بانتهاء المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي والذي قبل فيه رسمياً كل من جو بايدن وكامالا هاريس ترشيح الحزب لهما لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني القادم على منصبي الرئيس ونائب الرئيس على التوالي، تكون استراتيجية بايدن والديمقراطيين لمواجهة ترامب قد اتضحت، استراتيجية تقع كامالا هاريس في القلب منها مع عناصر أخرى يمكن قراءتها من خلال تفاصيل المؤتمر وخطابات المتحدثين والضيوف إجمالاً.
فكيف تقع كامالا هاريس في القلب من هذه الاستراتيجية؟ وما الذي يمكن استنتاجه من خلاصات في هذا المؤتمر؟
وظائف نائب الرئيس
تُعد إيجابيات هاريس أكثر بكثير من عيوبها لاختيارها في منصب نائب الرئيس الذي يُعد منصباً هاماً يمثل الشريك المباشر للرئيس ومستشاره الأقرب في كل الشؤون، وكما يعد رئيس مجلس الشيوخ بموجب الدستور الذي يرجح كفة على الأخرى في التصويت عند تساوي الأصوات 50 إلى 50 ولا يحق له التصويت إلا في هذه الحالة فقط، ويخلف الرئيس في منصبه حال حدوث أي حادث يحول دون أداء مهامه وبالتالي هو رئيس محتمل مستقبلاً وغالباً ما يخوض نواب الرئيس أي انتخابات تالية، وهو ما حدث مع رؤساء سابقين كُثر.
أما خلال الانتخابات فإن نائب الرئيس الذي يختاره المرشح الرئاسي يعد واجهة له ومكملاً لصورته لدى الناخبين، ومن هذا المنطلق كان اختيار بايدن لهاريس هاماً متجاوزاً عن انتقادها الحاد له واتهامها له بالعنصرية حول موقفه من فصل الطلاب البيض عن السود في حافلات المدارس في حياته السياسية المبكرة، وهو ما بررته حين قبلت المنصب بأنها كانت مناظرة، في حين أبدى بايدن تسامحاً وعدم غضب.
يحتاج بايدن هاريس لجملة من أهمها هو اجتذاب أصوات النساء التي تبدي غالبية استطلاعات الرأي ميل أغلبهم لبايدن، فضلاً عن أنها امرأة ملونة من أب جامايكي وأم هندية ما يعني استمالة كبيرة لكل الفئات الملونة، ليس فقط الأمريكيين من أصل إفريقي التي يؤيدون بايدن عبر بوابة أوباما، ولكن أيضاً الملونين من أصول آسيوية باعتبار أن هاريس أول امرأة ملونة ومن أصول آسيوية تترشح لهذا المنصب، ولذلك طوال أيام مؤتمر الحزب الديمقراطي كانت تتردد عبارة أن هاريس تعكس قصة أمريكا من حيث إتاحة الفرص والكفاح للحصول على النجاح والمجد الذي يُمنح لمن يعمل بشكل أقوى وقصة تغلب المهاجرين على مشاكل المجتمعات الجديدة التي تعكسها والدتها وتعكسها هي نفسها.
الأمر الآخر هو خبرة هاريس السياسية في مواجهة الجمهوريين وقدراتها الخطابية القانونية التي ظهرت في أسئلتها ومواجهتها للقاضي المرشح للمحكمة العليا بريت كافانو قبل عامين، وهو ما يكمل نقص حضور بايدن الخطابي خلال حملته الانتخابية، هذا مع كونها صغيرة في السن (55 عاماً)، وهو أمر يساعده على إتمام عمله ويطمئن من يشكك في صحته لاسيما أن نائب الرئيس يكون سفيراً عن الرئيس في جولات إقناع الكونغرس والمؤسسات في حالات الخلافات السياسية والقانونية، وهاريس قادرة على هذا بحكم عملها كسيناتور في مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا وعملها السابق كنائب عام للولاية بين عامي 2011 و2017.
الأمر التالي هو على مستوى صراع التيارات التقدمية والتقليدية داخل الحزب، فبايدن هو امتداد لما يُعرف بـ"الاستابلشمينت" داخل الحزب أو المؤسسين وهو تيار شهد تراجع الفترات السابقة لحساب التيار التقدمي الذي يمثله السيناتور بيرني ساندرز والنائبة ألكسندرا كورتيز، ويخشى بايدن أن يتكرر معه سيناريو هيلاري كلينتون التي كان جوهر خسارتها هو امتناع التيار التقدمي عن التصويت بسبب سلوكيات الحزب مع ساندرز، لذلك يأمل أن تكون هاريس ممثلة معتدلة لهذا التيار الذي تؤيد العديد من قضاياه كزواج المثليين وإلغاء عقوبة الإعدام وإلغاء ديون الطلاب وإصلاح الشرطة وبعض القضايا البيئية، لكنها أيضاً لا تسحب بقوة على هذا التيار الذي ينتقدها من وقت لآخر.
أما حول مسألة القضايا الخارجية فهاريس مؤيدة قوية لإسرائيل ويمكن أن توازن قوة علاقات مايك بنس الصديق المفضل لليمين الإسرائيلي، وهي أيضاً مؤيدة لوجود اتفاق نووي مع إيران لكن مع المزيد من تحديد قوتها ومحاصرة صواريخها الباليستية، وليست صاحبة أجندة متسامحة مع الصين وبالتالي يمكن القول إن هاريس أكثر محافظة في السياسة الخارجية وتقدمية معتدلة داخلياً وهي خلطة ترضي المزاج الأمريكي هذه الأيام وتقلل من حكم المزايدة حول مواقف الديمقراطيين من السياسة الخارجية واتهامهم بالضعف.
ومن هذا المنطلق يمكن النظر لاستراتيجية الحزب الديمقراطي في مواجهة ترامب الذي يركز المواجهة على أخطاء ترامب أكثر من أي شيء، ذلك أن الحزب وبايدن يدركون جيداً أن كثيراً من الناس سيذهبون للتصويت من أجل إسقاط ترامب أكثر من اختيارهم لبايدن أو هاريس.
استراتيجية الديمقراطيين
وظهر هذا في كلمة هاريس التي اتهمت ترامب بالتسبب في فقدان الملايين من الأمريكيين لوظائفهم وآلاف لحياتهم في إشارة لمعالجة ترامب لمسألة فيروس كورونا، متهمةً إياه بالتسبب في انقسام أمريكا وإحداث الفوضى، في إشارة لقضية جورج فلويد وحالة الاستقطاب السائدة في أمريكا منذ 4 سنوات.
وقد انسحب هذا على كلمات غالبية المتحدثين في المؤتمر كأوباما الذي وجّه خطاباً حاداً وقاسياً اتهم فيه ترامب بأنه استغل منصبه لخدمة أصدقائه وأنه لا يقدر حجم منصبه والإضرار بسُمعة أمريكا العالمية، وهو ما قيل بشكل أكثر حماسة من قبل زوجته ميشيل أوباما، واعتمد الحزب في هذا السياق على مواطنين عاديين كأعضاء عائلة جورج فلويد، وسيدة من أصول لاتينية توفى والدها المؤيد لترامب بفيروس كورونا.
أما الجزء اللافت من استراتيجية الحزب فكان هو الاستعانة بالعديد من رموز الجمهوريين الذي خدموا في الحكومة الأمريكية ككولن باول وزير الخارجية الأسبق وبعض السياسيين الذين كانوا نواباً أو حكام في الولايات أو في بعض المناصب الأخرى وذلك لإظهار أن ترامب لا يتمتع بنفس الدعم السابق قبل 4 سنوات، وهو ما ركزت عليه هيلاري كلينتون في كلمتها، والتي حذرت من خطورة عدم التصويت في حين كان أوباما مركز على الخشية من سرقة الديمقراطية.
على مستوى التنظيم فيمكن القول إن الحزب الديمقراطي لفت الانتباه إلى قوة التنظيم والتغلب على تحدي عدم وجود مؤتمر تقليدي يتجمع فيه الآلاف وكان أكثر جاهزية من الحزب الجمهوري بوجود أجندة واضحة ومحددة سلفاً للمؤتمر واستخدم أساليب بصرية ذكية تعكس حالة التنوع وحسن استخدام موارد الإنترنت والتلفزيون. وهو تحدٍّ ضمني مع الحزب الجمهوري حول التصرف في الحالات الاستثنائية الطارئة.
وخلال هذا الأسبوع يكشف الحزب الجمهوري رويداً رويداً عن استراتيجيته هو أيضاً في تلك المواجهة الاستقطابية المحتدمة عبر مؤتمره الوطني الجاري هذه الأيام والذي سيتوج بخطاب ترامب في نهايته غداً الخميس والتي سيكون التوقيت الحقيقي للمواجهة المباشرة بعد كشف كل حزب أوراق استراتيجيته العامة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.