اتفاق تأسيسي جديد وتقسيم فيدرالي مع حكومة مركزية.. كيف يخرج لبنان من أزمته؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/08/27 الساعة 08:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/27 الساعة 08:51 بتوقيت غرينتش
الاحتجاجات مستمرة في لبنان/رويترز

برزت مؤخراً موضة جديدة عند تحليل الوضع السياسي اللبناني، إذ يعتبر بعض المحللين أن هناك تحالفاً يجمع ما بين مافيا وميليشيا، وهذا التحالف يقرر مسار الأحداث في لبنان، بدءاً من تأليف الحكومة وحتى توظيف مأمور الأحراش. ويقصد بالمافيا أمراء الطوائف الدينية في لبنان، وبالميليشيا حزب الله، باعتبار أن الأخير يغطي الفساد، وأمراء الطوائف يغطون السلاح، وإن كان يتم الأمر بنسب متفاوتة ولاعتبارات مختلفة تخص كل طائفة. لكن تلك التقسيمة والترسيمة باتت مبسطة إلى حد أنها لم تعد مفيدة حتى كدعاية تصدم الرأي العام وتسقطه في يد أمراء الحرب.

لكن حقيقة الأمر هي أن لبنان يقع اليوم تحت سيطرة الثقافة السياسية التماثلية، ثقافة الثورة الثقافية في الصين إبان حكم ماو تسي تونغ، التي هيمنت على  مفاتيح السلطة والقرار في الدولة الصينية آنذاك. وإحدى خصائص تلك الثقافة أنها تتعايش مع الديمقراطية وتستخدم آلياتها، وبعد تمكنها من مقاليد الحكم  تقضي عليها باستبدالها بنظام ديكتاتوري صريح أو مستتر.

في الحالة اللبنانية، بدأ هذا النهج من الثقافة السياسية يعزز نفسه تدريجياً بقضم المؤسسات الديمقراطية الواحدة تلو الأخرى بعد اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري والانسحاب السوري من لبنان حتى تمكن من فرض مرشحه رئيساً للجمهورية سنة 2016. ولم تكن صدفة بأي حال اختيار شخصية قلقة لهذا المنصب، لأن ثقافة سياسية مثل هذه لا تزدهر إلا باعتمادها على شخصيات قلقة تبحث دائماً عن عدو لإعلان الحرب عليه.

من هنا نعتقد أن القوى السياسية اللبنانية التي تعتنق تلك الثقافة غير مهتمة بتشكيل حكومة جديدة بعد استقالة حكومة دياب. ولهذا السبب فشلت محاولة  الرئيس بري ترشيح سعد الحريري لتشكيل حكومة جديدة. وتلك المحاولة  كان هدفها إنقاذ ما تبقى من حياة ديمقراطية، لكنها أتت متأخرة، لأن الديمقراطية التي ترتكز مبدئياً على التحالف ما بين الثقافة السياسية الفردية والثقافة السياسية التدرجية باتت من الماضي، حيث إن القوى السياسية التي تنتمي إلى هاتين الثقافتين تعيش حالة من التشرذم والترهل والعجز عن أخذ زمام أية مبادرة. والجدير ذكره في هذا السياق، حراك 17 تشرين كان حراكاً مدنياً يحمل نفس أمراض السلطة السياسية المستهدفة من الحراك ذي الطابع الاستعراضي، ولا أمل بأي إصلاح عبر ذلك الحراك، لأن لا طبيب يداوي الناس وهو عليل. وأمام الاستحقاقات الداهمة التي تلوح في الأفق، حيث  من المحتمل أن يتوقف مصرف لبنان عن دعم السلع الأساسية، وبالتزامن مع ذلك من الممكن أن نشهد تفعيلاً لقانون قيصر على الساحة اللبنانية في الأشهر القادمة. وتلك مؤشرات تدل على اقتراب لبنان من الغرق في الفوضى والانهيار الذي لا نعرف كيف سيبدأ، لكن نعرف أنه سينتهي بهيمنة الأقلية وانتفاخ سطوة أمراء الطوائف، حيث سيسود الخوف والبؤس لفترة طويلة، وسيرفع الحكم الجديد علماً شعاره الشرف، كما في الحكم الملكي، وسينكس العلم الذي كان شعاره الفضيلة كما في الحكم الجمهوري حتى إشعار آخر. 

وبما أننا في لبنان لم نعد نمتلك ترف الوقت، نرى أنه من واجب القوى السياسية الفاعلة أن تعترف بأن الحياة الديمقراطية في لبنان بشكلها الحالي تلفظ أنفاسها الأخيرة، إذ لم يعد ممكناً تطبيق اتفاق الطائف بالطريقة المشوهة الحالية ولا بالعودة إلى منطلقاته السليمة، لأن القطار قد رحل بالفعل.

وبناءً عليه، لا بد من الدعوة إلى مؤتمر تأسيسي جديد شعاره التنوع ضمن الوحدة، بحيث يتشكل لبنان من عدة مقاطعات يسودها الحكم المحلي، على أن تراعى في التقسيمات الجديدة خصوصية كل الفئات التي تشكل ما يسمى بالشعب اللبناني. على أن يقتصر دور السلطة المركزية على التنسيق بين المقاطعات الجديدة للحفاظ على وحدة لبنان، وإلا ستبقى حياة كل من يولد في لبنان رهينة في جحيم النزاعات الطائفية والمذهبية والولاءات السياسية الخارجية المتناقضة لقواه السياسية. وإلا سنبقى نسمع عن وطن، لكن لن نعرف أبداً من هو المواطن؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ناصر الحسيني
كاتب صحفي لبناني مقيم في إفريقيا
مواليد 1958 بلبنان، حائز على ماجستير في الهندسة المدنية من جامعة الصداقة في موسكو سنة 1983 ودبلوم دراسات عليا سنة 1990. مهندس استشاري لدى منظمة الأمم المتحدة للتنمية UNDP، عملت في جريدة الديار قبل عام 2000، وكذلك لي كتابات ومساهمات في جريدة النهار وجريدة البلد، مقيم في إفريقيا منذ 2010 بشكل شبه دائم في غينيا الاستوائية وغينيا بيساو.
تحميل المزيد