انفجر الجدل في دوائري على السوشيال ميديا حول حالة النقد السينمائي على الإنترنت، والذي تحوَّل إلى معسكر لتبادُل طلقات التعالُم بينهم، رغم ادّعاء النقاد التقليديين، أن هذا الأخير قد استبدل الخبرة بالمزيفيين، في حين يرد عشاق الإنترنت على أنهم في عصر ذهبي جديد من النقد السينمائي، ويتهمون التقليديين بالغيرة والامتعاض. بعبارة أخرى هم يدعون إضفاء الطابع المثالي على مفهوم النقد أكثر اتزاناً وكثافة عما كان عليه في الماضي.
إن الناقد السينمائي لا يحتاج إلى مشاهدة الأفلام، بل إن الأفلام هي من تحتاج لرؤيته وفقاً لواجبه وارتباطاً برأيه كعمل مهني.
الناقد السينمائي هو الشخص الذي يلاحظ في منفذ إعلامي معين أو شخصي ما يحدث بشكل عام في الفيلم، يضطر للسماح لنفسه بتذوق كل الأنواع المختلفة من أصناف السينما، مسقطاً حقه في ترك منتصف فيلم سيئ أو النوم أثناء عرضه.
الناقد الفذ هو مَن يمتلك الآليات الأساسية في مدح فيلم رديء وتوبيخ آخر جيد، وهذا يرجع إلى أن عمله يتكون من جزأين: من الشكل والمحتوى، المحتوى هو أفكاره، أفكار تكون في بعض الأحيان أعمق من أن يفهمها مشاهد عادي أو دخيل على حرفة النقد، والشكل، أي ما يميز صفته كناقد محترف عن غير المحترف.
لقد أصبح الفيسبوك منبراً لمدّعي المعرفة في انتقاد الأفلام بشكل غير رسمي، وسيُخبرك أن "وظيفته" تكمن في إطعام الناس تجربته وخبرته في تحليل الأفلام، مانحاً إياهم صوتاً عاماً للطريقة التي تعمل بها "كهوس خاص به"، فمعرفته السينمائية دائماً ما تكون واسعة وعميقه عن الآخرين، غير مدرك أن التقدير الحقيقي لأي فن يبدأ أولاً في الاستمتاع به وليس في الاستجابة الحسية له، أو قراءة لما يمثله وجود أو مظهر نجم معين، أو الطريقة التي تُبنى فيها اللقطة أو تقطع… فغالباً ما يشعر أنه في حضور أشخاص مخلصين يقدرون ذاكرته الثقافية، عكس الناقد الحقيقي الذي يمنح الناس ثراءً وازناً من المعلومات، ويجعل ثقافتهم الفنية الضئيلة ترتقي من الإيمان أن السينما هي شكل شعبي من أشكال الفن، إلى شكل من أشكال الحياة.
إن تراجع محللي الأفلام الجديين إلى خلايا التأمل والمراقبة البعيدة، قد منح الترخيص للمزيفين في استعمال الويب بإفراط، كمنارة جديدة ديمقراطية التعبير، فمادام أنهم يرفضون التمسك بعقلية النقاش الديناميكي فلا يهم عندهم إن كنت تدافع عن "دي سي" أو "مارفل" مثلاً، ما دام أنهم لا يشاركونك حماسك فإن رأيك لا طائل منه.
إن مدعي النقد يُصنف بكل بساطة في خانة المتعالم. هذا النوع يدّعِي معرفة كل شيء ويشكك في كل شيء، يجادل في بديهيات السينما وينكر واضحاتها، ويبيح الاختلاف لنفسه ويمنعه لغيره، يفسرُ الكلام المنسوب إلى النقاد الحقيقيين وكتاب السينما الموهوبين على أنه جهالة عمياء، يتكلم في مسائل سينمائية كبيرة تحتاج إلى وقت طويل لدراستها واستيعابها، ثقته في نفسه عالية، يتسم بالتعالي والغرور، يحب السيطرة في الحوار، يتمسك بآرائه رغم بعدها عن المنطق والصواب، يغضب بسرعة، حاد في إجاباته، يعترض كثيراً ولا يتوقف عن الثرثرة. يقاطع المتحدثين، ويعلق على أحاديثهم، ويستخدم أدلة ومبررات وهمية فقط لكي يرفع راية النصر في النقاش.
يحاول الانتقاص من مستوى ثقافة الآخرين، ويعتبرهم أقل فهماً وإدراكاً للشاشة الكبيرة ويستهزئ بآرائهم، يستخدم مصطلحات ومفاهيم يصعب على الآخرين فهمها، ودائماً ما يكثر في مزج العربية الفصحى بلغة أجنبية غاية في منح نفسه لمعاناً ثقافياً وسط الآخرين.
ومن الجدير بالذكر أن ما يُميز الناقد المزيف هو تحكمه بالحديث، وخوضه في جدالات عقيمة، متغطرس، وعلى الدوام يجد العيوب والأخطاء والثغرات في أقوال الآخرين ووجهات نظرهم، ويوجه إليهم النقد، ما يجعل البعض ينفر منه، والبعض الآخر يستسلم له تجنباً لسياسته المؤذية. ودائماً ما يكثر نشر آرائه وتحليلاته السينمائية على مواقع التواصل الاجتماعي بمعدل يفوق ما ينشره ناقد سينمائي أكاديمي، ودائماً ما تكون هذه المنشورات مثيرة للجدل ذات أبعاد أيديولوجية أو بلغة أكثر جنسية، مدافعاً عنها، ومضحضحاً أي شخص حاول اعتراضها ومناقتشها.
إن الحصول على حرية الكتابة حول ما تريد وكيفما تريد يتطلب انضباطاً وحذراً هائلين. فمقابل كل مقال أو منشور تكتبه على الإنترنت سيتردد صداه أمام العديد من العقول المتعطشة للغوص وتعبئة رصيدها المعرفي. فكما قال "ثانوس" في فيلم المنتقمون الحرب الأزلية " لست الوحيد الملعون بالمعرفة"، فالمعرفة السينمائية بحرٌ لا حدَّ له، فقط الناقد الحقيقي والكاتب السينمائي المتمرس يعرفان مدى العبء الذي يحملانه في تحليل الإنتاجات تحليلاً احترافياً يتسم بالإجادة والجمال والإتقان تحت عنوان أحمر بالخط العريض: التذكير بالثقافة السليمة للفن السابع.
لا أنكر أن هناك حرية التعبير الشخصي. يمكن للناس أن يكتبوا أي شيء عن أي إنتاج سينمائي أو تلفزي. لكن لا أحد، ولا الآخر له علاقة بالمصير المهني للفيلم، لأن هناك مختارين للمهرجانات، هناك نقاد متميزون، وكتاب مبدعون يجلسون في لجان ومجالس مختلفة، يحددون إلى حدٍّ كبير حالة الحياة الرمزية للأفلام.
تذكر عزيزي القارئ أن تتجنب النقاش مع مدعي الثقافة في أي مجال من مجالات العلوم أو الفنون. فلعبته السحرية الأولى هي ارتداء طلة المعرفة بخفة، وإن كانت نيته إغاظتك أو محاولة توجيه مقطورة ميولاتك السينمائية لسكته، فطبل له "ما طال بلح الشام ولا عنب اليمن".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.