انتصار مبشر ودعم إماراتي قادم.. بماذا تخبرنا آخر التطورات في ليبيا؟

عدد القراءات
11,180
عربي بوست
تم النشر: 2020/05/23 الساعة 15:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/23 الساعة 15:29 بتوقيت غرينتش
أعلنت قوات الحكومة الليبية، بسط سيطرتها الكاملة على قاعدة الوطية الجوية الاستراتيجية، جنوب غرب العاصمة طرابلس. ( Hazem Turkia - وكالة الأناضول )

إنهم يعترفون في السرّ بالهزيمة، يقولون: "لقد حدث ما أردتم، وأصبح رئيس حكومة الوفاق الليبية، السراج، رجلاً يُوثق به مقارنة بحفتر، إلا أنهم يمتنعون عن قول ذلك على العلن لأنه سيعتبر اعترافاً أمام تركيا". هذا ما قاله لي أحد المسؤولين رفيعي المستوى في أنقرة، ممن يعملون على ملف ليبيا وملفات أخرى تخص تركيا ليل نهار. إنه يشير بهذه الكلمات إلى المسؤولين الغربيين الذين حتى لا يعلنون موقفهم بشكل كامل وواضح حيال القضية الليبية.

"القضية الليبية" مسألة تركية داخلية

إن حديث الرئيس أردوغان بشكل متكرر عن الملف الليبي حتى ما بعد بدء أزمة كورونا، يعتبر إشارة واضحة على أن أنقرة تولي هذا الملف اهتماماً فائقاً. تمكنت الإثنين الماضي قوات الوفاق التي تتلقى دعماً مفتوحاً من أنقرة، والمعترف بها بشكل رسمي من قبل الأمم المتحدة، من السيطرة على قاعدة الوطية العسكرية ذات الأهمية الاستراتيجية. وهذا خبر سيئ للغاية في الواقع بالنسبة لميليشيات حفتر الانقلابية، حيث تعتبر هذه القاعدة التي يسيطر عليها منذ 2014 المركز الرئيسي للغارات الجوية التي كان يشنها على معاقل حكومة الوفاق. أما الآن فقد فقدوا هذه القاعدة المهمة.

أما مسؤولو حكومة الوفاق فلقد أعلنوا أنهم مستمرون بالتقدم حتى تحرير جميع المدن الليبية. وإلى جانب ذلك فإن ما وصل إلينا من المسؤولين في أنقرة يشير إلى أنهم يفضلون استخدام لغة حذرة بدلاً من الانشغال بفرحة النصر. بعض ما يقوله المسؤولون الأتراك يأتي على شاكلة: "يد السراج باتت أقوى من ذي قبل، وتصريحات الناتو المهمة تشير لذلك. من ناحية أخرى، الأمور في ليبيا تسير على أرضية زلقة وغير ثابتة، العشائر مثلاً تختلف وتتناحر فيما بينها من وقت لآخر، أو تغير الصف الذي كانت تقف فيه بالأمس".

لا تراجع ولا استسلام

هاتف الرئيس أردوغان قبل أيام رئيس حكومة الوفاق الليبية، فائز السراج. وإن السراج يدرك أن التقدم الأخير تحقق بفضل الدعم الذي قدمته أنقرة، وذلك قبل عام من الآن حينما كان حفتر يتقدم نحو طرابلس، حينها طرق السراج بابا تركيا قائلاً: "لا يوجد أمامنا باب آخر". السلاح الجوي الذي أثبت مهارته وتفوقه في إدلب، يقوم الآن بالمهمة نفسها في ليبيا. الأخبار مؤخراً تتحدث عن تدمير منظومات دفاع جوية من طراز "بانتسير" الروسية تحت ضربات الطائرات التركية المسيرة.

لكن على الرغم من ذلك فإن الدول الداعمة لحفتر كروسيا والإمارات ومصر لم تتراجع عن دعمها له. المسؤول الذي تحدثت إليه في أنقرة، أشار إلى أن موسكو وأبو ظبي على وجه الخصوص تقومان بإرسال شحنات عسكرية بشكل كبير لقوات حفتر، وأن بعض الشحنات تم فيها استخدام إمكانيات نظام الأسد في سوريا.

كما أن الإمارات هي من تتولى تمويل هذه الشحنات والدعم العسكري. بالطبع فشلت الإمارات مسبقاً في مشروع تجنيد شباب سودانيين للحرب في ليبيا. حيث قامت الإمارات بخداع مواطنين سودانيين وأنها سترسلهم إلى ليبيا من أجل العمل، لكن عندما وجدوا أنهم جاؤوا من أجل الحرب رفضوا وفضحوا الإمارات. إلا أنها أي الإمارات تريد تكرار ذلك، ولكن من خلال نظام الأسد ومرتزقته.

لقد أصيبت الإمارات بغشاوة على أعينها في سبيل معاداة تركيا والعمل ضدها، لدرجة أنها تريد فعل أي شيء والاستنجاد بأي شيء من أجل مناوأة تركيا فقط. لقد وصل الأمر بالإمارات إلى أنها عرضت على نظام الأسد المال من أجل تعطيل اتفاقية وقف إطلاق النار التي تمت بين تركيا وروسيا مطلع مارس/آذار الماضي. المسؤول التركي الذي تحدثت إليه والذي تحدث عن دور الإمارات وما تفعله في هذا الصدد، قيّم الدور الروسي في ليبيا على أن له منحى خاصّاً ومختلفاً. حيث يرى أن بوتين الذي أصر على الاحتفاظ بسوريا من أجل معادلة البحر المتوسط، يسعى الآن لتقوية نفوذه في ليبيا من أجل الغرض ذاته، مستفيداً من تشتت الغرب حيال الملف الليبي.

ويتابع بالقول "بوتين يملأ الفجوات التي خلفها الغرب، وحالة الفوضى وعدم التركيز قد أعطت لبوتين فرصة كبيرة بهذا الصدد. لقد تمكنت موسكو من تأسيس خط جوي يمتد من قاعدتها حميميم بسوريا حتى ليبيا".

بعد هذه التقييمات حيال الدور الروسي والإماراتي وغير ذلك، يتحدث المسؤول التركي عن حفتر بشيء من الحيرة: "نعلم أن حفتر هو اسم صنعته وكالة الاستخبارات الأمريكية وجلبته إلى ليبيا. يعني هو في النهاية تربى على يد الولايات المتحدة، أما الآن فإن روسيا هي من تستخدمه!، ألا يكفي هذا كمثال على حالة الفوضى التي تضرب الولايات المتحدة؟".

نعم إن الولايات المتحدة، ليست في ليبيا فحسب، بل في العديد من الملفات باتت تكشف عن حالة فوضى تعيشها وخلل ذهني إن صح التعبير، لطالما عمل ولا يزال يعمل بوتين الذي يعتبر من أصول استخباراتية على استغلاله وتحويله لصالحه. إن من الحقيقة بمكان هو أن حفتر بما يملكه من دعم عسكري روسي، ودعم مالي مفتوح من الإمارات، وما يتخذه من إيديولوجية وعقلية السيسي الانقلابي في مصر؛ لم يستطع ولم ينجح من السيطرة على طرابلس التي قال إنه سيأخذها، بل على العكس بات الآن يفقد ما بيده. وإن مسألة استعادة حفتر لما فقده أو للقوة التي كان عليها تبدو شيئاً مستحيلاً.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد آجات
كاتب وصحفي تركي
كاتب وصحفي تركي
تحميل المزيد