حكاية العيد في الغربة

عدد القراءات
2,679
عربي بوست
تم النشر: 2020/05/26 الساعة 09:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/26 الساعة 09:58 بتوقيت غرينتش

على وقع جائحة كورونا يستقبل العالم وشعوب الدول العربية والإسلامية عيد الفطر هذا العام بمشاعر الحزن والألم، وفي ظل ظرف تاريخي لم يشهد له العالم مثيلاً من قبل في السنين الماضية وسط أجواء تبوح بصعوبة الحال وتردي الأوضاع الإنسانية والاقتصادية  غير المسبوقة،  فمظاهر الفرحة لم تعد تزيّن أجواءه كما العادة في كل عام، فثمة مخاوف من المستقبل، ومما يحمله قادم الأيام من مفاجآت.

تمثل الأعياد مناسبات جليلة عند عامة المسلمين، وتلتف حول جموعهم سعادة غامرة وفرح بقدومها، إضافة إلى أنها فرصة عظيمة لتوديع الهموم والأحزان، والترويح عن النفس المجهدة من مكابدة مشاقّ الحياة، وتساعد على تقوية التراحم والتواصل الاجتماعي والمادّي والمعنوي، ما يزيد من تماسك المجتمع ويقوّي بنيانه بقوة تماسك أفراده.

إلاّ أن حال اللاجئين مغاير في بلاد الغربة فكثير من العائلات يخيّم عليها مشاعر الحزن في أيام العيد، وتحتشد الحسرات والمواجع ويؤرق مضاجعها كابوس الألم، ومنهم من يعتبره ضيفاً ثقيلاً عليه في الغربة، ويُشكل غصة في قلوبهم، وحزناً يبدو واضحاً في عيونهم، من جراء ما تعيشه بلادهم من أحداث دامية، تبدّد مظاهر الفرحة في هذه المناسبة، التي باتت بالنسبة إليهم أياماً حزينة وعصيبة تمر عليهم ببطء، بعيدين عن الأهل والأقارب والوطن، فيتوزعون هم وأحزانهم في مختلف قارّات العالم. ومما خلّفته الصراعات آثاراً مدمرة عليهم وأدّت إلى تغيير حياتهم، وزادت في معاناتهم وبؤسهم، وحملت في صدورهم وذاكرتهم قصصاً وحكايات وعذابات وآلاماً في كل محطة من محطات نزوحهم ولجوئهم لتصبح صور المعاناة جزءاً من عيشهم كالطعام والشراب والهواء.

كثير على أيّ منّا -نحن اللاجئين- أن نحمل على كاهلنا هموم أمسنا ويومنا وغدنا، فكأنه لم يكفِنا ما نحن عليه من واقع وحاضر مؤلم نتجرّع مرارته كلما جاءت مناسبة كالعيد أو غيره من مناسبات، لنجد أنفسنا في حال المرتحل الذي تجتمع عليه صنوف الألم والعذاب الممزوج بالحنين إلى أيام وبيوت وأمكنة، كانت تجمع الأهل والأقارب والأصحاب والجيران وسلسلة ذكريات تضيف جرحاً فوق جراحنا، ولسان الحال يقول:

عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ   بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ

أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ    فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ

هذا هو حال اللاجئين عند حلول كل عيد أو مناسبة، فكل عائلة تتذكر فقيدها وغائبها أباً كان أو أخاً أو ابناً، هذا ما يشعر به اللاجئون في الغربة، عندما تعود بهم الذاكرة إلى الأحداث التي مرّت عليهم وما زالت جاثمة على صدورهم ومخيلتهم، أحداث يفوق وقعها آلاف الكلمات كم قيدتهم ومنعتهم من بهجة العيد وفرحتهم المسلوبة.

آلاف العائلات هاجرت وتشتّتت وفقدت إحساسها بالاستقرار والأمان، وأصبح كثير منها يعيش على هامش الحياة في مجتمعات جديدة وغريبة زادت غربتهم وهموهم، فلم تكد تسلم أسرة منهم من تشرّد وشتات أفرادها على دول العالم، وكذلك نزوح الآلاف من العائلات داخل المدن وخارجها.

لقد سلك اللاجئون سبلاً شتى بحثاً عن الأمن والسلامة والكرامة، فمنهم من حالفه الحظ في السفر والرحيل والتشرد في تغريبة جديدة، وآخرون كانت البحار مقابر لهم وآخرون لهم قصص وحكايات أدّت إلى تغيير حياتهم وتجسدت فيها تعقيداتٌ كثيرة، وأحدثت حالة من الشرخ العميق على مختلف المستويات، وأفرزت آثارها الكارثية على أهم مؤسسة اجتماعية -الأسرة- ولا سيما أن ضحايا كثيرين كانوا أرباب أسر، وكان لهم الدور الأساس في بقاء أسرهم وتماسكها، سواء كان المسؤول عنها أباً أو أخاً أو من ينوب عنهما، أو كليهما في الغالب.

حكاية العيد في الغربة ليست كأي حكاية، إنها مغموسة بالعذابات والآلام، وستظل الفرحة منقوصة، ولن تكتمل ما دام الواقع باقياً على حاله، لهذا كم يستوجب الوقوف أمام ما يتعرض له الإنسان اللاجئ من استهدافٍ لقيمته، لا يمكن الصمت عن أحواله، وخصوصاً أن المآسي اليومية التي يتعرّض لها لم تعد مشاهدها خافية على أحد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
ظاهر صالح
كاتب وصحفي فلسطيني
كاتب وصحفي فلسطيني
تحميل المزيد