أستكمل معكم الجزء الثاني من مراجعة كتاب "الحرب من أجل فلسطين.. إعادة كتابة تاريخ 1948" بعد نشر الجزء الأول
في مايو/أيار 1948 عَيَّن العرب عبدالله بن الحسين قائداً عاماً للجيوش العربية، فعلَّق لماذا لم يحظ المصريون بهذا الشرف، أَلِأنَّهم يريدون تحميلنا وزر الفشل؟ لم يؤدِّ ذلك إلى خلق أيِّ تنسيق بين القوات العربية التي ظلَّ كل منها يعمل وحده، لدرجة أن الملك عبدالله بن الحسين زار مصر، في يونيو/حزيران، وطلب بحكم كونه قائداً عاماً للجيوش العربية أن يتفقَّد القوات المصرية على جبهة فلسطين فرُفض طلبه، وبلغت الحساسية بين الجانبين الأردني والمصري قدراً مضحكاً، لدرجة أنَّ الملك فاروق اشتكى إلى وسطاء من الأمم المتحدة أنَّ العلم الأردني المرفوع في موقع ضمن ساحة تحركات الجيش المصري في فلسطين أكبر من العلم المصري، ورغم ما تُثيره هذه المسأله من سخرية فإنَّها تدل على انعدام الشعور بالمسؤولية.
ويتَّضح هذا القدر من سوء تقدير الموقف عندما أكد النقراشي، رئيس وزراء مصر، لضباط جيشه الذين التقاهم في 10 مايو/أيار، أنَّ قتالهم في فلسطين ضد العصابات الصهيونية سوف يكون أشبه بمظاهرة سياسية وليس عملاً عسكرياً.
يُبين الاحتشاد العربي أنَّ معلومات المخابرات العربية عن قوات إسرائيل كانت تقترب من الصفر. فقد بَنى العرب خطتهم علة مرويّات عبدالرحمن عزام، أمين الجامعة العربية، والمفتي الحاج أمين الحسيني، التي تؤكد أنّ كل ما يحتاجه العرب 3 الآف مقاتل لدحر اليهود، علماً أنّ الرجلين كليهما كانا بعيدين عن موقع الأحداث، وكان الواقع يقول إن الجيش اليهودي يزيد عن ضعفَيْ الجيش العربي في بداية الأحداث، وسيصل إلى أربعة أضعافه في نهاية الحرب.
في بداية الحرب قام فيلق من الجيش الأردني بالإغارة على غوش عتصيون، والاستيلاء عليها، وهذه هي أربع مستعمرات تقع على طريق القدس الخليل، كما تمكَّن من دحر الهجوم الإسرائيلي على اللطرون. واللطرون هي هضبة استراتيجية تقع على طريق القدس- تل أبيب، وهنا تجدر الإشارة إلى أن اللطرون ومستعمرات غوش عتصيون كلها تقع ضمن القسم العربي، حسب قرار التقسيم، وتأكيداً لالتزام الملك عبدالله وجيشه بالتفاهم مع الجانب الإسرائيلي، والذي يقتضي أن يلتزم الطرفان بحدود التقسيم المخصصة للعرب واليهود، ترك الجيش الأردني مواقعه في النقب لليهود بغير قِتَال.
في منطقة القدس كان الوضع مختلفاً، فقد قضى قرار التقسيم بأن تُدار منطقة القدس دولياً، لكن عندما بدأ اليهود عملية عسكرية لاحتلالها، مخالفين اتفاقهم الشفهي مع عبدالله، وكادوا يسيطرون عليها كلها بما فيها البلدة القديمة، أصدر الملك عبدالله الحسين أمره لجيشه للتدخل، وتمكّن جيشه ببسالة من استنقاذ البلدة القديمة من اليهود ودحرهم عنها.
وبنهاية الجولة الأولى من الحرب، في 10 يونيو/حزيران، كان واضحاً أن ما تم التفاهم عليه بين عبدالله الحسين واليهود قد تحقَّق فقد حارب الفيلق العربي لتأمين بقاء الجزء العربي من فلسطين، والاستثناء الوحيد عن تفاهمات عبدالله الحسين -غولدا مائير- هو معركة القدس، وخلافاً لقرار التقسيم الذي جعل القدس دولية فقد اقتسمها الأردن والصهاينة.
في الجولة الثانية من القتال سحب جلوب قواته من اللد والرملة بحجة عدم القدرة على حمايتهما، رغم أن تبعيتهما بموجب التقسيم كانت للعرب، وقد فوجئ اليهود بهذا الانسحاب فاستولوا عليهما بغير سلاح، وأجبروا أهلها على الرحيل، وكانت هذه أكبر موجات اللجوء الفلسطيني.
أدى انسحاب الجيش الأردني من اللد والرملة إلى انكشاف الجيش المصري، فاستفردت به القوات الصهيونية. وهكذا، لم يعد المجهود العسكري لجيش الدولة الصهيونية مشتتاً بين أربع جبهات ومع أربعة جيوش عربية، بل أصبحت الحرب بين الجيش الصهيوني والجيش المصري منفرداً، وهكذا وصلنا إلى حصار الفالوجة، واستمر الضغط على القوات المصرية حتى أُجبرت على العودة للحدود الدولية لمصر. عجزت الجامعة العربية عن تقديم العون لمصر، فناشدت كلاً من لندن وواشنطن لمنحها العون. تدخّلت الدولتان لفرض وقف إطلاق النار، ومن ثم ذهب الطرفان إلى رودس للتفاوض على الهدنة الدائمة.
لاحظ المؤرِّخون الإسرائيليون الجدد أن الفيلق العربي (الأردني) لم يتحرك لفكّ حصار المصريين في الفالوجة، رغم القرب الجغرافي، بل تحرك لبسط سيطرته على بيت لحم والخليل، اللتين كانتا في منطقة عمل قوات مصر، وأيضاً كانتا من الأراضي العربية، حسب قرار التقسيم.
القوات العراقية تمركزت في مثلث طولكرم- نابلس- جنين. تمكّنت من صدِّ هجوم اليهود على جنين، ولكنها لم تتحرك لتنفيذ باقي مهامها، "ماكو أوامر….." المهمة المسندة للقوات العراقية كانت تقتضي التقدم إلى حيفا لعزل القوات الصهيونية في الجليل عن باقي قواتها في الساحل، ولكنها لم تفعل، والسبب أنَّ حيفا حسب قرارات التقسيم تقع في المنطقة اليهودية.
تستغرب الوثائق الإسرائيلية عدم تقدم القوات العراقية على خط طولكرم ناتانيا، إذ إنَّ ذلك كان سيُقسِّم الأراضي المخصصة للدولة اليهودية إلى جزئين منفصلين، وهذه كانت الخاصرة الضعيفة في الأراضي التي تركها قرار التقسيم للدولة اليهودية، ولكن الجيش العراقي التزم مكانه. هذا يوضح أنَّ المحور الهاشمي (العراق- الأردن) ظلَّ ملتزماً بتفاهمات عبدالله بن الحسين مع اليهود، والتي التزم فيها بألا تهاجم قواته اليهود خارج المنطقة العربية.
وبانتهاء الحرب في مطلع 1949، فاوض عبدالله الحسين اليهود على أن يأخذ المنطقة التي ستنسحب منها القوات العراقية، مقابل أن يتنازل لها عن 400كم مربع من حصة العرب في التقسيم، والتي تقع على الحدود بين شرق الأردن وفلسطين، وهكذا تواجد اليهود على الضفة الغربية لنهر الأردن.
نخلص إلى أن الجيوش العربية دخلت إلى فلسطين وهي غير مهيأة للحرب، وكان يعوزها التدريب والعتاد، بينما كانت قوات الدولة اليهودية أفضل عتاداً وتدريباً، وقادتها اكتسبوا خبرة مميزة من حربهم في صفوف الحلفاء خلال الحرب العالمية، وأهم ما كان ينقص العرب هو المعلومات عن الجيش الصهيوني، الذي يفوقهم عُدةً وعتاداً وخبرة واستعداداً. وكان الجيش الصهيوني يستفيد من فترات الهدنة الثلاث في تجديد أسلحته وزيادة أعداد مقاتليه، لم يكن للجيش العربي هدف استراتيجي محدد، لدرجة أن القوات المصرية اشتبكت مع مجموعة من المستوطنات الإسرائيلية في النقب، ولكن حين استعصت عليها واصلت التقدم وتركتها خناجر خلف ظهورها.
نهاية القصة الحزينة…
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.