هل اتباع القواعد الصحية أكثر شرعية من المعتقدات الدينية؟ فرنسا نموذجاً

عدد القراءات
4,051
عربي بوست
تم النشر: 2020/05/29 الساعة 17:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/29 الساعة 17:07 بتوقيت غرينتش

حظرت فرنسا في عام 2010 تغطية أي شخص وجهه في الأماكن العامة، مما حرم النساء المسلمات مباشرة من حق ارتداء النقاب. وبعد عقد من ذلك، في ظل انتشار أكبر جائحة شهدها العالم منذ قرون، ألزمت الحكومة الفرنسية مواطنيها بارتداء الكمامات في بعض الأماكن العامة. وحتى وقت كتابة هذا المقال، يسري كلا القانونين.

من الواضح أن ثمة عديداً من الاختلافات بين النقاب والكمامات الطبية. ينشأ العبث من مساعي الحكومة الفرنسية لوضع قرار حظر النقاب، المعادي للإسلام بشكل صارخ، في إطار تأكيد على مبدأ عام غامض ضد تغطية وجه المرء. ومن ثم كان قانون حظر النقاب مؤسساً تأسيساً صريحاً في فكرة أن "الجمهورية تحيا مع عدم تغطية وجه الشخص". يمكنك قراءة الكثير من الملصقات والمنشورات الحكومية المنشورة آنذاك، التي لا تزال ظاهرة في كثير من نوافذ المتاجر، والتي تذكر بـ "مبادئ الجمهورية".

واليوم، مع تبني قوانين ومراسيم تجبر الأشخاص على ارتداء الكمامات، ومن ثم تخفي وجوههم، فإن "مبادئ الجمهورية" هذه تبدو متعارضة ومتناقضة. قد تبدو مقارنة القانونين بمثابة تصيد أخطاء، لكن المعاني المختلفة التي قد يحملها مصطلح "القيم الجوهرية" في السياقات المتنوعة يعرّض المواطنين في الواقع إلى انعدام أمن قانوني رئيسي. 

إذا كنت امرأة مسلمة تغطي وجهها لأغراض دينية، فسوف تخضعين لغرامة وقد تحتاجين إلى حضور صف تعليمي حول المواطنة، حيث سوف تتعلمين أنه لكي تكوني "مواطنة صالحة" يعني ذلك أن تكشفي وجهك. وفي الوقت نفسه، تبلغ نفس الحكومة جميع المواطنين بأنهم كي يكونوا "مواطنين صالحين" يجب عليكم تبني "بوادر الحواجز"، التي تتضمن تغطية وجوهكم. يمكن أن توصف هذه القراءة غير المتماثلة لنفس السلوك، استناداً إلى السياق والشخص الذي ينفذ الإجراء، في أحسن الأحوال على أنها تعسفية، وفي أغلبها على أنها تمييزية. إذ تتيح للحكومة أن تحكم على نوايا الأشخاص -أي لماذا نفعل ما نفعل- بدلاً من الحكم على الحقائق المرتبطة بأفعالنا، وهو ما يُصلح -في رأيي- أوضاع "جرائم الرأي"، عندما يتعلق الأمر بالحرية الدينية للمسلمين.

بعد الهجمات الأخيرة في فرنسا في مقار شرطة باريس، سرد وزير الداخلية الفرنسى كريستوف كاستانر عدداً من الإشارات التي تدل على التطرف، والتي يمكن الإبلاغ عنها، وتتضمن: رفض التقبيل على الخدين بين الجنسين (وهي عادة ثقافية فرنسية)، وعدم مصافحة الأيدي، وعدم الاختلاط مع الزملاء، وما إلى ذلك. واليوم، يروَّج لنفس هذه السلوكيات، إضافة إلى عادات أخرى، في إطار التباعد الاجتماعي، بوصفها عادات صحية ووطنية كذلك وضرروية لحماية البلاد من الجائحة. هل تشير الحكومة الفرنسية إلى أن المواطنين عليهم أن "يتطرفوا" ليكونوا جزءاً من النسيج الوطني؟ بالطبع لا، ولكن بالنسبة للمسلمين المتدنيين المعنيين بالأمر، لا يزال التباعد الاجتماعي الطوعي يُنظر إليه على أنه معاد للوطنية ومن أعراض التطرف.

فلماذا يكون اتباع القواعد الصحية أكثر شرعية من المعتقدات الدينية إذا لم تكن تضر أي شخص، بل ويمكنها في الواقع أن تحمي الآخرين؟ وليس فقط ضد الأمراض -نظراً إلى أن كثيراً من هذه الممارسات الاجتماعية أكثر صحية من عادة مصافحة الأيدي عند الغرب- بل وكذلك ضد صور التحرش الجنسي، التي تتخفى غالباً وراء أعذار الثقافات اللاتينية بأن يكون المرء أكثر تلامساً "بصورة طبيعية".

في إطار بحوثي الاجتماعية، أجريت مقابلة مع شابة تدعى إستل، اعتنقت الإسلام وكانت ترتدي النقاب. أخبرتني أنه منذ الحظر، صارت فرنسا سجناً مكشوفاً بالنسبة لها. وكان عليها أن تبحث عن شقة بشرفة صغيرة حيث يمكنها أن تحصل على بعض الهواء النقي، نظراً إلى أنها شعرت بالاختناق لأنها حبيسة منزلها. وفي ظل انتشار فيروس كورونا، فإننا نستكشف فقط جزءاً من حياة النساء في فرنسا، اللواتي يُجبرَن على الاختيار بين تغطية وجوههن أو مغادرة منازلهن، واللواتي يخضعن ضمنياً لإقامة جبرية دائمة، واللواتي يهددن بأن يجري تغريمهم في كل مرة يخرجن فيها.

فإذا كان هذا الاحتجاز المؤقت مؤلماً وصعباً علينا لأنه يقيد تمتعنا بحرية التنقل، ويعيقنا عن أن نرى عائلاتنا ونخرج مع أصدقائنا ونكسب أرزاقنا ونذهب لنتسوق أو نخرج للتمشية وحسب، فيمكننا فقط أن نتخيل كيف شعرت النساء الفرنسيات المنتقبات خلال العقد الماضي. والأكثر من هذا، أن بقيتنا يمكنه توقع أن يجري تخفيف تدابير الإغلاق بسبب الجائحة خلال الأسابيع القادمة أو الشهر القادم. أما النساء الفرنسيات المسلمات اللواتي يرتدين النقاب، فليس لديهن سبب في أن يحدوهن الأمل بتحسن أوضاعهن في أي وقت قريب.

– هذا الموضوع مترجم عن مجلة Newsweek الأمريكية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

فاطمة خميلات
باحثة في معهد الدراسات السياسية بمدينة إكس أون بروفانس
باحثة في معهد الدراسات السياسية بمدينة إكس أون بروفانس
تحميل المزيد