لم يخرج الاقتصاد العالمي بعد من الأزمة المالية التي ضربته نهايات عام 2007، أزمة الرهن العقاري، التي جعلته أكثر هشاشة حتى وَجَّهت له جائحة كورونا من جديد ضربة موجعة جداً، وستتركه يعاني في المستقبل القريب من آثار اجتماعية واقتصادية خطيرة للغاية، لم يتضح بعد نطاقها الكامل.
فقد خلص البنك الدولي في تقريره الصادر مؤخراً إلى أن الخسائر في المجالين الاقتصادي والاجتماعي ستكون هائلة، وأن بؤرة هذه الخسائر ستكون في أسواق البلدان الصاعدة، وأن البلدان النامية ستكون عرضة كذلك لاضطرابات مالية شديدة. ويقول التقرير إنه حتى مع مساندة السياسات المالية الحكومية فمن المتوقع أن تكون الآثار الاقتصادية للجائحة طويلة الأمد.
تقول دانا فوريسك، الخبيرة الاقتصادية في مجموعة آفاق اقتصاديات التنمية في البنك الدولي، إنه على الأمد القصير ستضرر اقتصادات الأسواق الصاعدة في العالم الثاني، وكذلك اقتصادات البلدان النامية التي يُعتقد أنها ستكون الأشد تضرراً، والضحية الكبرى ستكون تلك الدول النامية التي تعاني من ضعف واضح في أنظمتها الصحية، أو تعتمد اعتماداً كبيراً على الاستيراد وإعادة التصدير والتجارة، أو تلك التي تحيا على تحويلات مواطنيها المغتربين في الخارج أو السياحة، أو حتى الدول التي تعتمد بشكل شبه كلي على بيع المواد الخام كالبلدان النفطية العربية، تلك الدول ستمر بفترات صعبة للغاية على المستوى الاقتصادي، إذ زادت ديونها الخارجية أثناء جائحة كورونا، وهو ما يجعلها عرضة لضغوط مالية كبيرة.
حتى في الأمد الطويل، كما تقول فوريسك، فإن الأضرار بعيدة الأمد لجائحة كورونا ستكون كذلك كبيرة جداً على الاقتصادات التي تعاني أزمات مالية وعجزاً دائماً في موازناتها العامة، وخاصة في تلك البلدان التي تعتمد على تصدير خام الطاقة كالنفط والغاز، بسبب انهيار أسعار النفط عالمياً. وتقول إن هذه الأضرار بعيدة الأمد ستكون بشكل أقل حدة على باقي البلدان النامية وبلدان الأسواق الصاعدة، وإن هذه الأضرار التي ستتحول شيئاً فشيئاً إلى كساد يصاحبه انهيار كبير في أسعار النفط، قد يمتد ليحدث على مدار خمس سنوات قادمة.
وبما أن العالم ما زال يعاني من تداعيات أزمة مالية عالمية فمن المتوقع أيضاً أن تؤدي الجائحة إلى تثبيط معدلات نمو الإنتاجية، التي تعاني أصلاً من ضعف وتذبذب طوال العشرة أعوام الفائتة. وهذا ينطبق على كل بلدان العالم، بما فيها الكبرى الصناعية، فما بالكم بدول تجارة الخام ذات الاقتصادات الهشة التي لا تعتمد سوى النفط مصدراً لها؟
حلول باتت ملحة
حسب البنك وصندوق النقد الدوليين فلربما قد فات الأوان الآن بالنسبة لدول الخام لتدارك الموقف، غير أنه من الملح جداً وأكثر من أي وقت مضى أن يعتمد واضعو السياسات في تلك البلدان برامج إصلاح شاملة وجدية لتحسين وتطوير المؤسسات، بحيث تكفل العودة ولو بعد حين إلى تحقيق نمو اقتصادي قوي وحقيقي، بعيداً عن إيرادات النفط، وفي ذات الوقت يجب التمهيد بجدية لطريق يكفل ويساعد على ظهور اقتصادات قوية غير تجارة الخام، بعيداً عن السياحة وإعادة التصدير واستثمار العمالة الآسيوية منخفضة الأجر.
غير أن الاقتصاد ليس جزيرة منعزلة عن باقي مناحي الحياة، إذ لا يمكن فصله في هذه الأحوال عن خلق جو حقيقي من الديمقراطية والتطور السياسي وحرية التعبير وتمكين المجتمع، وعندما يخرج العالم أخيراً من قبضة جائحة كورونا سيكون الجو في بلدان كهذه قد تهيأ للخروج من دائرة الخطر الشديد وأتون الانهيار التام والزوال. وعندها سيكون من الضروري كمُحصلة لذلك العملُ على تقوية آليات التأهب والوقاية والاستجابة والتصدي للكوارث الطبيعية والأوبئة التي أخفقت فيها الكثير من بلدان العالم، والتي كان على رأسها دول العالم النامي ومُصدِّرو الخام.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.