لا شك، أن سبب تعثر الدول العربية، وتبعيتها للقوى الأجنبية، يرجع بالأساس إلى الخلافات البينية، التي تحصد الكثير من الإمكانيات المتوفرة لدى الأقطار العربية. لاسيما، وأن المتضرر الأكبر وبشكل مباشر هو الشعوب العربية؛ وبذلك تدفع ثمن الخلاف السياسي المستمر لحكام الدول العربية من "العراق إلى نواكشوط".
إذا كان لدينا مسبقاً أمن قومي "عربي" وأمن غذائي- صحي متكامل، ما وصلنا لهذا النمط الإداري العبثي في زمن انتشار فيروس "كورونا المستجد"؛ كون البلدان العربية، من المحيط إلى الخليج لديها تكامل في شتى المجالات "العنصر البشري، الثروات، الموقع الاستراتيجي.. إلخ". لكن ما سبب عدم نجاح التكامل العربي؟
النظرة الضيقة والتعثر العربي
كان بالإمكان، أن تستفيد البلدان العربية من هذه القدرات المذكورة، وهي تواجه هذه الجائحة المفاجئة للعالم. عوضاً عن أن تبقى كل دولة عربية تصارع نفسها، وتنتظر الغيث والفرج من الدول "الأجنبية" لمساعدتها ونجدتها من السقوط عبر الغرق في بحر "الديون".
لكن للأسف، النظرة الضيقة لأصحاب القرار في هرم الدول العربية، تفتقد إلى البصيرة، وتعتمد على "الأنا" في تسيير شؤون شعوبها. وابتعد أصحاب القرار عن الرؤية الأخوية بين الشعوب العربية، وأهملت المصالح المشتركة التي يجب أن تكون مسطرة لضبط الخطط وبرامج التنمية وعملية صنع القرار وهندسة السياسات. بل إن نظرة سلبية مشتركة تمثلت في التنافس الجيوسياسي البيني، والتبعية العمياء للغرب، حلت محل التآخي والتعاون.
وحسب أهم الإحصائيات الاقتصادية المقارنة للتبادل الاقتصادي والمجالي بين الدول العربية، ومقارنتها مع التكتلات الأخرى، يتبين أن هناك مشكلة وضعفاً في مجال التبادل الاقتصادي العربي-العربي.
وفيما يخص تعثر التكامل العربي، هناك علاقة وطيدة بين التكامل الاقتصادي من جهة والعلاقات السياسية، وتبين الدراسات بأن العلاقات السياسية تتميز بعدم الاستقرار كلما قل وضعف التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي، مما ينعكس على طبيعة التكامل بين الأقطار العربية.
والمتابع للوضع يجد عدة اتفاقيات عربية في المجالات الاقتصادية والثقافية، لكن لم تحقق مفهوم التكامل المرجو بين الدول العربية.
الإرث الاستعماري
ترك الإرث الاستعماري آثاراً سلبية داخل الدول العربية، وما زالت تأثيراته في حياة الشعوب العربية ظاهرة للعلن. فلقد عانت الأقطار العربية من ميراث التخلف الاقتصادي والاجتماعي، الذي تولد عن الفترة الاستعمارية.
وفي مواجهة هذا التخلف، كان لزاماً على الدولة الوطنية بعد الاستقلال مجابهة هذا الإرث الاستعماري، باتباع نهج في التخطيط الاقتصادي والاجتماعي، وكان هذا النهج المتبع من قبل حكام الدول العربية آنذاك، هو التركيز على السلطة على الأقل في مرحلة الانتقال، لإعادة بناء الهياكل الاقتصادية والاجتماعية، بعد الحصول على الاستقلال السياسي "أي تحصين المكتسبات".
لذلك، وخلال هذه الحقبة من التاريخ العربي الحديث، كانت جل البلدان العربية التي حصلت على استقلالها، لا تشعر بالحماسة الملحة بمزايا التكامل الاقتصادي البيني. فهذي الوضعية جعلت الدول العربية تميل إلى تحليل الوضع بنظرة قصيرة المدى، تضع المسائل الآنية المحلية في الصدارة بشكل يطغى على المتطلبات المستقبلية للتكامل العربي-العربي.
وفي الختام، وكعربي يسعى ويأمل في تحقيق التكامل العربي، أطرح هذا السؤال، وأرجو أن يجد صدى لدى : هل تأخذ الأنظمة العربية العبرة من "جائحة "فيروس كورونا المستجد؟ وتتجه إلى نظام عربي متكامل؟ ويكون الهدف الأساسي منه هو التكامل البيني، وبناء وتنمية الدول العربية في شتى المجالات الحياتية، إضافة إلى التصدي لجميع الإشكالات، والآفات المستقبلية التي تحيط بمستقبل الدول العربية وأمنها القومي المشترك. وذلك، من خلال نهضة عربية موحدة، يكون أساس قوامها وتكاملها، الإمكانات البشرية العربية، والثروات المتعددة المتوفرة داخل الأقطار العربية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.