في عام 1994 تأسست الأجهزة الأمنية الفلسطينية إثر توقيع اتفاق أوسلو، في عهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وفي السبعينات من القرن الماضي نجحت المخابرات الفلسطينية في إقامة أول تنسيق أمني مع جهاز الأمن الفلسطيني بقيادة الشهيد أبو إياد.
والتنسيق الأمني الذي أوقفته السلطة الوطنية الفلسطينية هو ما نص عليه اتفاق أوسلو عام 1994، وهو الذي يمنع حدوث أي عمل عنف ضد إسرائيل.
ويمكن القول إن التنسيق الأمني مجموعة من التفاهمات الموقعة عقب اتفاق أوسلو، بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، والتي تبعتها مجموعة من البروتوكولات عام 1995، ومن بينها بروتوكولات الترتيبات الأمنية.
وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يوم 20 مايو/أيار 2020 "أن منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين قد أصبحت اليوم في حِل من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، وانسحبت من جميع الالتزامات المترتبة على تلك التفاهمات والاتفاقات، بما فيها الاتفاقات الأمنية"، وذلك رداً على قرار ضمِّ الأراضي الفلسطينية الذي أعلنته حكومة نتنياهو.
كما حمّل الرئيس عباس الإدارة الأمريكية المسؤولية الكاملة عن الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، معتبرها شريكاً لإسرائيل في جميع قراراتها العدوانية وانتهاكاتها للشعب الفلسطيني.
لكن، وكما يؤكد الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى، على أهمية قرار وقف التنسيق الأمني كونه محل إجماع وطني، هناك تشكك في قدرة القيادة بصيغتها الحالية على وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال على نحوٍ حقيقي، وأن القرارات التي أعلنها الرئيس عباس بما فيها وقف التنسيق الأمني يحتاج لإرادة وطنية جامعة. بالإضافة إلى أن عدداً من خبراء الأمن يعتبرون أن تطبيق قرار وقف التنسيق الأمني تعتريه مخاطر جمة لا تقوى عليها السلطة، وخاصة إذا ما تدهورت الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية على نحو واسع.
الآثار المترتبة على عدم تطبيق قرار وقف التنسيق الأمني:
يمكن القول إن عدم تطبيق قرار وقف التنسيق سيؤدي إلى زيادة حالة الغضب الشعبي على السلطة في الأراضي الفلسطينية. بالإضافة إلى فقدان ثقة الشعب الفلسطيني بمنظمة التحرير وفاعليتها، كونها ممثلاً وحيداً وشرعياً لفلسطين، وزيادة الفجوة بين السلطة الفلسطينية والأحزاب الوطنية الفلسطينية، كما أن استمرار التنسيق الأمني يدفع إلى إثارة النزاعات بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد، ويمزق صفوفه، ويُشتت جهود بناء المشروع الوطني الفلسطيني، وفقدان جدية تهديدات السلطة والقرارات التي تتخذها منظمة التحرير، وعدم إمكانية الضغط بها في المستقبل على الاحتلال الإسرائيلي والمجتمع الدولي، ما يعني تآكلاً للقرار السياسي الفلسطيني، وزيادة تغوّل الاحتلال والاستيطان.
ومع مرور 27 عاماً على اتفاق أوسلو والتزام السلطة الفلسطينية بهذا الاتفاق وترتيباته، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي لم يلتزم بتلك الاتفاقيات، ويمكن القول إن عدم تطبيق السلطة الوطنية الفلسطينية التوصيات والقرارات التابعة للمجلس الوطني والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية قد يؤدي إلى حدوث مشكلة.
وبحسب اتفاقية أوسلو الثانية (عام 1995)، فقد تم تقسيم الأراضي الفلسطينية (في الضفة الغربية المحتلة) إلى ثلاث مناطق: أ، ب، ج. وتمثل المناطق (أ) 18% من مساحة الضفة، وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنيًّا وإدارًّيا، أما المناطق (ب) فتُمثّل 21% من مساحة الضفة، وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية. وتُمثل المناطق (ج) 61% من مساحة الضفة، وتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، ما يستلزم موافقة سلطات الاحتلال على أي مشاريع أو إجراءات فلسطينية فيها". (الجزيرة+ رويترز).
وتعدَّدت المواقع والصفحات الصهيونية التي تنشر الأخبار عن اللقاءات والرسائل التي تجري بين القيادات الفلسطينية والاحتلال في الخفاء، لكن ما هذا إلا جزء من الحرب النفسية التي يقودها المحتل تجاه الشعب الفلسطيني، كي يُشكك الشعب بقيادته، والمعلومات المؤكدة والتصريحات الرئاسية تقول إن التنسيق الأمني قد أوقف فعلاً.
قد يكون من الصعب توقع ما سيحدث في الأيام القادمة، لكن هناك أقاويل أن القيادات الفلسطينية تراهن على تغييرات حقيقية ستعقب الانتخابات الأمريكية، في حال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي يعارض صفقة القرن والسياسات التي يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعلى الرغم من ذلك سيبقى الموقف الفلسطيني رافضاً لجميع الإجراءات الصهيونية وممارسات الاحتلال التي يمارسها ضد الشعب الفلسطيني.
ويُجمع خبراء الشأن الإسرائيلي على أن الضمّ يعني فرض القانون الإسرائيلي على هذه المناطق، وإلغاء العمل بالأوامر العسكرية الحالية. ويقول الخبير في الشأن الإسرائيلي محمد أبو علان، إن قرار الضم يعني فرض القانون الإسرائيلي أو السيادة الإسرائيلية على مناطق منحتها خطة ترامب (صفقة القرن) لدولة الاحتلال، وبالتالي تصبح مثلها مثل "تل أبيب" في القانون الإسرائيلي.
فالقانون المطبَّق حاليًّا في هذه المناطق هو الأوامر العسكرية، وتطبيق القانون الإسرائيلي يعني إلغاء القوانين المطبقة حاليًّا، وهي القانون الأردني أو العثماني أو البريطاني، وبالتالي تصبح الأرض إسرائيلية وفق القانون الإسرائيلي.
ما بعد الضم؟
وفقاً لخرائط نُشرت فإن الضم الإسرائيلي الذي أُعلن عنه سابقاً سيشمل 43 قرية فلسطينية من عدة محافظات بالضفة الغربية، ويعيش في هذه المناطق 106 آلاف فلسطيني، وتسمى هذه المناطق كما سمَّاها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "جيوباً فلسطينية في داخل دولة إسرائيل"، مؤكداً على أن سكانها لن ينالوا الجنسية الإسرائيلية، وستبقى هذه القرى تابعة للسلطة الفلسطينية مع وجود مداخل ومخارج عليها تحت السيادة الإسرائيلية، أما بالنسبة للسكان فلن يتم ضمهم، ومن يريد الوصول إلى هذه المناطق سيحتاج إلى تصريح خاص.
يُذكر أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية سحبت دورياتها الأمنية الموجودة في المناطق الخاضعة للإدارة المشتركة مع الاحتلال، وتحديداً في مناطق شرق وشمال القدس المحتلة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]