لم يكن من المتوقع أن تتفجر الأوضاع على الحدود السودانية الإثيوبية بالصورة التي حدثت خلال الأيام الماضية لتؤدي هذه المرة إلى توتر بين البلدين، رغم أن هذه الحوادث كانت تتكرر سنوياً في فترة الصيف التي تسبق موسم الأمطار.
ولهذا رأيت أن أكتب هذه المقالة المطولة بحكم اطلاعي الجيّد على ملف العلاقات بين البلدين، ومحاولة التنقيب في أسبابها وخلفياتها فقد أثارت جدلاً كثيفاً على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
وبنهاية المقالة أتوقع أن أجيب عن تساؤلات تدور في أذهان كثيرين على شاكلة: هل يتطور الأمر إلى حرب شاملة "لا سمح الله"؟ أو هل هناك أيادٍ خفيّة لعبت دوراً في تصعيد المشكلة؟ ولماذا لم يلتزم الجانب الإثيوبي بتعهداته؟ وما مآخذ إثيوبيا على الحكومة السودانية؟
أولاً، من المهم أن نؤكد أن الاعتداء على الأراضي السودانية في "بركة نورين" وقع فعلياً، أياً كانت القوة المعتدية فهي قادمة من إثيوبيا، وقد أدى الهجوم إلى استشهاد قائد القوة السودانية النقيب كرم الدين محمد يعقوب إضافة إلى طفل من أبناء المنطقة الحدودية.
الجيش السوداني يتهم نظيره الإثيوبي بمساندة الميليشيا
الجديد هذه المرة هو التصعيد غير المسبوق الذي أبداه الجيش السوداني بالتحديد، إذ اتهم متحدثه الرسمي عامر محمد الحسن في بيانه لأول مرة، الجيش الإثيوبي بمساندة الهجوم الذي شنته ميليشيات الشفتة على الأراضي السودانية، وهدد الحسن لاحقاً بإمكانية شن حرب شاملة إذا لم تنجح المساعي الدبلوماسية لحل الأزمة الحدودية.
اللافت أن ردة فعل الحكومة الانتقالية التي يقودها رئيس الوزراء عبدالله حمدوك جاءت مختلفة ولم تواكب اللهجة العدائية التي حملها بيان المتحدث الرسمي وتصريحاته الإعلامية التي أدلى بها لعدد من الفضائيات، إذ اقتصر رد الحكومة على استدعاء القائم بالأعمال الإثيوبي ميوكنن قوساي "للاحتجاج على توغل ميليشيا مسنودةً من الجيش الإثيوبي، واعتدائها على المواطنين والقوات المسلحة داخل الأراضي السودانية". ونقل مدير إدارة دول الجوار بالوزارة لـ"قوساي"، بحسب البيان، إدانة ورفض الحكومة السودانية لهذا "الاعتداء الآثم". مشيراً إلى أن الحدث "جاء في وقتٍ كانت تستعد فيه الخرطوم لعقد الاجتماع الثاني للجنة المشتركة رفيعة المستوى لقضايا الحدود بين السودان وإثيوبيا".
ورغم أن البعض فهم استدعاء القائم بالأعمال الإثيوبي على أنه خطوة تصعيدية من الخرطوم، فإنه في حقيقة الأمر رد متوازن من الجانب السوداني، إذ أكد حرص الحكومة المدنية على الحل السلمي لأزمة الحدود بما يحقق الاستقرار والسلام والتعايش السلمي بين مواطني البلدين. فحكومة الرئيس عبدالله حمدوك تميل إلى اللجوء للطرق الدبلوماسية والحرص على إبقاء العلاقة طيّبة مع إثيوبيا باعتبارها الحليف الأول والأوثق للمدنيين الذين تقاسموا السلطة مع العسكريين المقربين من الرئيس المخلوع عمر البشير بعد الإطاحة به العام الماضي.
رد إثيوبي هادئ
إثيوبيا وفي خطوة متوقعة منها، اختارت الرد الهادئ عن طريق الدبلوماسية وليس عبر متحدث القوات المسلحة، فقد أصدرت وزارة خارجيتها بياناً هادئاً دعت فيه السودان إلى إجراء تحقيق مشترك لاحتواء الأزمة، وأكدت أهمية تعزيز الجو الودّي الذي يعكس العلاقات الأخوية الطويلة الأمد بين البلدين القائمة على حُسن الجوار والتفاهم المتبادل.
دعوة إثيوبيا إلى التحقيق المشترك تعني ضمناً أنها تعترض على اتهام جيشها بالمشاركة في الهجوم، والأغلب أن عناصر من جيش الإقليم المتاخم للسودان وليس "الجيش الفيدرالي" ساندت الميليشيا من دون تعليمات عليا وإقليم الأمهرا به مشكلة أمنية قديمة سأتطرق إليها، كذلك لمّح بيان الخارجية الإثيوبية إلى اعتراضها على التصعيد الإعلامي للمتحدث السوداني فيفترض اللجوء إلى قنوات التواصل العسكرية المعروفة بين الجانبين. وهاتان النقطتان سيثبتهما التحقيق المشترك إذا وافق الجانب السوداني عليه.
قبل بيان الخارجية السودانية الذي أوضحت فيه أنه تم استدعاء الدبلوماسي الإثيوبي، جرت اتصالات على مستوى عالٍ من قيادتي البلدين، فحكومة حمدوك تدرك تماماً أنه لم تصدر توجيهات عليا من السلطات الإثيوبية بشنّ الهجوم، وتعلم الحكومة السودانية كذلك الوضع الداخلي المعقد في إثيوبيا، فبقدر ما حققت تجربة الحكم الفيدرالي هناك نجاحاً في حل مشكلة التنوع العرقي الكبير بتقسيم البلاد إلى 9 أقاليم تتمتع بالحكم الذاتي حلاً لمشكلات الهوية واللغة وتقسيم السلطة، فإنها أفرزت كذلك تعدد الأجهزة العسكرية والأمنية فكل إقليم لديه قوات جيش وشرطة وأمن داخلي خاصة به، وهذا ما أدى إلى وقوع أحداث الأسبوع الماضي على الحدود السودانية الإثيوبية.
إقليم الأمهرا المحاذي للسودان به مشكلة أمنية قديمة
لعلكم تتذكرون أيضاً أن إقليم الأمهرا الإثيوبي المتاخم للسودان شهد العام الماضي محاولة انقلابية أدت إلى مقتل حاكم الإقليم الرجل المحبوب أمباتشو ميكونن إضافة إلى 2 من معاونيه في قلب مدينة بحر دار عاصمة الإقليم، وقد تساءل الذين لا يعرفون طبيعة الحكم في إثيوبيا حينها عن كيفية وقوع انقلاب عسكري في إقليم بعيد عن السلطة الفيدرالية. ولكن مَن لديهم معرفة جيّدة بطبيعة النظام الحاكم هناك يدركون أن الأقاليم شبه مستقلة عن الحكومة الفيدرالية.
فإقليم تيغراي الواقع في الشمال لديه أيضاً خلافات عميقة مع السلطة الفيدرالية، إذ تصاعدت الحرب الإعلامية بين حكومة الإقليم وآبي أحمد في الفترة الأخيرة بعد إصرار حكومة تيغراي على إجراء الانتخابات في موعدها رغم إقرار تأجيلها من السلطة الفيدرالية بسبب فيروس كورونا.
من الخطأ بمكان تصوّر أن إثيوبيا الدولة يمكن أن تشن هجوماً على السودان في هذا التوقيت الحرج، إذ إنها تستعد لبدء تخزين المياه في بحيرة سد النهضة بعد شهر واحد، وقد بدأت السلطات المحلية في تطهير الأرض وتجهيزها لاستقبال المياه فهي بحاجة إلى دعم السودان أو على الأقل أن يكون محايداً في صراعها مع الحكومة المصرية، كما أن رئيس الوزراء آبي أحمد أبدى حرصه الشديد على استقرار السودان ولعب دوراً تاريخياً نال إعجاب الداخل والخارج في توقيع الاتفاق الدستوري بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري المحلول العام الماضي. وقبل أيام فقط من الأحداث الأخيرة استقبل وفداً سودانياً رفيع المستوى ناقش موضوع الحدود مع نائبه ديمقي ميكونن، وغرّد بعدها أحمد قائلاً: إن "العلاقات بين البلدين لا تسمح بأي توترات على الحدود، وإن أي اتجاه من هذا النوع سيتم حسمه من خلال التواصل المباشر والحوار الشفاف بين قيادات البلدين السياسية والعسكرية؛ وذلك لخصوصية العلاقة والمصالح المشتركة".
ولعلكم الآن تتساءلون عن كيفية حدوث هذا التصعيد؟
أُذكّر مرة أخرى بأن هذه الاشتباكات والاعتداءات تقع سنوياً في موسم الأمطار، ولكي نضع النقاط حول الحروف نقول إن الاعتداءات تقع دائماً من الجانب الإثيوبي ومنطقة الشريط الحدودي تنتشر فيها تجارة السلاح والمسلحين من الجانبين، هناك أيضاً مطامع واضحة من بعض أبناء قومية الأمهرا الإثيوبية في الأراضي السودانية، يُقال إنهم لا يعترفون بالحدود الدولية بين البلدين والتي تقر بها الحكومة الإثيوبية رسمياً، فهي لم تقل في يوم من الأيام إن لديها مشكلة حدودية مع السودان، أو أن منطقة الفشقة محل الصراع تابعة لها. بعكس ما يحدث في مثلث حلايب، إذ تصر الحكومة المصرية على أنها منطقة مصرية خاضعة لسيادتها وترفض تماماً أي محاولة سودانية لفتح النقاش حولها.
الوضع الداخلي في إثيوبيا يلعب كذلك دوراً كبيراً فيما جرى على الحدود، فكما ذكرت اعتادت الميليشيات الإثيوبية عبور المنطقة الحدودية والتوغل داخل الأراضي السودانية مستغلة ضعف الكثافة السكانية وتساهل النظام البائد في حسم القضية، بل إن مسؤولاً محلياً سابقاً في ولاية القضارف "الحدودية مع إثيوبيا"، اعترف بأن حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير تنازلت عن مساحات شاسعة من الأراضي السودانية للمزارعين الإثيوبيين في السنوات الأولى من نظام الإنقاذ، عندما دخل البشير في حرب مع المعارضة المسلحة المدعومة من رئيس النظام الإريتري أسياس أفورقي، جاء التنازل وفق تسجيل منسوب للمسؤول المحلي بسبب خشية نظام البشير من استغلال المعارضة وجيش أفورقي المنطقة الحدودية كنقطة انطلاق ضد المدن السودانية الكبرى كالقضارف وكسلا وبورتسودان.
لماذا لم يتواصل الجيشان عبر مكتب الارتباط؟
بالعودة إلى ما جرى نهاية الأسبوع الماضي، نجد أن الميليشيات الإثيوبية التي حاولت الدخول إلى الأراضي السودانية في منطقة بركة نورين تصدّت لها القوات المسلحة السودانية وأجبرتها على العودة، إلا أن الميليشيا عادت مرة أخرى مسنودةً هذه المرة بقوة من الجيش الإثيوبي -حسب بيان المتحدث السوداني- واشتبكت القوتان، ما أدى إلى مقتل النقيب كرم الدين وطفل من أبناء المنطقة، وهذا ما أدى إلى التصعيد الإعلامي وتوتر العلاقات فيما بعد.
تظهر الواقعة ضعف التنسيق العسكري بين الجانبين رغم أن هناك قناة اتصال مفتوحة بين الجيشين السوداني والإثيوبي عبر مكتب الارتباط، وهناك قوة مشتركة كذلك رغم قلة عددها والحاجة إلى تعزيزها وتقويتها لكن لم يحدث في التاريخ القريب حصول مواجهة، أتذكر أنه عندما كان الجيشان على وشك التصادم في مثل هذا التوقيت عام 2018، جرى اتصال بين القيادات العسكرية في البلدين ثم تم رفع الأمر سريعاً إلى القيادة العليا متمثلة في الرئيس المخلوع عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلا مريام ديسالين وسرعان ما اتفقا على سحب القوات وهو ما تم بالفعل في حينه.
أما الاشتباك الأخير فيظهر بجلاء ضعف التنسيق الميداني أو ربما عدم رغبة الطرفين أو أحدهما في تفعيل التواصل عبر مكتب الارتباط، ولكن اللهجة التي تحدث بها الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني تحمل نبرة تصعيدية واضحة ليست جديدة، بل بدأت منذ إطلاق رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان تصريحات بدت غاضبة عندما زار المنطقة الحدودية مطلع أبريل/نيسان الماضي وقال: "لا تراجع عن حماية حدودنا ولن نسمح بالتعدي على أراضينا"، رغم أنه لم يشر إلى إثيوبيا بشكل صريح.
بلا شك توجد مشكلة حقيقية على الحدود السودانية الإثيوبية متمثلة في أراضي الفشقة التي يستولي على قدر كبير منها مزارعون إثيوبيون بدعمٍ من ميليشيا الشفتة، وما حدث ليس أمراً سهلاً يمكن السكوت عليه بكل تأكيد، خاصة أن النقيب كرم الدين استشهد وهو يدافع عن أرضه ضد قوة معتدية قدمت من الخارج أياً كانت هذه القوة. ولكن من غير المفهوم أيضاً أن تلجأ القوات المسلحة السودانية إلى التصعيد الإعلامي فقد كان يمكنها حل المشكلة عن طريق قنوات الاتصال المفتوحة مع نظيرتها الإثيوبية وهذا ما جعل كثيراً من المتابعين السودانيين والإثيوبيين يشككون في وجود أجندة خفية وراء هذا التصعيد، أي أن الحادثة صادفت هوىً في نفوس القادة العسكريين السودانيين دفعتهم إلى التصعيد مع الجارة الشرقية.
يربط البعض ما حدث من تصعيد إعلامي باحتمالين اثنين:
أولهما: العلاقات الوثيقة التي تَجمع العسكريين السودانيين الموجودين في المجلس السيادي بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ويستذكرون الزيارة التي قام بها عضو المجلس السيادي، قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" إلى القاهرة في مارس/آذار الماضي ولقاءه مع السيسي ثم مدير مخابراته عباس كامل، وزيارات الأخير المتكررة إلى السودان وغياب المعلومات عن أسبابها ونتائجها.
الثاني: رغبة العسكريين في إحراج الحكومة المدنية التي يقودها رئيس الوزراء حمدوك وتصويرها كأنها ضعيفة بعد أن تسلمت ملف ترسيم الحدود بين البلدين، وتم تشكيل لجنة عليا للمهمة برئاسة وزير شؤون مجلس الوزراء عمر مانيس عقدت اجتماعاً ناجحاً مع الجانب الإثيوبي في أديس أبابا الشهر الماضي.
علاقات وثيقة للبرهان وحميدتي بالسيسي
بالإشارة إلى السبب الأول المحتمل، لا يخفي كثير من المدوّنين السودانيين على مواقع التواصل الاجتماعي خشيتهم من استخدام السودان ودفعه لحربٍ بالوكالة عن مصر التي ازدادت مخاوفها من سد النهضة في ظل اقتراب إثيوبيا من إنهائه. ونرى أن مخاوف الشباب السوداني مشروعة تماماً نسبةً لولاء جنرالات السيادي الشديد للنظام المصري وللنظامين الإماراتي والسعودي.
لا أحد بالطبع يقلل من أهمية الأرض المغتصبة ولا يمكن أن يدعو للتفريط في الحقوق والموارد، وهناك مشكلة حقيقية على الحدود السودانية الإثيوبية تقتضي الحسم، ولكن أين جنرالات السيادي من أزمة حلايب؟ ولماذا لم يثيروها مع السيسي رغم تعدد لقاءاتهم معه إن كان الأمر يتعلق بسيادة البلاد وحماية حدودها؟
إثيوبيا لديها مخاوف من تهريب السلاح عبر السودان لكنها لم تصعّد
أعرف أنني أطلت في كتابة هذه المقالة، ولكن من باب التوازن سأذكر أيضاً أن الحكومة الإثيوبية اشتكت عدة مرات من تهريب السلاح عبر الحدود السودانية، وسبق أن كشف وزير خارجيتها السابق ورقينيه قبيهو أنه أبلغ الرئيس المخلوع عمر البشير بضرورة تشديد الرقابة والسيطرة على عمليات تهريب الأسلحة غير المشروعة عبر الحدود المشتركة".
وذكر قبيهو في إحاطة مغلقة للبرلمان الإثيوبي أنه أوضح للبشير والمسؤولين السودانيين من خلال القنوات الدبلوماسية، وكذلك الاجتماعات الخاصة على المستويات الحكومية العليا، أنه "بخلاف ذلك، سيؤدي الأمر في نهاية المطاف إلى قطع العلاقات الدبلوماسية أو بأقل تقدير ستتأثر العلاقات سلباً بيننا".
يلاحظ أن الجانب الإثيوبي ورغم مخاوفه المشروعة من تكرار حوادث تهريب السلاح عبر الحدود السودانية لم يلجأ إلى التصعيد الإعلامي، بل خاطب الحكومة السودانية عبر القنوات الدبلوماسية والاجتماعات المباشرة بين قيادتي البلدين، ولم يلجأ إلى التصعيد الإعلامي كما يفعل حالياً المتحدث الرسمي للجيش السوداني الذي يتلقى توجيهاته من رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان.
حمدوك وآبي أحمد سيحتويان الأزمة
الحكومتان السودانية والإثيوبية تدركان معاً أجندة البرهان من تصعيد القضية، ولذلك من الأرجح ستحاولان احتواء الأمر وامتصاصه والتسريع في مهمة ترسيم الحدود وتنفيذ اتفاق القوات المشتركة. فالبرهان تبقت له أشهر معدودة يفترض بعدها أن يقوم بتسليم منصب رئيس مجلس السيادة إلى المدنيين، في النصف الثاني من الفترة الانتقالية العام القادم.
دائماً أقول إن معظم المشاكل التي يعاني منها السودان في العهد الانتقالي الحالي سببها الوثيقة الدستورية "العرجاء" التي جعلت رئيس الوزراء بلا سلطة على الأجهزة العسكرية والأمنية في سابقة لم تحدث من قبل، فالطبيعي في كل دول العالم أن القوات المسلحة وكل الأجهزة الأمنية خاضعة لتوجيهات رئيس الحكومة ولا تتصرف كأنها ند له، فرئيس الوزراء لديه تقديرات وأفق أوسع، فهو رجل سياسي يتلقى المشورة والتوصيات من كافة أجهزة الدولة بما فيها الأمنية وعلى ضوء ذلك يستطيع اتخاذ القرار المناسب.
ما حدث في بركة نورين عند الحدود مع إثيوبيا ليس أمراً بسيطاً لنقلل منه، فقد أوقع قتلى وجرحى من أفراد القوات المسلحة السودانية وتسبب في عملية نزوح لمواطنين سودانيين، غير أن الصراعات والمشكلات تقع كثيراً بين الدول حتى الكبرى منها، ومن المهم أن تسود الحكمة والتفاهم فعندما أسقطت تركيا مقاتلة عسكرية روسية على الحدود السورية قبل عدة أعوام حبس العالم أنفاسه خوفاً من اندلاع حرب كبرى، لكن تم تجاوز القضية واستمرت العلاقات بين البلدين.
لا يفوتني أن أوجه نداءً لشباب بلادي وأدعوهم لعدم التعريض بالقوات المسلحة رغم فقدانهم الثقة بالجيش منذ مجزرة 29 رمضان التي وقعت أمام بوابات القيادة العامة، والجيش السوداني لا نختزله في شخوص البرهان وكباشي وياسر العطا. وليس ميليشيا تشبه الشركة الأمنية كـ"الدعم السريع" التي يقودها حميدتي وكل هؤلاء طبعاً متهمون بالتورط في مجزرة القيادة العامة.. الجيش السوداني فيه أبطال بمعنى الكلمة كالشهيد "بإذن الله" النقيب كرم الدين والنقيب حامد والملازم أول محمد صديق هؤلاء وغيرهم كثير آلمهم القتل والسحق والاغتصاب الذي حدث يوم 29 رمضان العام الماضي في قلب العاصمة الخرطوم وأمام بوابات القيادة العامة وليس على حدود السودان مع أي دولة أخرى!
المراقب لنبض وسائل التواصل الاجتماعي في السودان يلاحظ إجماعاً تاماً للمعلقين على رفض شبح الحرب التي يعتقدون أنها إذا حدثت "لا سمح الله"، ستكون حرباً أو مناوشات بالوكالة لإنقاذ السيسي، حليف جنرالات المجلس السيادي، من ورطة سد النهضة، ويطالب المدونون بحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية طالما أن إثيوبيا تعترف بأحقية السودان في هذه الأراضي، مع حسم أي معتدٍ يهاجم أراضي البلاد ومواردها فالسيطرة على الميليشيات ومن يساندها لن تكون مهمة سهلة تتم بين يوم وليلة، وقد أشرت إلى محاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها عاصمة إقليم أمهرا العام الماضي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.