في هذه الأجواء من المفترض أن يكون هذا المقال مبهجاً ولطيفاً، ولكني لم أعتَد علی خداعك يا قارئي الصبور، ولأنني رجل ثرثار وممل ولا أفوت أي فرصة للكتابة دون انتهازها، قررت أن أنقل لك بعض الأجواء التي تسيطر علی الوقت الحالي.
في رمضان تشاجر الناس حول الأذواق الفنية -الشخصية- وسبوا بعضهم البعض، وتم قذف الذوق العام أيضاً، حاله مثل حال الوعي الجمعي الذي نُجمع علی أنه في الحضيض سلفاً، ارتفعت حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد، وتضاعفت الأرقام بسرعة، ولكن الناس لم تتقبل الأمر ولم تتقبل الإهانة والاتهام بالتساهل وعدم إدراك قوة الخطر الحقيقي المحدق بنا جميعاً، ونزلوا للأسواق في جماعات غير معقمة لشراء ملابس العيد ومستلزمات العزومات، بل إن البعض دبر طرقاً للذهاب للمصايف هرباً من جحيم الطقس الحالي.
والخلافات مستمرة بين أفضلية الكعك علی البسكويت، وبين أفضلية مسلسل على الآخر، والجميع أجمع على أن "رامز جلال" شخص سادي ومتحرش ومتنمر، ولكنهم جميعاً يشاهدون حلقات البرنامج، وكلهم قرروا أنه يجب مقاطعة برامجه التي تستمر في عامها التاسع الآن، ولكن بالطبع لن يحدث هذا؛ لأننا في دولة ديمقراطية لا تمارس المنع أو الحجب.
وعلی صعيد آخر لم تؤثر أجواء فيروس كورونا ولم تمنع الحكومة بإلقاء القبض علی بعض الناس ممن تم وصفهم بأنهم مفسدون للذوق العام أو مروجون للدعارة، أو حتی صحفيون يتحدثون عن السياسة، ولم يكتفوا بالحديث عن أن أعداد الموتی بين الطاقم الطبي تتزايد، وأن هناك فقراً في الإمكانيات وسوءاً في إدارة جزء من الوضع الحالي.
دعك من كل هذا، العيد لن يأتي أصلاً؛ لأن حظر التجول منعه من القدوم، ولكنه حدد عدد ساعات معينة للتنقل فيها للضرورة سنستغلها نحن في التحايل علی الفيروس ولمّ شمل العائلة وحفظ العادات والتقاليد وممارسة تجمعات بأعداد كبيرة جداً، ولكننا لن نتلامس ولن نقضي سوی بضع ساعات حتی لا يلتفت لنا الفيروس.
العيد بهجة الصغار والكبار، ويبدو أن هذا ما دفع الجميع إلی غزو الشوارع وجلب الأشياء التي اعتدنا جلبها، رغم خطر الفقر الذي نقترب من خطه بسرعة مروعة، لأن أغلب من فقدوا أعمالهم استدانوا للحفاظ علی رغبتهم في الاستهلاك بشكل فج وممارسة هواياتهم في عدم التقنين، والبعض منا -وأنا ضمن ملايين أكل عيشهم علی كف عفريت مثلما نقول- معرضون لفقد مصادر الدخل، ويبدو أن فيروس كورونا يأتي ليضعنا في اختبار صعب، إما الموت مصابين أو الموت من الهلع، مثل ما يحدث معي؛ لأنني لا أنام من فترة طويلة بسبب التفكير والخوف من الإصابة التي لا يوجد فيها عوامل كافية للتحصن منها، والبعض قد يموت من الفقر، والجزء الأكبر -للأسف- سيموت من الملل والاكتئاب من الجلوس في البيت، أو من العنف الأسري الممارس ضده دون أي منهجية.
علی كُل، عزرائيل يحصد الأرواح، والناس تهلل أهلاً بالعيد، والأطفال في الشوارع حتی بعد منتصف الليل يلعبون ويركضون، وأنا أصبحت مدخناً شرهاً، وعاد لي الأرق بسبب الخوف من أي شيء، كل عام وأنتم بخير، حاولوا أن تكونوا آمنين، رغم أنني أعرف أن الرعب يجتاح العالم بأكمله دون أي وسيلة للحماية منه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.