اطردوا العمالة الوافدة من الخليج

عدد القراءات
925
تم النشر: 2020/05/19 الساعة 11:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/21 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش

1))

في قصره الفخيم الواقع على شاطئ الخليج العربي وتتجاوز مساحته 10 آلاف متر، بدأ يقرأ عناوين صحف اليوم، لفت نظره مقالة لأحد الكُتاب تتحدث عن مخاطر العمالة الوافدة في الخليج من الناحية الاقتصادية، بعدها نادى على صديق "سائقه الخاص" القادم من بنغلاديش، وقال له: "يا صديق هات لي الموبايل الآيفون  pro max 11 أبغي أكتب بوست على فيسبوك".

أمسك الثري الخليجي بالموبايل وبدا يكتب بوست نصه: "أطالب السلطات المسؤولة بطرد العمالة الوافدة، فهي لا تشكل فقط تهديداً للاقتصاد الوطني ونزيفاً لاحتياطي دول الخليج من النقد الأجنبي، بل بات تهديداً مباشراً لأمن البلاد، والتركيبة السكانية".

مرة أخرى ينادي على صديق: "يا واد يا صديق، خد الموبايل ضعه في مكانه، وهات لي الموبايل سامسونغ Galaxy S10 واطلب لي السكرتيرة "لبنانية" في الشركة حتى أعرف مواعيد اليوم، وبعدها اذهب هات الأولاد من النادي"، يحرسه طاقم أمن مكون من 10 أفراد كلهم من كينيا، "بسرعة، لا تتأخر، حتى لا يغضب الأولاد منك"، هكذا يصدر الثري التعليمات، ويواصل: "وبعدها وصّل عبدالله "ابنه الأصغر "الدرس الخصوصي عند الأستاذ شعبان المصري، وبعد ما تيجي تروح تجيب الزوجة من عند الكوافير"، صاحبته مدام سوزي العراقية، "وبعدها تروح تغسل السيارة في محطة الوقود"، يديرها عمال من دول جنوب شرق آسيا، "وأنت عائد عدّي على محل الدراي كلين لإحضار الملابس بعد غسلها وكيها".

(2)

بعد صلاة العشاء جلس في صالون قصره المنيف الواقع وسط مياه الخليج، وفي ركن من الصالة البالغ مساحتها 500 متر، جلس على أريكته المستوردة من أفخم محلات بيع الأثاث في فرنسا، نادي على عثمان "خادمه الفلبيني" ليحضر له ريموت التلفزيون الموجود على بعد 30 سم أمامه، قلب محطات التلفاز الذي يشبه شاشات السينما من حيث المساحة، استوقفه تقرير اقتصادي يتحدث عن تهاوي أسعار النفط والغاز، وكيف أثر هذا التهاوي في ميزانيات الخليج وتسبب في عجز مالي ضخم بها، مرة أخرى ينادي على خادمه: "يا عثمان هات الآيفون الذهبي، أبغي أكتب تغريدة على تويتر، فكتب مغرداً: "لا يمكن السكوت على هذه العمالة التي باتت تستنزف 120 مليار دولار سنوياً من احتياطيات دول الخليج، اطردوا هذه العمالة التي تهدد الاقتصاديات الخليجية". نادى مرة أخرى: "يا عثمان رجع الموبايل مكانه، وقل لـ أداهيا"، مديرة المنزل الهندية، "تجيب لنا فيلم هندي أكشن نشاهده الليلة، وبعدها تطلب من الخدم يحضروا لنا العشاء".

(3)

ذهب إلى مقر البنك الذي يتعامل معه لإنهاء بعض الأعمال المصرفية من فتح حسابات لعدد من الشركات التي أسسها حديثاً، كان مدير الفرع عزيز الباكستاني والفريق المعاون له والذي يضم 4 مصرفيين من سوريا وماليزيا وبنغلاديش والهند في استقباله، وبسرعة وجودة عالية أنهى موظفو البنك كل ما طلبه الثري الخليجي من خدمات مصرفية، ولم يتركه مدير الفرع حتى أوصله إلى باب المصعد الذي يقف عليه عبده السنغالي، بل وأصر على توصيله إلى باب السيارة التي يقودها "بالاديف" الهندي الجنسية.

استقل الثري الخليجي السيارة الفخمة من نوع جاجوار، موديل 2020، بعدها أخرج تليفونه الفخم من جيبه، وبدلاً من أن يوجه رسالة شكر إلى مدير البنك والفريق المعاون له الذي أنجز له كل طلباته في فترة قياسية، أمسك بتليفونه وكتب مغرداً: "اطردوا العمالة الوافدة من منطقة الخليج، فأولادنا ومواطنينا أولى بالعمل في البنوك والمؤسسات المالية، إنه قطاع حساس يتولى إدارة أموالنا وثرواتنا ومدخراتنا، وليس من الصالح العام أن يتعرف عامل وافد على أسرارنا المالية، فربما ينقلها إلى منافسينا، هذا خطر كبير".

(4)

دعته قناة فضائية للحديث حول مدى تأثر القطاع الخاص الخليجي بأزمتي تهاوي أسعار النفط وتفشي فيروس كورونا، قبل الهواء نظر حوله في الأستوديو الواقع بأحد أفخم أبراج دبي، المذيع لبناني الجنسية، ومخرج البرنامج سوداني، والكاميرا مان مغربي، والمعد الذي تواصل معه مصري، وسائق السيارة التي أحضره إلى الأستوديو إثيوبي، والذي أحضرت له القهوة التركي "نشرَوان" الأفغانية، لم يجد واحداً من أبناء وطنه حوله بسبب قلة الخبرة المحلية في هذا المجال.

عندما سأله المذيع عن كيفية تعامل القطاع الخاص مع الأزمتين "كورونا والنفط"، وهل الحل يتمثل في تسريح العمالة وخفض الرواتب كما تفعل بعض دول مجلس التعاون، فاعتدل، وقال: "الحل يتمثل في طرد العمالة الوافدة، فهي سبب أزمة البطالة في منطقة الخليج، وهي من تضغط على احتياطيات الخليج من النقد الأجنبي، وهي من تستنزف الثروات، وهي من تضغط على البنية التحتية الصحية، وهي من تنشر الأمراض والأوبئة في المنطقة، وهي من تعمق الأزمات الاقتصادية، لولا هذه العمالة ما شعرنا بأزمة تهاوي أسعار النفط أو كورونا".

عندها قال المذيع للملياردير الخليجي: "إذن سيتم غلق هذه القناة الفضائية الضخمة؛ لأن كل العاملين بها من العمالة الوافدة، وستتوقف أنشطة اقتصادية في الخليج بالكامل؛ لأن كل العاملين بها من العمالة الوافدة، ولن تجد أحداً يصلح لك سيارتك، أو يشيد لك قصرك المنيف، أو ينهي لك الأعمال المصرفية، هنا بُهت الرجل ولم يعقّب، لكنه وفي طرق عودته إلى منزله فعل أمرين: الأول اتصاله بمدير القناة معنفاً له على قلة ذوق المذيع معه ومطالباً بإنهاء خدماته المذيع على الفور، قائلاً: "يروح بلده"، والأمر الثاني كتابة بوست على صفحته على فيسبوك نصه: "اطردوا العمالة الوافدة لأنها باتت تشكل عبئاً اقتصادياً ومالياً على دول الخليج، لولا هذه العمالة لصنعت دول الخليج المعجزات من تراكم الخبرات والتنوع الاقتصادي، وطفرة في قطاع الصناعة، واكتفاء ذاتي من الخبرات والأمن الغذائي".

(5)

ملياردير من أثرياء الخليج الذين تحتل أخبارهم مانشيتات الصحف والمجلات الاقتصادية المتخصصة، حيث يمتلك حصة رئيسية في أحد البنوك وصاحب شركات بناء وتشييد وأسمدة وحديد وصلب، يخصص شهرين سنوياً من وقته للاستجمام في الخارج، عاد لتوّه من رحلة تنقل فيها ما بين أوروبا والولايات المتحدة واستغرقت طوال شهري يوليو وأغسطس، انتقل خلال الرحلة هو وأسرته وخدمه ما بين فرنسا ولندن وميلانو وروما وبرن بسويسرا، ثم طار بعدها إلى والت ديزني وميامي وكاليفورنيا ولاس فيغاس وشيكاغو ونيو أورلاينز بالولايات المتحدة، وما إن عاد إلى بلده حتى سأل مدير أعماله سفيان "المغربي الجنسية" عن أخبار استثماراته في البورصة، وأخبار المدير الباكستاني الذي يدير له محفظته المالية البالغة قيمتها 500 مليون دولار، ولماذا تكبدت المحفظة وأسهم الشركات التي يحوزها في البورصة كل هذه الخسائر خلال فترة الصيف. أبلغه مديره سفيان بأن هناك عدة أسباب خارجة عن إرادة مدير المحفظة الباكستاني، منها تهاوي أسعار النفط والحرب النفطية الأخيرة بين روسيا والسعودية والتي أدت إلى تهاوي كل أسعار الأسهم في البورصات الخليجية، بل وأضاف سفيان قائلاً: "كل الأسهم والمحافظ المالية فقدت ما بين 30 و50% من قيمتها السوقية، أما أسهمك ففقدت 15% فقط، وهذا أمر يحسب لمدير المحفظة"، وذكره بأن هذا المدير نجح في تحقيق أرباح من المضاربة في الأسهم تقدر بعشرات الملايين من الدولارات، وفي تنمية المحفظة من 100 مليون إلى 500 مليون دولار في غضون 3 سنوات.

طأطأ الثري الخليجي برأسه بينما كان أسطول سياراته يشق الطريق من المطار لقصره الواقع في منتجع فخم خارج العاصمة، وبصوت خافت قال لمدير أعماله "أبشر"، وبعدها اتصل بسكرتيرته الصومالية "لمار" قائلاً لها أصدري قراراً بإنهاء تعاقد الشركة مع المدير الباكستاني وطرده من البلاد، وبعدها غرد قائلاً: "اطردوا العمالة الوافدة، فقد تسببت في تهاوي البورصات الخارجية وانهيار أسعار الأسهم، وإلحاق خسائر فادحة بالمستثمرين الخليجيين، بل وخداعهم والنصب عليهم".

(6)

يمتلك سلسلة شركات عقارية كبرى، عاد لتوّه من رحلة صيد بإحدى الدول الإفريقية استغرقت شهراً كاملا أنفق خلالها مئات الآلاف من الدولارات، أسطول من السيارات كان في استقباله وأسرته وحاشيته في المطار حيث كان يستقل طائرته الخاصة، أحد السائقين اليمنيين ذكر الثري وهو عائد إلى قصره الذي اشتراه منذ نحو 6 شهور بنحو 50 مليون دولار أنه هو والسائقين الآخرين في مجموعة الشركات والخدم بالقصر لم يتقاضوا رواتبهم منذ 3 شهور، ثار الثري وغضب وهدد السائق بقطع عيشه إن تحدث معه في هذا الأمر مرة أخرى، وقال له: "كفى العز الذي تعيشون به"، وذكره أنه قبل قدومه إلى منطقة الخليج كان لا يجد قوت يومه ويسير حافياً في بلده التي تنهشها حرب أهلية منذ شهر مارس 2015.

وبعدها أمسك الثري بالموبايل وظن السائق اليمني أنه سيعطي تعليمات بصرف الرواتب المتأخرة فوراً، فإذا به يغرد على حسابه على تويتر قائلاً: "لا أجد سبباً واحداً للإبقاء على العمالة الوافدة في منطقة الخليج، هذه العمالة تستنزف ثرواتنا، ولا تمثل قيمة مضافة لاقتصادنا، لأنها لا تمتلك أي خبرات، ولا يتقنون اللغات الأجنبية، هم مجموعة من الخدم وربات البيوت والسعاة والأميين والسائقين وأفراد الأمن، اطردوا العمالة الوافدة من الخليج".

(7)

سهر حتى بعد منتصف الليل هو وأصدقاؤه الأثرياء في الطابق الخمسين بأحد الفنادق الشاهقة الواقعة في قلب مدينة دبي، احتسى الكثير من الخمور والمخدرات، لم يقدر على النهوض فقد لعبت الخمر برأسه، سارع سائقه الخاص أندريه من جنوب إفريقيا يحمله إلى سيارته، ثم بيته، فغرفته الواقعة في الطابق الثاني من قصره الملاصق للفندق، في اليوم الثاني استيقظ الثري الخليجي من النوم في الساعة الثالثة بعد الظهر، وقبل أن يغادر سريره، طلب من خادمته أندرية "الإثيوبية" إحضار صحف اليوم له، بدأ يطالع الجرائد والمجلات، فإذا بخبر في صفحة الحوادث عنوانه "القبض على سبعة وافدين من مخالفي نظامَي الإقامة والعمل"، وعلى يساره خبر آخر تحت عنوان: "ضبط 20 ألف لتر خمور داخل استراحة عمالة وافدة بإحدى المدن الخليجية"، وبصوت عالٍ نادى على خادمه عزيز البنغالي: "يا عزيز، تعال أحضر لي الموبايل"، يقع على بعد أقل من متر من يديه، حيث قرر أن يكتب تغريدة نصها: "اطردوا العمالة الوافدة، فهي سبب كل الخراب الأخلاقي في منطقة الخليج، يجب أن نطهر الخليج والأماكن المقدسة من هذه العمالة التي أفسدت علينا أخلاقنا، يجب أن تظل منطقة الخليج نظيفة روحياً وأخلاقياً".

بعدها نادى مرة أخرى على عزيز، وقال له: "اطلب السمسار في البورصة ليشتري 100 ألف سهم في شركة Diageo، من أكبر الشركات العالمية في مجال تصنيع الخمور؛ لأن السهم صاعد في البورصات العالمية اليوم، ويشتري 50 ألف سهم في شركة فيليب موريس إنترناشيونال، أكبر مُصَنِّع للتبغ في العالم، وأيضاً شراء أسهم في البنوك وشركات البتروكيمياويات والأسمدة.

(8)

كان ضيفاً على إحدى الندوات التلفزيونية التي تتحدث عن مخاطر تهاوي أسعار النفط على منطقة الخليج، في الندوة صال مسؤول اقتصادي خليجي بارز وجال في الحديث عن المخاطر الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية التي تواجه دول المنطقة، خاصة إذا ما استمرت أسعار النفط على حالها سنوات، وبالتالي تفقد دول المنطقة أهم مورد من إيراداتها العامة، والمورد الأساسي للموازنات، وفي نهاية الندوة سأله أستاذ جامعي وافد كان يتولى إدارتها: ما الحل لمواجهة كل هذه الخسائر؟

أخذ المسؤول الخليجي نفساً عميقاً، وقال: "الحل يتمثل في طرد العمالة الوافدة، فهي خطرة اجتماعياً لأنها تمثل غالبية السكان في أربع دول هي الإمارات والبحرين والكويت وقطر، وأكثر من ثلثي العمالة في دول الخليج عمالة أجنبية وافدة، وإجمالي عدد الأيدي الوافدة وأسرهم يصل إلى 24 مليوناً، ما يمثل نحو نصف سكان دول الخليج، والبالغ عددهم نحو 50 مليون نسمة تقريباً، هذا استنزاف لأموالنا وثرواتنا وتهديد مباشر للتركيبة السكانية".

عاد الأستاذ الجامعي ليسأل المسؤول الخليجي: "ماذا تفعلون في المناطق الصناعية، كيف ستديرونها عقب طرد العمالة الوافدة، لأن كل العاملين بها عرب وأجانب؟ كيف ستبنون قصوركم وفنادقكم وبيوتكم؟ كيف ستمدون خطوط المياه والصرف الصحي وشبكات الكهرباء والاتصالات، فكل العاملين بقطاعات البناء والتشييد والمقاولات والبنية التحتية من العمالة الوافدة؟ كيف ستعلمون أولادكم في المدارس والجامعات، فالأساتذة من العمالة الوافدة؟ كيف ستصلحون سياراتكم الفارهة إذا تعطلت؟ كيف ستمهدون الشوارع وتبنون الطرق والكباري؟ وكيف ستديرون قطاع النفط أصلاً؟

وواصل الأستاذ الجامعي أسئلته: "هل لديكم العمالة المحلية التي يمكن أن تحل بدلاً من العمالة الوافدة؟ هل لديكم العمالة التي تتحمل العمل تحت درجة حرارة تفوق الخمسين درجة أحياناً؟ هل لديكم العمالة التي يمكن أن تتقاضى راتباً شهرياً يقل عن 250 دولاراً شهرياً؟

هنا رد المسؤول الخليجي على هذه الأسئلة بقوله إن منطقة الخليج تحتاج إلى إصلاح جذري في كل الأقطار، والبداية بطرد العمالة الوافدة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مصطفى عبد السلام
كاتب متخصص في الشأن الاقتصادي