في يوم الخميس الـ21 من مايو/أيار أعلن صلاح خاشقجي، نجل الصحفي السعودي المغدور وكاتب الأعمدة بصحيفة Washington Post جمال خاشقجي، في تغريدةٍ أنه عفا عن قتلة والده. واستحضر صلاح روح شهر الرحمة رمضان للإعلان عن العفو. ولا تختلف عائلة خاشقجي عن أيّ عائلة سعودية أخرى تُواجه ضغطاً وترهيباً هائلاً من الحكومة السعودية.
إذ نشهد عدداً غير مسبوق من حالات احتجاز العائلات بوصفهم رهائن لتخويف النشطاء والكُتّاب خارج البلاد. وجاء آخر مثال على ذلك في حالة الوزير السعودي السابق سعد الجبري، الذي رأس جهود مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية طيلة عقود. إذ قال نجله خالد الأسبوع الماضي إن الحكومة السعودية احتجزت شقيقه الأكبر عمر (21 عاماً) وشقيقته سارة (20 عاماً) الشهر الماضي ولم يسمع عنهما منذ ذلك الحين. (ولم تُؤكد الحكومة السعودية اعتقالهما بحسب تقرير New York Times). كما جرى احتجاز عمّه بمعزلٍ عن العالم الخارجي دون أي سبب باستثناء كونه شقيق سعد الجبري.
كما تعرّضت عائلتي للترهيب كذلك، إذ فُرِض حظر السفر على 17 من أفراد عائلتي. كما اعتُقِلَ عمّي لأكثر من عامين في جهدٍ واضح للضغط على والدي السجين وإجباري على العودة إلى المملكة. فضلاً عن احتجاز العديد من أفراد عائلة وأصدقاء الناشط السعودي عمر بن عبدالعزيز من أجل ابتزازه بغرض إسكاته، على حد تعبير عبدالعزيز. ولا شك أن صلاح خاشقجي قدّم تصريحه بـ"العفو" في سياق الخوف والترهيب.
وفي أعقاب تغريدة خاشقجي، ظهرت العديد من الحسابات المُؤيّدة للمملكة في السعودية لتغمر تويتر بالاقتباسات الدينية والتقاليد حول فضائل الرحمة والغفران في الإسلام والشريعة، خاصةً خلال العشر الأواخر من رمضان. ومنذ البداية، لم يشمل "العفو" الذي ضغطت من أجله الأجندة الموالية للحكومة أياً من الناشطات النسويات البارزات مثل لُجين الهذلول التي قالت منظمة العفو الدولية إنها تعرّضت للتعذيب والصعق بالكهرباء في السجن، أو الاقتصاديين مثل عصام الزامل الذي تعرّض لسوء المعاملة، أو الإصلاحيين السياسيين مثل عبدالله الحامد الذي مات داخل السجن الشهر الماضي نتيجة الإهمال الطبي.
تمتثل حكومة السعودية للشريعة الإسلامية. وقبل خمس سنوات قرّرت المحكمة العليا السعودية، أعلى السلطات القضائية في المملكة، أنّ جريمة القتل التي تنطوي على استدراج الضحية إلى مكان لقتله تُعَدُّ جريمةً لا مجال للعفو فيها، حتى إن ارتكبها أحد أفراد الأسرة. وفي عام 2014، أعلن وزير العدل السعودي الأسبق محمد العيسى أن هذا النوع من جرائم القتل لا يُمكن العفو عنه بموجب القانون السعودي. وبعد عامٍ واحد، أكدت وزارة العدل هذا القرار.
وأثبت النائب العام السعودي أنه النائب العام الأنسب للسعودية. إذ كان قتل جمال خاشقجي يُمثّل قضية غيلة تقليدية (أي قتل عمد ينطوي على استدراج الضحية إلى مكان لقتله)، لذا فهي غير مُؤهّلة للحصول على عفو من عائلة الضحية أو الملك. ومن أجل اجتياز هذه العقبات، صنّف النائب العام السعودي قضية خاشقجي على أنها جريمة قتل يُمكن عقابها بـ"القصاص" في ديسمبر/كانون الأول. وفي هذه الحالة، يُمكن لأحد أفراد العائلة أن يعفو عن القتلة ويحصل على الفدية. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي بدأ الجناة، الذين خطّطوا ودبّروا قتل خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، في السعي إلى إغلاق ملف القضية بالعفو عن مُرتكبي الجريمة.
ويُعَدُّ رمضان شهر الرحمة عند المسلمين. لكن الحكومة السعودية رفضت أن ترحم المُفكّرين، والاقتصاديين، والباحثين، والصحفيين الذين يُعانون وتتدهور صحتهم داخل السجن بسبب نشاطهم السلمي ودعوات الإصلاح. ومع الأسف، تتذكّر الحكومة السعودية فضيلة العفو فقط حين يتعلّق الأمر بمن نفّذوا واحدةً من أبشع الاغتيالات في تاريخ المنطقة.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Washington Post الأمريكية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.