ديكتاتوري سيدمر إثيوبيا.. كيف يعاني آبي أحمد مع التوترات والصراعات السياسية في بلاده؟ (1)

عدد القراءات
638
عربي بوست
تم النشر: 2020/08/26 الساعة 14:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/26 الساعة 22:10 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي

إذا نظرنا إلى صورة إثيوبيا في وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية، فإن ملف سد النهضة وتداعياته يتصدرها بامتياز، فضلاً عن أن رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد نجح في تشكيل صورة ذهنية إيجابية عن بلاده، بعد أن وقّع اتفاقية سلام مع رئيس النظام الإريتري أسياس أفورقي، وأجرى عدداً من الإصلاحات  السياسية والاقتصادية، لكن يغيب عن اهتمامات وسائل الإعلام ملف آخر لا يقلّ خطورة وتأثيراً، ألا وهو الصراع الداخلي في إثيوبيا بشقيه السياسي والأمني.

أولاً: من الخطأ بمكان أن نربط الصراعات الداخلية في إثيوبيا بالعهد الحالي أو شخص رئيس الوزراء آبي أحمد، فهي صراعات قديمة لم تكن وليدة اللحظة، إلا أن درجة نشاطها تختلف باختلاف الحقب الزمنية، فأحياناً تمر سنوات طويلة تشهد فيها أرض الحبشة استقراراً تاماً، حتى ينسى الناس الصراعات التاريخية إلى أن تحدث واقعة يكون لديها ارتباط بالمجموعات الإثنية، تجعل الصراع يعود إلى المشهد الإثيوبي.

نهج مختلف في بداية عهد آبي أحمد

من المعلوم لكثيرين أن صعود رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد إلى السلطة جاء بعد احتجاجات مستمرة، شهدها إقليما أوروميا وأمهرة، على حكومة رئيس الوزراء السابق هايلا مريام ديسالين، فرأى ائتلاف "الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية"، الحاكم آنذاك، أن يحل الأزمة من الداخل بتصعيد أحد أعضاء "المنظمة الديمقراطية لشعوب أورومو" المشارِكة في الائتلاف، ليكون رئيساً له، وبالتالي يصبح تلقائياً رئيس الحكومة، وهو ما حدث باختيار آبي أحمد.

رئيس الوزراء الجديد تبنّى في بداية عهده خطاباً مختلفاً عمّا سواه من القادة الإثيوبيين، فكان يروّج لعبارته الشهيرة "Feker Yashenifal"، التي تعني "الحب يفوز"، خاصة في لقاءاته الجماهيرية الأولى، ولكن سرعان ما تبدّل المشهد في أشهر معدودة؛ إذ تفجّرت الخلافات بينه وبين ابن قوميته جوهر محمد، الذي يتمتّع بشعبية قوية وسط الشباب، وكذلك تصاعد الصراع بين رئيس الوزراء الجديد وجبهة تحرير تيغراي، التي كانت أبرز المشاركين في الائتلاف الحاكم سابقاً، حيث أسس آبي أحمد  حزب الازدهار الجديد بديلاً له، لكن جبهة تيغراي رفضت الانضمام للحزب الجديد الذي يمثل رؤية آبي أحمد.

إذا عُدنا إلى جوهر محمد، الذي انضم مؤخراً إلى حزب مؤتمر الأورومو الفيدرالي، نجد أنه يستمد التأثير من شبكته الإعلامية التي تحمل اسم "شبكة أوروميا"؛ إذ أنشأها من مقر إقامته في مينيابوليس، حينما كان يعيش في الولايات المتحدة. وكانت هذه القناة التي تبث عبر الأقمار الصناعية لسان المعارضة بامتياز، جوهر عاد إلى إثيوبيا بعد تسلم آبي أحمد السلطة، وفي البداية كان الرجلان في حكم الحليفين، لكنّ محمد وجَّه عدة انتقادات علنية لإصلاحات رئيس الوزراء. ثم رسَّخت اتهاماتُ جوهر محمد على مواقع التواصل الاجتماعي لآبي أحمد، بأنه يحاول إرساء دكتاتورية في إثيوبيا، القطيعةَ التامةَ بين الرجلين، وهو ما أثار امتعاضَ آبي أحمد، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، قبل أن تقوم السلطات الأمنية باعتقال جوهر، عقب أحداث العنف التي تلت مقتل المغني الشهير هاتشالو هونديسا، أواخر يونيو/حزيران الماضي.

قصة خلاف رئيس الوزراء مع جبهة تيغراي

هذا فيما يتعلق بخلافات رئيس الوزراء مع ابن قوميته، الشاب المؤثر جوهر محمد، أما خلافه الحاد مع جبهة تحرير تيغراي، التي تُعرف شعبياً باسم "وياني"، فتلك قصة أخرى.

منذ مجيء أحمد رئيساً للحكومة الإثيوبية، اعتبرت الجبهة أن خططه الإصلاحية تستهدف قياداتها ورموزها، ثم جاءت المصالحة مع عدوها اللدود الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، مما عمّق الخلاف، فأصبحت جبهة تيغراي أشبه بالحزب المعارض داخل الائتلاف الحاكم سابقاً، إلى أن طرح أحمد حزبه الجديد "الازدهار"، القائم على فلسفته "مديمر"، التي تعني بالأمهرية "التآزر"، ودعا الجميع للانضمام إليه، فوافق 3 من أعضاء الائتلاف بينما رفض قادة وياني الخطوة، فقد كانت جبهة تحرير تيغراي مهيمنة على الائتلاف السابق طيلة 28 عاماً.

ترى وياني أن انضمامها للحزب الجديد لن يكون إلا خصماً عليها، فلن تكون لديها قدرة للتأثير على عملية اتخاذ القرار في كابينة حزب الازدهار، نسبة لهيمنة الأحزاب الثلاثة التي كانت جزءاً من الائتلاف السابق، وهي حزب الأورومو الديمقراطي، وحزب الأمهرا الديمقراطي، والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا، إلى جانب الأحزاب التي أعلنت انضمامها للحزب الجديد وهي الصومال الإثيوبي وعفر وغامبيلا وهرر وبني شنقول غومز.

الانتخابات.. المعضلة الأكبر

استمرت التوترات بين آبي أحمد وجبهة تحرير تيغراي إلى أن اقترب موعد الانتخابات التي كان يفترض أن تشهدها إثيوبيا، في أغسطس/آب القادم، لكنّ المجلس الوطني للانتخابات أعلن في مارس/آذار الماضي، عن تأجيل إقامة الانتخابات العامة بسبب عدم قدرته على القيام بالاستعدادات والأنشطة المهمة التي تمكّنه من عقد الانتخابات في موعدها لتفشي فيروس كورونا، وهو تبرير لم يجد قبولاً لدى اللجنة التنفيذية لجبهة تحرير شعب تيغراي الحاكمة في الإقليم، التي اعتبرت الخطوة خرقاً للدستور، وأعلنت إجراء الانتخابات في إقليم تيغراي في موعدها، مبينةً أنها لن تعترف بشرعية الحكومة لانتهاء أجلها إذا لم تَعقد الانتخابات.

تشدد جبهة تيغراي "وياني" في خطابات قادتها مثل حاكم الإقليم دبراصيون جبري ميكائيل، وقيتاشو ردّا، عضو اللجنة التنفيذية للجبهة على ضرورة الالتزام بدستور عام 1994، الساري حتى الآن، والذي لعب ابن الإقليم رئيس الوزراء الراحل مليس زناوي دوراً كبيراً في صياغته، إذ نصّ الدستور على قيام جمهورية فيدرالية تتكون من 9 أقاليم تم توزيعها على أساس عرقي، كحلٍّ لإدارة الدولة التي تتميز بتنوع عرقي كبير، وتتمتع الأقاليم الإثيوبية، وفق الدستور، بصلاحيات الحكم الذاتي، بينما تفوض الحكومة الفيدرالية لإدارة العلاقات الخارجية وحماية أمن البلاد القومي.

تكتلات حزبية معارضة

ليست جبهة تحرير تيغراي وحدها التي تعتقد أن حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد ستفقد شرعيتها، بعد 30 من سبتمبر/أيلول، فقد دعا السياسي المعارض لدتو أيالو إلى تشكيل حكومة انتقالية تدير البلاد في الفترة القادمة، موجهاً انتقادات للحفاوة التي استقبل بها رئيس الوزراء آبي أحمد، الرئيس الإريتري أسياس أفورقي في آخر زيارة للأخير.

واعتبر أيالو، مؤسس الحزب الديمقراطي الإثيوبي في مقابلة تلفزيونية، أن نائب حاكم إقليم تيغراي دبراصيون جبري ميكائيل، والسياسي المؤثر جوهر محمد أقرب إليه من أسياس أفورقي، رغم خلافه معهما، وقال إن كان لإثيوبيا أعداء فإن أولهم سيكون أفورقي، ما يعد انتقاداً علنياً لآبي أحمد وتوجهاته نحو توطيد العلاقات مع رئيس النظام الإريتري.

بخلاف جبهة تحرير تيغراي وحزب مؤتمر الأورومو الفيدرالي، برز تكتل جديد من 7 أحزاب معارضة، أطلقت على نفسها اسم "التحالف من أجل الفيدرالية الديمقراطية"، أبرزها جبهة تحرير، أورومو وجبهة تحرير أوجادين، اجتمع هذا التكتل في مايو/أيار لمناقشة قرار تأجيل الانتخابات الإثيوبية، حيث أعلنت أحزابه أنه لا يوجد أساس قانوني يسمح للحكومة بالبقاء في السلطة بشكل شرعي بعد 10 من أكتوبر/تشرين الأول، حتى ليوم واحد، ورفضت كل التفسيرات التي طرحتها حكومة آبي أحمد والبرلمان.

ذكر بيان صادر عن التكتل، أن الدستور لا يسمح بإعلان حالة الطوارئ لتأجيل الانتخابات أو تمديد ولاية الحكومة، كما رأت أحزاب التكتل أن التفسير الدستوري الذي طرحه البرلمان لن يمثل مخرجاً لحكومة آبي أحمد التي تسيطر على البرلمان، واعتبر البيان أن الانتخابات التي أتت بأعضاء مجلس النواب الحاليّ هي انتخابات مزورة تسعى لفرض إرادة حزب واحد.

خلُص اجتماع الكتلة المعارضة إلى أن تمديد فترة الحكومة الإثيوبية الحاليّة يفتقر إلى الشرعية السياسية أو القانونية، ويمكن أن يؤدي إلى أزمة سياسية، وكذلك أزمة أمنية، ودعت إلى جلوس جميع الأحزاب السياسية المسجلة والمؤهلة للمشاركة في انتخابات 2020 إلى مائدة مستديرة، للبحث عن إجماع سياسي مشروع بشأن ما سمته "كيفية إدارة الأزمة الدستورية التي تواجهها البلاد".

ميثاق سياسي مقترح

جبهة تحرير تيغراي التي لم تدخل حتى الآن في تحالف مع أحزاب أخرى، تطرح رؤية قريبة مما طرحه تكتل "التحالف من أجل الفيدرالية الديمقراطية"، إذ دعا قيتاشو ردّا عضو اللجنة التنفيذية لجبهة تيغراي إلى "ميثاق سياسي جديد للخروج من المأزق الذي يلوح في الأفق بشأن إجراء الانتخابات الوطنية المقبلة".

لكنّ ردّا تمسك في تصريح لمجلة أديس فورتشن، بإجراء انتخابات الإقليم في موعدها قائلاً: "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي مستعدة لإجراء انتخابات على المستوى الإقليمي بطريقة تحمي الحقوق الدستورية لشعب تيغراي، وتتخذ إجراءات وقائية ضد فيروس كورونا، وأضاف "تيغراي لديه حق غير قابل للتصرف في الحكم الذاتي، ولن يتم التضحية به على مذبح النفعية البيروقراطية"، على حد تعبيره.

إلا أن قرار إجراء الانتخابات في الإقليم يواجه تحديات حقيقية مثل افتقاده إلى سند قانوني يمكن الاعتماد عليه، فالحكومة الفيدرالية قد تتخذ إجراءً ضد حكومة الإقليم، ربما يتضرر منه المواطنون، كما أن نتيجة الانتخابات لن تكون مقبولة من المجلس الوطني للانتخابات على المستوى الفيدرالي، هذا إلى جانب معضلة التكاليف المالية ومدى اعتراف الأحزاب الموجودة في تيغراي بنتيجة الانتخابات.

وبالفعل قام مجلس إقليم تيغراي بتعيين مسؤولين عن لجنة الانتخابات، حيث اعتمد قبل أيامٍ مضت تعيين مولوروك كيداني ماريام مفوضاً للجنة الانتخابات، في حين يتم تعيين سيغيريدا ديبيكولو نائبة للمفوض. كما وافق المجلس على تعيين محمد سعيد حقوص وسيغا برهان وميريسا تسهاي كأعضاء تنفيذيين في لجنة الانتخابات.

كيف يتعامل رئيس الوزراء آبي أحمد مع هذه الإجراءات والحركات المناوئة له؟ هذا ما سنتحدث عنه في الجزء القادم..

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد جامع
صحفي متخصص بالشأن الأفريقي
محمد مصطفى جامع، كاتب وصحفي سوداني، حاصل على بكالوريوس الإعلام من جامعة وادي النيل، أعمل حالياً على ماجستير في الإذاعات الرقمية، أجد نفسي في الكتابة عن دول شرق إفريقيا، ونُشرت لي عنها أكثر من 300 مقالة وتقرير في عدة صحف عربية، أعشق القهوة وأحب الحوار الهادئ المتعمق.
تحميل المزيد