أثارت عملية الاستحواذ المنتظرة على نادي نيوكاسل يونايتد، بواسطة جمعية يُسيطر عليها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الكثير من التساؤلات حول العالم. إذ أدانت جماعات حقوق الإنسان هذه المحاولة السخيفة من المملكة لتلميع صورتها رياضياً والتغطية على انتهاكاتها لحقوق الإنسان. ولكن لم يحدث بعد ما يُشير إلى احتمالية إلغاء عملية الاستحواذ التي تُقدّر بـ365 مليون دولار.
على مرّ السنوات القليلة الماضية، أنفق ولي العهد والحاكم الفعلي للمملكة ثروةً من أجل تقديم نفسه إلى العالم بوصفه من دعاة الإصلاح والحداثة. وفي عام 2017، طلب دعماً دولياً من أجل تحويل المملكة إلى مجتمعٍ مفتوح يُمكِّن مُواطنيه ويجذب الاستثمارات الأجنبية. كما أدخل بعض الإصلاحات الليبرالية في ظاهرها، مثل رفع الحظر على قيادة النساء للسيارات وتقييد سلطات الشرطة الدينية. وأنفق أيضاً مئات الملايين من الدولارات على صناعة آلة علاقات عامة دولية تُروّج أجندته للعالم.
لكن عمليات الاعتقال والتعذيب والقتل كانت تجري على خلفية تلك الإصلاحات. وشملت انتهاكات النظام ما ارتكبه إبان الحرب في اليمن، والتي أسفرت عن توجيه الأمم المتحدة العديد من الاتهامات ذات المصداقية بارتكاب النظام لجرائم حرب.
وصار خطيبي، الصحفي جمال خاشقجي، ضحيةً من ضحايا النظام في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018. إذ جرى ذبحه على يد عملاء الحكومة السعودية داخل قنصلية بلاده في إسطنبول أثناء انتظاري له في الخارج. وحاولت الحكومة عبثاً التستُّر على جريمة القتل. إذ خلصت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والمقررة الخاصة الأممية المعنية بعمليات القتل خارج نطاق القانون إلى أنّ ولي العهد هو من أمر بقتل جمال.
وشوّهت جريمة القتل الشنيعة -وتداعياتها- سُمعة بن سلمان بشدة، وسبّبت حرجاً هائلاً للحكومة السعودية. إذ تجنّب العديد من القادة العالميين لقاء ولي العهد طيلة أشهر، كما رفضت بعض الشركات التعامل مع المملكة. ولكنه يعمل الآن على استرداد سمعته. إذ تعمل شبكةٌ من الشركات، التي تقع مقرات العديد منها داخل لندن، على مدار الساعة من أجل تشتيت الانتباه بعيداً عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها المملكة. حيث استضافت السعودية مباريات ملاكمة، وبطولة غولف، ووقّعت عقداً طويل الأمد مع منظمة WWE للمصارعة -وما يزال العقد سارياً. وتُمثّل تلك الفعاليات مُجرّد مظهرٍ جمالي يهدف إلى إعادة الثقة بحكم بن سلمان، وليس توسيع الحريات الفعلية التي يحصل عليها السعوديون.
وبعيداً عن كونه حاكماً مُستنيراً، أظهر بن سلمان نفسه في صورة القوة المُزعزِعة للاستقرار داخل المنطقة. إذ لجأ إلى تعزيز سلطاته إبان اندلاع أزمة فيروس كورونا، في حين سارعت الدول الأخرى إلى حماية مواطنيها. ففي مارس/آذار ألقى القبض على 298 من موظفي الحكومة، وبينهم ثلاثة أمراء بارزين من العائلة الملكية، تحت ستار مكافحة الفساد. وفي الشهر الماضي اشترى صندوق الثروة السيادية الذي يرأسه أسهماً بقيمة 500 مليون دولار في شركة الترفيه الأمريكية Live Nation. كما سعى منذ اندلاع الأزمة إلى استرداد حصته المفقودة في السوق عبر شنّ حرب أسعار نفط.
وتشجّع بن سلمان خلال السنوات الأخيرة نتيجة إخفاق حكومات العالم في محاسبته. والآن تسعى مجموعته الاستثمارية إلى الاستحواذ على واحدٍ من أكثر أندية الدوري الإنجليزي الممتاز جماهيرية. لكن رابطة الدوري الإنجليزي ستنتهك ميثاقها في حال السماح بعملية الاستحواذ: إذ يحظر الميثاق على أيّ شخص أن يصير مُديراً لأحد أندية الدوري إذا "شارك في تصرّف خارج المملكة المتحدة يُعتبر جريمة.. أو في حال صدر عنه ذلك التصرّف داخل المملكة المتحدة، سواءً أسفر عن إدانته أم لا". وليس لديّ أدنى شكّ في أنّ جماهير نادي نيوكاسل يونايتد لا يرغبون أنّ تجري إدارة ناديهم على يد المُهندس المسؤول عن هذا القمع الوحشي. إذ إنّ نظامه يُعذّب الصحفيين، ويُخفي المُعارضين قسرياً، ويحكم على الإصلاحيين بالإعدام.
كما حذّرت منظمة العفو الدولية من أنّ الدوري الإنجليزي قد يقع فريسةً لأولئك الذين يُريدون استغلال "بريق ومكانة كرة القدم الإنجليزية من أجل التغطية على أفعالٍ غير أخلاقية على الإطلاق". واتّهمت منظمة هيومن رايتس ووتش السعودية باستغلال الرياضة "بوصفها أداة علاقات عامة لتشتيت الانتباه عن سجلها الأسود في مجال حقوق الإنسان". ورغم ذلك، رفضت رابطة الدوري الإنجليزي إبطال محاولة بن سلمان اليائسة لحماية صورته.
ومع الأسف، قال وزير الثقافة البريطاني أوليفر دودن إنّ الحكومة لن تتدخّل على الأرجح. ولكن الوقت قد حان لمحاسبة بن سلمان على يد حكومات الغرب وكافة الكيانات الوطنية المسؤولة. إذ إنّ تقاعسهم خلال السنوات الأخيرة منحه اعتقاداً بأنّه يستطيع فعل ما يحلو له دون أن يخشى التداعيات.
والكرة الآن في ملعب رابطة الدوري الإنجليزي التي تستطيع أن تقولها بوضوحٍ وصراحة: لا مكان للمجرمين والطغاة وسط واحدةٍ من أكثر مسابقات كرة القدم احتراماً في العالم. وفي حال لم تنتهز الرابطة تلك الفرصة، فسوف تتلطّخ سمعتها إلى الأبد. إذ أُؤكّد لكم أنّ الأيدي التي ستستحوذ على نادي نيوكاسل قريباً هي أيد ملطّخة بالدماء.
– هذا الموضوع مُترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.