القوى الاجتماعية في العمل لمساعدة جميع الأطراف والأفراد على البقاء والحصول على شعور أكبر بالإنجاز في جميع جوانب الحياة والعمل. وهذا يعني أن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية ستؤدي على الأرجح إلى آثار غير مرغوب فيها، على التوالي، ما لم يتم التعامل مع المؤشرين في خطوط متوازية. بالإضافة إلى ذلك، فإن المؤشر الثالث الذي ينبغي النظر فيه بجدية، هو خدمات الإنترنت في حقبة المعرفة التي يمكن توفيرها وصيانتها للجميع؛ لذلك ربما نأمل أن تجعل الديمقراطية الكاملة "فرصة الأعمال الحُرّة الجديدة" متاحة بالتساوي بين المستخدمين في جميع الدول ومجالات الحياة المختلفة، ولكنها تتطلب من الجميع ممارسة تحسين الذات بشكل حقيقي ومستمر، بحيث في نهاية المطاف يحاول العديد من سكان القرية العالمية أن ينجحوا في اكتساب مزيد من المعرفة الرقمية ومتابعة تحسين مهاراتهم في تبادل الخبرات.
وختاماً.. أؤكد أنني وأصدقائي الأجانب في الصين ظللنا نواصل أعمالنا خلال فترة العزل وبعدها، مع اتخاذ الاحتياطات وتشجيع الآخرين. والآن نحسب أنفسنا من بين سكان القرية العالمية الذين لم يتركوا أعمالهم ولم يغادروا منازلهم –في بداية الأزمة- إلا قليلاً، ونعتز بكل الذين يكافحون معاً لتمضي حياتنا الاجتماعية والاقتصادية للأفضل!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.