على مدار أكثر من 3 سنوات من الحكم، رفع ترامب قدرة اقتصاد أمريكا للذروة. ابتزَّ دولاً عديدة أبرزها السعودية، التي عقدت معه ربيع العام 2017 مجموعة صفقات بقيمة ناهزت الـ500 مليار دولار، وكانت الصفقات مقابل السماح بانقلاب أبيض للأمير الشاب محمد بن سلمان، على ابن عمه محمد بن نايف، للفوز بمنصب ولي العهد، الحاكم الفعلي للبلاد.
بصك الـ500 مليار دولار انطلق الأمير في سياسة "انفتاح اجتماعي" مع قمع سياسي، وطموح اقتصادي، وجموح في علاقاته وقراراته في الشأن الخارجي، والتوغل في حرب اليمن، واغتيال خاشقجي، وحصار (مقاطعة) قطر، وتنويع وخلق شراكات جديدة مع الصين وروسيا، حتى مع انعدام أو محدودية الجدوى.
مرحلة محمد بن سلمان أُريدَ لها عنوانٌ واحد: الحزم والشدة، منطق مَن ليس معنا فهو ضدنا، ودفع الأمور لحافة الهاوية مع استصغار العواقب والتضخيم من النتائج المتوقعة، ظهر ذلك جلياً في خنق الحليف المصري بترولياً مدة 3 أشهر لـ"تلكُّئه" في تسليم جزيرتي تيران وصنافير أواخر 2016، ومع قطر لإخضاعها لخطِّ الرياض- القاهرة- أبوظبي، ومع المعارضين أو الصحفيين إما بالسجن كسلمان العودة، أو القتل كما حدث مع جمال خاشقجي.
اقتصاديّاً، اعتمد الأمير على "مداخيل" حملة "مكافحة الفساد"، والتقليل من نفقات الدولة الداخلية، وبيع 5% من حصص أرامكو لتنفيذ خطته الطموحة: مدينة نيوم الذكية بميزانية 500 مليار دولار، وتقليل اعتماد المملكة على النفط. فأين وصلت مخططات الأمير بعد 3 سنوات من الحزم المدعوم أمريكياً؟
السعودية تختنق مع تراجع أسعار النفط لقرابة الـ20 دولاراً (توازن الميزانية يعتمد 83 دولاراً للبرلميل)، وجائحة كورونا التي أوقفت جل الأنشطة في المملكة كما في العالم.
الأموال المستردَّة من رجال الأعمال في حملة مكافحة الفساد الشهيرة "ريتز2017″، قُدّرت بـ100 مليار دولار، لم تسد العجز. حملة أضرت بسمعة المملكة وأدت لهروب كثير من المستثمرين، وخطط بيع 5% من أسهم أرامكو لم تجلب حتى نصف المتوقع (تم طرح 1.5% من الأسهم جنت 25.6 مليار دولار) نتيجة اضطرابات في سوق النفط، وتسعير مبالغ فيه للسهم، وضبابية في شفافية العملاق النفطي.
استراتيجيّاً، السعودية تغرق في اليمن، ويتم استنزافها لأن الأمير الشاب دخل حرباً لا يملك خطة للخروج منها؛ 3 مليارات دولار تكلفة مالية شهرية، غير الكلفة الإنسانية ليَمَن أضحى أكثر مناطق العالم بؤساً وفقراً ومرضاً.
حتى اغتيال خاشقجي وخنق باقي أصوات الداخل لم يسهما في خفض أصوات المعارضة، والغرب الذي أمل الأمير كسبه بحملة علاقات عامة يطالبه اليوم بإطلاق سراح (الأمير سلمان بن عبدالعزيز وأبيه) وآخرين.
نتائج ليست بالمُرضية مع عامٍ انتخابيٍّ صعبٍ للداعم دونالد ترامب. رئيس اجتمعت عليه أزمة الاقتصاد الكوروني: 40 مليون أمريكي فقدوا وظائفهم، مع حركة اجتماعية ومظاهرات غاضبة مناهضة للتمييز، ترى فيه عنصراً مفرّقاً مثيراً للفتنة لا جامعاً للأمة.
على الجانب الآخر يُطل جون بايدن مرشحاً للدمقراطيين، تزداد حظوظه كلما اشتد الخناق على ترامب. الديمقراطيون يعتبرون السعودية حليفاً لا غنى عنه، لكنهم يثقون أكثر في الأمير محمد بن نايف ورجاله، كرجل المخابرات الأكثر كفاءة في تاريخ المملكة سعد الجابري المنفي لكندا، إضافة لرغبتهم (الديمقراطيين) في شرق أوسط متوازن بين تركيا وإيران والسعودية، ما قد يُعيد واشنطن للاتفاق النووي مع طهران بنفس السرعة التي خرجت بها.
سيناريوهات تهدد خطط الأمير الشاب لتولي حكم أغنى دول الشرق الأوسط، ولن يكون أمامه سوى التعجيل بتقلُّد الحكم رسمياً من الملك الوالد قبل الانتخابات الأمريكية أواخر السنة، أو المغامرة بإرجاع الأمور للمربع الأول وخسارة كل شيء.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.