تجربتي مع التعليم المنزلي التي لن أكررها.. عام دراسي بنكهة الكورونا

عربي بوست
تم النشر: 2020/07/30 الساعة 06:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/30 الساعة 06:52 بتوقيت غرينتش
Smiling mother looking at daughter doing homework at table. Female freelancer is working from home. They are sitting in living room.

لا أعلم إن كان هذا العام الدراسي سيظل في الذاكرة للأبد، أم ستنضم له أعوام جديدة تشاركه الذكرى والخصوصية، مع نهاية عامنا الدراسي لهذه السنة، تمر على العقل ذكريات الشهور القليلة الماضية، وكيفية تطوارت الأمور العديدة التي رافقتنا لعامنا الحالي.

بدأنا عامنا الدراسي ككل عام، بدأ في الأسبوع الأول من سبتمبر/أيلول، على أن ينتهي كما الحال في ولاية بافاريا في الأسبوع الأخير من شهر يوليو/تموز، إلا أن الأمور فاجأتنا قليلاً، مع مقدم ضيف غير مرغوب فيه إلى عالمنا، لقد وصل كورونا إلى ألمانيا!

في الثالث عشر من شهر مارس/آذار الماضي، أعلن رئيس وزراء ولايتنا عن توقف الدراسة في المدارس بالكامل بداية من الأسبوع القادم، على أن تستأنف من المنزل تبعاً لنظام ستحدده كل مدرسة، يتم العمل به حتى يتبين الأمر من عدمه، حيث إن القرار يحمل في طياته سقفاً لا نهائياً للزمن المفترض بقاء التلاميذ تبعاً له في منازلهم.

في منزلنا ثلاث مراحل دراسية مختلفة، يخضع اثنان منهما لنظام مدرسي واحد، في حين يختلف نظام مدرسة ابنتي قليلاً عنهما. بالنسبة لمدرسة الكبار، فقد تقرر أن يتم الحصول على المواد التعليمية عن طريق ثلاث سحابات إلكترونية مختلفة، بالإضافة إلى رسائل الإيميل المباشرة من المدرسين والتي كانت في البداية ترسل للطلبة فقط دون الأهل، مع عرض من مدرس واحد فقط لابني الأكبر أن تكون حصصه من كل أسبوع عن طريق محادثة الفيديو. أما عن الصغرى، فالحصول على المواد التعليمية سيكون عن طريق الإيميل ما بين مدرس الفصل والأهل، على أن تتم طباعة الأوراق المطلوبة ومتابعة الأهل لسير العملية التعليمية من المنزل، دون أي عروض لمتابعة الأمر بشكل مباشر من المدرس عن طريق محادثات الفيديو.

هوم سكولينج!

لم أتخيل يوماً أن أقوم بتدريس أبنائي من المنزل، أعلم من البداية أنني لست ممن يتحمل هذا الأمر، لم أسع إليه يوماً، ولن أسعى إليه بعد تجربته. إلا أنه أصبح أمراً واقعاً تم فرضه علينا تبعاً للظروف

نبدأ الأسبوع دائماً باستلام جدول الدراسة الأسبوعي، مضافاً إليه المواد التي سيتم استخدامها في التعليم، لم يكن علينا كأهل أن نبحث عن المواد التعليمية، ولكن علينا أن نتابع العملية نفسها، من حيث التزام الطالب بجدوله، مع شرح المواد التي حصل عليه، ومتابعته في عمل واجباته، مع تصحيحها.

أضفت من عندي جدولاً خاصاً بصغيرتي، يحتوي على الجدول الدراسي، مضافاً إليه ما سوف نقوم بممارسته اليوم بصفة عامة في المنزل، فوضعنا وقتاً خاصاً لدراسة الحساب، واللغة الألمانية والعلوم، مع وقت محدد لمشاهدة التلفاز وممارسة الرياضة والمساعدة في ترتيب المنزل، بالإضافة إلى وقت مخصص للقراءة وللتدريب على البيانو واللعب بالألعاب الإلكترونية.

بعد مرور شهر تقريباً، بدأت مدرسة الكبار في إرسال الإيميلات للأهل بالإضافة إلى الطلبة، حتى يكون الأهل على معرفة بكيفية سير العملية التعليمية معهم، وأضيف مدرس جديد لحصص الفيديو المرئية. 

بالنسبة لابنتي، فلقد قررت مدَرسة الفصل أن تمر على جميع الطلبة في بيوتهم، لتعطيهم المواد التعليمية بنفسها، حتى يشعر الطلبة بوجود رابط ما زال مستمراً ما بينهم وبينها، حيث إنها تأتي وتدق جرس المنزل، فيقابلها الطالب في الخارج، مع ترك المسافات المنصوص عليها للمحافظة على عدم العدوى، ولقد كان لذلك أثره الكبير فعلاً في نفسية ابنتي، وتكرر الأمر مرة ثانية بعدها بفترة للحصول على المواد التعليمية الجديدة.

في المرة الأولى كان مرفقاً رسالة شكر للأهالي لدعهم للمدرسين والطلبة في هذا الوقت، مع وجود رسالة دائماً باسم الطالب موجهة له، تسأله عن شعوره، وأن مدرسته متاحة له في أوقات محددة إذا ما شعر أنه في حاجة للتواصل معها عن طريق الهاتف، هذا بالطبع بالإضافة إلى توفر تلك الخدمة بشكل عام من موجهي المدرسة، حيث إنه كان مسؤولاً عن هذا الأمر اثنتان من المدرسة على استعداد للتواصل مع الطلبة في حالة شعورهم بمرورهم بمتاعب نفسية أو صعوبات تعليمية.

تعاقدت المدرسة الابتدائية أيضاً مع منصة تعليمية، ليتم توفير فيديوهات شرح للطلبة، حيث قررت المدرسة بعد شهر من البقاء في المنزل أنه علينا البدء الآن في تدريس مواد جديدة، وليس فقط الاكتفاء بالتدريب على ما تمت دراسته بالفعل قبل جائحة كورونا.

متى سنعود؟

بعد شهرين تقريباً، تقررت عودة بعض الصفوف إلى المدارس من جديد، تحت اشتراطات مختلفة، المراحل التعليمية التي تقررت عودتها هي الصف ما قبل نهاية التعليم الأساسي، في جميع المدارس ما فوق الابتدائية، بالإضافة إلى الصف الرابع، والصف الخامس، والصف الأول الابتدائي على مدار أسبوعين تقريباً، حيث البداية مع مرحلة واحدة على أن تتم إضافة مرحلة أخرى بعد عدة أيام.. وهكذا. 

كل مرحلة سيتم تقسيم فصولها إلى قسمين، حيث يذهب القسم الأول إلى المدرسة أسبوعاً، ليبقى في المنزل بعدها في الأسبوع الثاني ويتناوب في الذهاب إلى المدرسة مع القسم الثاني. ذلك طبعاً مع مراعاة استخدام المطهرات التي أصبحت منتشرة في جميع أجزاء المدرسة، وتخصيص جزء من السلم للصعود وآخر للنزول، وعدم التجمع خارج الفصل، والمحافظة على ارتداء الماسك ما دمت خارج حدود فصلك.

بعد ثلاثة أشهر أصبح بإمكان جميع المراحل التعليمية العودة للمدارس، مع استمرار تقسيمهم إلى قسمين، ويختلف موعد ذهاب كل قسم منهما تبعاً لقرار المدرسة نفسه وتوافر المدرسين من عدمه فيها.

فبعض المدارس اتبعت نظام العودة لأسبوع والبقاء لأسبوع، بعض المدارس قررت أن يذهب كل قسم ما بين يومين إلى ثلاثة كل أسبوع (فمثلاً سيذهب قسم منهم كل يوم إثنين وأربعاء، وبالنسبة للجمعة فستكون أسبوعاً نعم وأسبوعاً للقسم الثاني من الفصل)، وبعض المدارس قررت عمل نوبتين في اليوم، يذهب كل قسم منهما في نوبة ما على أن يذهب جميع الطلبة يومياً إلى المدرسة.

بالطبع تم إلغاء كافة الامتحانات لهذا العام، مع محاولة السماح بنجاح جميع الطلبة وانتقالهم للعام الدراسي التالي. تم إلغاء جميع الفعاليات والاحتفالات السنوية. تم الاكتفاء بدراسة المواد الدراسية الأساسية، وإلغاء مواد الرسم والموسيقى والرياضة. 

في آخر يوم في العام الدراسي تعودت مدرسة ابنتي الابتدائية على توجيه تحية خاصة لطلبة الصف الرابع لانتقالهم إلى مدرسة جديدة هذا العام، عن طريق التصفيق لهم من جميع المراحل التعليمية الأخرى في المدرسة مع حضور الأهل جميعاً لهذه المناسبة. هذا العام تقرر أن يتم الاحتفال بهم أيضاً، ولكن في غياب الأهل، حيث لم يتم السماح مطلقاً بتواجد أي أحد من طرف الأهل، وعلى أن تذهب المجموعة الأولى من المراحل المختلفة من الساعة الثامنة صباحاً وحتى التاسعة لاستلام شهاداتهم، ثم مقابلة المجموعة الثانية في ساحة المدرسة للاحتفال معهم بمغادرة الصف الرابع، مع ارتداء الماسكات والتباعد ما بين الطلبة، يدخل بعدها المجموعة الثانية إلى المدرسة في التاسعة والنصف لاستلام شهاداتهم. أما بالنسبة لمدرسة الكبار فقد كان آخر يوم دراسي عبارة عن نصف ساعة فقط لاستلام الشهادات حتى يتم السماح بالتأكد من أن الجميع غادر المدرسة قبل السماح للمجموعة الثانية بالقدوم.

كيف سيكون عامنا الدراسي الجديد؟ هذا ما سوف نكتشفه مع الأيام.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رواء مصطفى
مهندسة وكاتبة مقيمة بألمانيا
تحميل المزيد