الاغتصاب الزوجي، الحق في الإجهاض، الشراكة بدلاً من الزواج.. كيف يتم فرض أجندات غربية بدلاً من قضايانا العربية العادلة؟

عدد القراءات
610
عربي بوست
تم النشر: 2020/07/22 الساعة 11:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/22 الساعة 11:02 بتوقيت غرينتش
الاغتصاب الزوجي، الحق في الإجهاض، الشراكة بدلاً من الزواج.. كيف يتم فرض أجندات غربية بدلاً من قضايانا العربية العادلة؟

ظلَت الثقافة العربية بوجهيها القديم والمعاصر متهمةً لفترات طويلة بالهيمنة على المرأة وتحجيم أدوارها الاجتماعية والسياسية. وبالفعل يمكن ملاحظة أن البيئة العربية قبل الإسلام، لأسباب بنيوية كامنة تتعلَق بالجغرافيا الثقافية والاقتصادية، وسيادة أنشطة التنقل والحرب على الحياة آنذاك لم تكن تضع المرأة على قائمة أولوياتها.

كما أنَ المتغيِّر الاجتماعي الأبرز الذي حلَّ على هذه البيئة لاحقاً، وهو الإسلام، بالرغم من منحه كثيراً من الحقوق النوعية للمرأة فإنه لم يسعَ إلى منحها حقوقاً كاملة تجعلها على نفس الدرجة مع الرجل، رأساً برأس.

يمكن المجادلة مع هذه الرؤية باعتبارها طرحاً "استشراقياً" يخضع للمقولات الاستشراقية المركزية عن الشرق والغرب والدين، وأنها كلها صور ذهنية مستحدثة. ويمكن من جهة أخرى اعتبار الحقوق غير الكاملة التي منحها الإسلام للمرأة خاضغة للمقولة "التاريخية"، بمعنى أنها مقيَّدة بالسياق الخاص بها، وأن وظيفتنا -كنقاد ومفكرين- أن نحرر هذه الحقوق من قيودها التي تتشبث بها التيارات لمنحها حقوقاً أكثر، ولكن ما من شك أن هناك فرقاً في كل الأحوال بين الهيمنة، إذا سلمنا بها على النحو المتداوَل، وبين دعم اعتداء الآخر الغريب على جسد المرأة، مباشرةً أو بالصمت، كملمح أو أثر للثقافة العربية والإسلامية، فتلك تهمة جديدة، ومُستغرَبة على ثقافة ظلّت توصَم بالمُحافَظة، ومجتمعات لم تخلُ يوماً من جرائم الشرف.

بعض علماء الاجتماع العرب وغير العرب رصدوا أن الحضارة الغربية "المادية" منذ منتصف القرن التاسع عشر أخذت عدداً من المسارات المتتالية، التي اتَّسمت في جوهرها بملمَحيْن: تزكية الصراع بين أشكال المجتمع، والتي تشمل صراعات النوع الاجتماعي، والتَّفكيك للبنى الاجتماعية والاقتصادية، وصولاً إلى عصر السُّيولة الكاملة أو ما بعد الحداثة الآني. 

ومن ثمَّ، فإن كل مقولةٍ غربية يراد لها أن تكون كونية، تحمل في طياتها، غالباً، وجهين، وجهاً إيجابياً لا يخلو من محاولات كَوننة، أي تعميم القيم والممارسات الخاصة بالثقافة الغربية (الأورو- أمريكية) التي تطورت في سياق تاريخي معين، وتحت ضغط شروط اقتصادية ودينية وطبقية معيَّنة في العالم كله، ووجهاً آخر غير إيجابي، يلغي الثقافة المحلية، التي تُمثّل تداعياً لعوامل تاريخية مخصوصة، واستجابة لشروط اقتصادية داخلية، وينزع نحو الصِّراع والتفكيك.

انحدار مستمر 

وفي عصر ما بعد الحداثة الذي يتسم بغياب المركز ونزع أي معيار عن العالم والرغبة في التجريب غير المحدود، وهو الحلقة الأخيرة في متوالية انحدار علاقة الإنسان بالمادة، والتي تأرجحت نزولاً من: الاعتقاد بإنسانية واحدة متساوية، إلى إمبريالية غربية واحدة تهيمن على الإنسان والطبيعة، مروراً بثنائية الإنسان والطبيعة، ثم هيمنة الطبيعة الأم بمفردها؛ فإن مقولة "المرأة" لم تعد تعني النضال من أجل منح المرأة الحقوق الأساسية: في السياسة كالانتخاب مثلاً، والمجتمع كالتعليم، ومعادلة الأسرة، وإنما تعني في مرحلةٍ ما أن تُعاد قراءة العالَم، بما فيه التاريخ واللغة، من منظور نسوي للتأكيد على الملمح الصراعي بين الجنسين، ثم في مرحلة نهائية (ما بعد الحداثة)، نجد أن الباب بات مفتوحاً على مصراعيه لكل "الاختراعات" الجنسانية التي تمسخ الهُوية الإنسانية التقليدية للجنسَين، في غياب لأي قيمة أو مركز، وتلغي الفوارق البيولوجية والنفسية بين الجنسين تماماً، ليصبحا أشياء في العالم.

وقد لاحظ مفكرون وأكاديميون حاذقون، مثل جوزيف مسعد، أن الولايات المتحدة الأمريكية، الإمبراطورية الإمبريالية في العالم، باتت تعتمد منذ الستينيات على منظمات المجتمع المدني (NGO's)، التي ترتكز تخصصات أعضائها على مجالات: الأدب، والصحافة، والحقوق، والإعلام، والبرامج الاقتصادية، تدريباً وتمويلاً وولاءً، لنشر هذه القيم المخاتلة، والمتناقضة في كثير من الأحيان، داخل المجتمعات المحلية، تحت مصطلح "باكدج الحقوق" التي إما أن تأخذها كلها فتحصل على صكّ التقدمية، أو ترفض بعضها لأسباب فكرية أو فلسفية أو اقتصادية أو قيمية، فتصبح مهدداً بالوصم بالرجعية، وفي ميدان اهتمامات مُسعَد المتعلق بالجنسانية، فإنك حال حاولت الاعتراض على كونَنة النموذج الغربي (غيري، مثلي) فإنك ستقع تحت طائلة خطاب الصوابية السياسية، وستُعد مريضاً بـ"رهاب المثلية".

ضد المجتمع.. ضد الدين 

وفي الآونة الأخيرة شرعت المنظمات غير الحكومية في نقل معركتها -التي لا تخلو من نَفَس استعلائي- ضد المجتمع إلى مواقع التواصل الافتراضي، وذلك عبر طريقة استغلال القضايا العادلة، وعلى رأسها التحرش، للهجوم على الأدبيات المُحافِظة، التي تُمثِّل من منظور سوسيولوجي وجهاً للإنسانية والتكتل في مواجهة الصراع والتبسيط والتفكك (الأسرة الممتدة في مقابل الأسرة الصغيرة مثلاً). وبالتالي تصبح كل حادثة للتحرش في المجتمع موعداً مع التبشير بمجموعة القيم والظواهر التي قد لا تتعلق بالحادثة، والتي قد لا تعيها ضحية الحادثة، لتمثل امرأة (أو إنسان) ما بعد الحداثة، في رؤيته إلى النوع الاجتماعي، وحدود العلاقة بين الجنسين، والتي جرى تقنينها علمياً (بيولوجياً ونفسياً) على نحو متزايد مؤخراً، مثل مفاهيم: الاغتصاب الزواجي، والحق في الإجهاض، وضرورة الاعتراف بالشذوذ الجنسي هُويةً لأصحابه، وإعادة صياغة اللغة على مقاس معجم الصوابية السياسية، كمفهوم التحرش الذي بات يتضمّن كلَّ ما قد لا يُعجب المرأة من أشكال التفاعل الإنساني العادي بين الجنسين، إذ لم يعد المطلوب تمييزاً إيجابياً للمرأة وحدها كما كان يشاع.

ما يبرهن عن صحة هذا التصوُّر أنَّ هؤلاء النشطاء المنتمين إلى هذه المنظمات لا يَعتبرون أياً من المقاربات الشرعية أو القانونية أو الاجتماعية أو العُرفية النابعة من قلب المجتمع لتحسين وضع النساء ممكنةً، وإنما يسارعون في إدانة المجتمع، باعتباره كُلاً من الرجعيين الذين يمارسون اضطهاداً عمومياً ضد الآخرين، بعد أن صار الجميع آخرين، بفضل سياسات "الهُوية"، بدلاً من افتراض اضطراب الفاعل (المتهم) شخصياً.

 كما يغضون الطَّرْف عمداً عن إدانة أعراض خلل المنظومة القيمية الغربية المطروحة كحل عالمي وآثارها السلبية على المرأة في صناعة الإباحية مثلاً، في المقابل من تفسير الصمت العام الذي قد يكون نتاجاً عن الصدمة (وهي حيلة نفسية دفاعية معروفة يلجأ خلالها الأفراد والمجتمعات إلى الصمت أو التجاهل أو الإنكار لحادث معين، للإيحاء بأن هذا الحادث "الأليم" لن يتعرَّض له جميع الأفراد، وأن من تعرّض له كان استثناءً نتيجة عدم أخذه بالاحتياطات، حتى يستطيع الجميع المضي قدماً في حيواتهم) أو تعبيراً عن بديهية الرفض غير المحتاج إلى التعليق، على أنه صمت القبول والتأييد والتهلل، وصولاً إلى "اختراع" قصص نضالية داخل أحيزة شديدة العمومية بقوالب متكررة مثل صراعات "المترو" اليومية.

وفي النهاية، يجد أعضاء هذه المنظمات "التقدمية" أنفسهم أمام خياريَن محدودين لترويج هذه البضاعة؛ إما عداء المجتمع جذرياً، واللعب على طرفَي نقيض: الاستعلاء، والمظلومية، لتصبح القيم الاجتماعية والدينية نفسها -ويا للعجب!- تدافع عن التحرش، في أوَل عقد اجتماعي رجعيٍّ يتسامح مع انتهاك نسائه دفاعاً عن الذكور الآخرين، أو في أفضل الأحوال سنجد أن الدين بات قوةً دافعة للقيم الفردية الجديدة، التي تجعل الإنسان، ذكراً أو أنثى، منكفئاً على نفسه، مكتفياً بها، بلا إرث حضاري أو تاريخي، جزءاً من منظومة اقتصادية استهلاكية عالمية (النيوليبرالية)، شيئاً مثل الأشياء، على غرار "المقاربات الجندرية للقرآن"، أو المقاربات الجنسانية للإسلام، لتبرير ثنائية "غيريّ/ شاذ"، التي يعتبرها مُسعد في الحقيقة تجسيداً لقراءة "الإسلام في الجنسانية"، لأنها تحاول المصادرة على المطلوب.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد سلطان
كاتب مصري مقيم بأستراليا
كاتب مصري مقيم بأستراليا
تحميل المزيد