دول القارة الإفريقية الـ55 تزخر بمقومات سياحية جيّدة، ساعدها على ذلك تنوع مناخاتها من مناخ البحر الأبيض المتوسط في أقصى شمال القارة وجنوبها، إلى مناخات متفاوتة بين الصحراوي وشبه الصحراوي والاستوائي في وسطها وشرقها وغربها.
وقد شهد قطاع السفر والسياحة في القارة الإفريقية ازدهاراً واضحاً في الأعوام الأخيرة، حيث نما بنسبة 5.6% في عام 2018، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 3.9٪، وهذا ما جعل إفريقيا ثاني أسرع منطقة سياحية نمواً بعد آسيا. وساهم قطاع السياحة بنحو 24.3 مليون وظيفة في القارة السمراء، وهو ما يعادل 6.7٪ من إجمالي القوة العاملة.
في وقتٍ سابقٍ، دعت المديرة العامة لجمعية السياحة في إفريقيا، ناليدي خابو، خلال مؤتمر لقطاع السياحة استضافته جنوب إفريقيا، دول القارة إلى التركيز على السياحة البينية، وذلك عبر الاستقرار السيادي الذي سيدعم قطاع السياحة بشكل كبير. مضيفةً أن "البلدان التي أبلت بلاءً حسناً هي تلك التي قامت بهذه الخيارات"، وضربت مثالاً بتنزانيا ورواندا اللتين "تجذبان المسافرين"، على حد قول السيدة خابو.
لكن السياحة الإفريقية كغيرها من القطاعات، تأثرت سلباً بتداعيات جائحة كورونا، إذ أُلغيت آلاف الحجوزات المؤكدة جراء حالة الإغلاق التي يشهدها العالم منذ قرابة شهرين. وفقد العديد من العاملين في القطاع وظائفهم بسبب توقف حركة الطيران وحالة الطوارئ التي أعلنتها معظم دول العالم، رغم أن القارة الإفريقية تعد الأقل تضرراً من الفيروس مقارنة ببقية أنحاء العالم.
سنتناول في هذه المقالة إمكانية تنشيط السياحة الداخلية بدول إفريقيا خاصة في عهد انتشار فيروس كورونا، ومدى نجاح السياحة داخل دول القارة السمراء في التخفيف من آثار وقف حركة الطيران وإلغاء الحجوزات الدولية.
وسنأخذ نماذج من عدة دول إفريقية، من الشمال مصر ومن الغرب نيجيريا ومن الشرق إثيوبيا، إلى جانب جنوب إفريقيا من أقصى جنوب القارة.
مصر.. خطوات فعلية لبدء السياحة الداخلية
تشير التقديرات إلى أن جائحة كورونا تسببت في توقف نشاط قطاع السياحة المصري الذي يسهم بما يتراوح بين 12 إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي، ما أسفر عن خسائر تقدر بقرابة ملياري دولار.
ولهذا عقد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اجتماعاً يوم الأحد الماضي، لاعتماد عددٍ من ضوابط الإقامة بالفنادق وذلك بالتنسيق بين وزارتي السياحة والآثار والصحة والسكان، توطئة لتنشيط قطاع السياحة تدريجياً.
وذكر وزير السياحة والآثار خالد العناني أن هناك عدة اشتراطات أساسية لمنح شهادة الصلاحية الصحية، ومن بينها ضرورة قيام كل فندق بتوفير عيادة وطبيب بالفندق، بالتنسيق المستمر مع وزارة الصحة في هذا الشأن، إلى جانب التأكد من جودة أدوات الوقاية الشخصية ومواد التعقيم المستخدمة، وعدم التعامل إلا مع الشركات المعتمدة من وزارة الصحة والسكان.
كما تتضمن هذه الاشتراطات تشكيل فِرق عمل مشتركة بين الغرفة وإدارة مكافحة العدوى في وزارة الصحة؛ للمرور على الفنادق والتأكد من استيفاء الاشتراطات وجاهزيتها للتشغيل. وأوضح الوزير أن الاشتراطات اللازمة تتطلب كذلك عدم إقامة أي حفلات أو أفراح داخل الفندق، وحظر كافة أنواع النشاط الليلي بالفندق. وفق ما نقلت صحيفة الشروق المصرية.
وبالنسبة لأبرز الوجهات التي يمكن أن تكون مفضّلة للسياح الداخليين في مصر، فإن المدن الساحلية مثل الغردقة وشرم الشيخ الإسكندرية ستكون خياراً جاذباً لكثير من الذين يرغبون في الخروج من روتين الحجر المنزلي، والترفيه عن النفس بعد عزلة صعبة.
نيجيريا.. مناشدات للحكومة
تمتاز نيجيريا الواقعة في غرب إفريقيا بالتنوع الواسع لمناطق الجذب السياحي مثل الشواطئ الكبيرة والواسعة بمحاذاة المحيط الأطلسي، والأنهار الملائمة للسباحة والرياضة، وتشتهر بثراء الحياة البرية حيث توجد بها مساحات شاسعة من الطبيعة البِكر التي تتنوع بين الغابات الاستوائية والشلالات الرائعة.
وقد ناشد رئيس معهد محترفي السياحة في نيجيريا (ITPN)، الحكومة الفيدرالية على منح الأولوية لصناعة السياحة في مبادراتها لتحفيز الاقتصاد الوطني الذي عانى بسبب جائحة كورونا.
إذ أشار رئيس المعهد أبيودون أودوسانوو، في بيان، إلى أن قطاع السياحة هو الأكثر تضرراً من الوباء العالمي. مضيفاً أن الفنادق والمطاعم وشركات الطيران ووكالات السفر توقفت بالكامل بسبب القيود المفروضة على حركة الأشخاص وإغلاق معظم أنحاء البلاد.
الحكومة الفيدرالية من جانبها، قالت إنها تخطط لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم عبر صندوق تدخل بقيمة 136 مليون دولار أمريكي ومخصصات للتحفيز الاقتصادي تصل إلى 2.7 مليار دولار، من دون أن تذكر قطاع السياحة بشكل علني.
ومع أن انتشار الجماعات المسلحة في نيجيريا قد أدى إلى عزوف كثير من الزوار عن البلاد، فإن السياحة تشكل مورداً مهماً من موارد الدولة. إذ يقدر عدد السياح الذين زاروها خلال العام الماضي بقرابة 800 ألف سائح.
وإذا أعادت السلطات النيجيرية فتح المجال للسياحة الداخلية، فإن أكثر من 7000 مكان متميز سيكون متاحاً للمواطنين الذين يرغبون في استكشاف البلاد، من بينها حديقة يانكاري الوطنية وهي حديقة كبيرة للحياة البرية تقع في الجزء الجنوبي الأوسط من ولاية باوتشي في شمال شرق نيجيريا. وكذلك هي موطن للعديد من ينابيع المياه الدافئة الطبيعية، فضلاً عن مجموعة واسعة من النباتات والحيوانات.
وبالطبع فإن مدن لاغوس وأبوجا وكانو ستتنافس على استقبال جموع الزوار الداخليين.
إثيوبيا: موسم سياحي غير مبشّر
الوضع لا يقل سوءاً في إثيوبيا الدولة التي تقع شرق إفريقيا ضمن ما يُعرف بمنطقة القرن الإفريقي. فإثيوبيا تعتمد بشكل كبير على السياحة التي يعمل بها آلاف المواطنين بشكل مباشر كمرشدين سياحيين وموظفي فنادق ومنتجعات، إلى جانب المعتمدين على القطاع بشكل غير مباشر مثل سائقي سيارات الأجرة وملاك وموظفي المطاعم والمقاهي. فضلاً عن أصحاب المهن اليومية من العمال.
ويزيد الوضع سوءاً عندما نتذكر أن الموسم السياحي الرئيسي في إثيوبيا ينطلق من العطلة الصيفية التي تبدأ سنوياً عقب شهر رمضان المعظم وتنتهي بنهاية موسم الأمطار الغزيرة في أكتوبر. ففي هذه الفترة تصل ذروة قدوم السياح الذين يقدر عددهم بنحو مليون سائح سنوياً، وقد كشفت وزيرة الثقافة والسياحة هيروت وولدماريام، أن إجمالي الإيرادات المحققة من السياحة الوافدة، في النصف الأول من السنة المالية عام 2018، بلغت 1.8 مليار دولار، من خلال زيارة 485 ألفاً و806 سائحين للبلاد. وفي وقت سابق كشفت إثيوبيا عن مساعيها لزيادة عدد السياح لأكثر من 5.2 مليون سائح بحلول 2020.
مع حالة الإغلاق شبه التام التي تشهدها البلاد، فإن إثيوبيا لم تكشف حتى الآن عن خطة لتنشيط السياحة الداخلية.. ووفقاً لمنظمة السياحة العالمية (UNWTO) فإن إثيوبيا لم تكسب سوى 22% فقط من السياحة الداخلية في عام 2018، في حين أنها تمكنت من تحقيق حوالي 78% من خطتها للسياحة الدولية.
المنظمة لفتت إلى أن السياحة الداخلية تتعلق بحرية الاستكشاف خارج منطقة الإقامة المعتادة والذهاب إلى مكان ما بعيداً عن المنزل. وأظهرت دراستها أن غالبية الإثيوبيين يمارسون هذه الحرية في أفنية منازلهم الخاصة من خلال الانخراط في أنشطة ترفيهية سلبية وأعمال عائلية تشمل زيارة الأصدقاء والأقارب.
بمعنى أن المنظمة كشفت عن عدم اهتمام الإثيوبيين بالسياحة الداخلية وهي معلومة صحيحة تماماً، إذ يندر أن تجد مواطناً إثيوبياً يفكر في قضاء عطلة داخل البلاد رغم توفر البنية التحتية وتنوع مناطق الجذب السياحي.. من الأماكن التاريخية المقدسة في إقليم تيغراي شمالاً، حيث توجد مدينة وقرو التي تحتضن مسجد النجاشي ملك الحبشة الذي استقبل الصحابة المهاجرين، وفي الإقليم نفسه مدينة أكسوم المقدسة لدى المسيحيين. وفي الشرق هناك مدينة هرر التاريخية العريقة، وفي الشمال الغربي مدينة بحر دار السياحية وغير ذلك بالطبع.
جنوب إفريقيا.. الدولة الأولى
منظمة السياحة العالمية تصنف جنوب إفريقيا الدولة الأولى في القارة السمراء؛ من حيث جذب السياح، فقد وصل عدد السياح الوافدين إليها 6.5 مليون سائح دولي في عام 2017م، أي: ما يمثل نسبة 18٪ من الوافدين الدوليين إلى إفريقيا، تأتي مصر في المرتبة الثانية بمعدل نمو 16.5%.
ويوفّر قطاع السياحة في جنوب إفريقيا حوالي 700 ألف فرصة عمل، بشكل مباشر وغير مباشر، وهو يعدّ من القطاعات التي أثبتت نجاحًا في بلد تبلغ نسبة العاطلين عن العمل فيه نحو 28%.
شركات السياحة في جنوب إفريقيا نجحت كذلك، في فرض نفسها في السوق من خلال تنويع عروضها لتشمل باقات سياحية لا تقتصر على السفاري. لهذا شهدت ارتفاعاً كبيراً في الزيارات المتعلقة بالتعرف على نمط عيش السكان، والتعرّف على الأحياء الفقيرة في الضواحي والمجتمعات الريفية.
ومن المتوقع أن يبدأ موسم السياحة الداخلية في جنوب إفريقيا في ديسمبر/كانون الأول حسب توقعات وزير السياحة مامولوكو كوبايي. ولكن في الوقت نفسه، من المحتمل أن يهدد فيروس كورونا، الموسم لهذا العام 2020، خاصة أن الخبراء أشاروا إلى أن الوباء قد يصل إلى ذروته في جنوب إفريقيا في سبتمبر/أيلول، وبعد ذلك من المتوقع أن يستغرق الوضع ما لا يقل عن شهرين إلى ثلاثة أشهر.
إحدى مديرات شركات السياحة تأمل في الاتفاق على خطة لاستعادة السياحة بحلول أواخر مايو/أيار. وقال وزير السياحة خلال بث عبر الإنترنت استضافته شركة SA التي تعمل في المجال: "نحتاج إلى بناء حوافز وأن نكون أكثر تركيزاً على سوق السياحة المحلية من خلال النظر في جوانب مثل التسعير للسياح المحليين. لهذا يحتاج المرء إلى البحث والتحليل".
نذكر هنا أن جنوب إفريقيا تزخر بخيارات واسعة للسياح الداخليين والدوليين على حد سواء، لكبر مساحة الجمهورية من رأس الرجاء الصالح إلى منتزه كروغر الوطني إلى جبل الطاولة وأخدود بيلد ريفير وغيرها من الأماكن والمدن الجذابة.
أزمة فيروس كورونا تمثل إضافة جديدة إلى الأزمات التي تعاني منها القارة السمراء أصلاً، كخطر الصراعات المسلحة، وضعف البنية التحتية. ورغم عدم تفشّي الفيروس في إفريقيا بنفس الحدَّة التي ينتشر بها في أوروبا والولايات المتحدة، إلَّا أن آثار انتشاره ألقت بظلالها على القطاعات الاقتصادية في إفريقيا؛ مثل قطاع السياحة، ومع وجود بعض الخطط لتنشيط السياحة الداخلية في ظل عدم تحديد موعد قاطع للسياحة الدولية فإن بلدان القارة السمراء تفتقر إلى وضع الإستراتيجيات اللازمة لإعادة السياحة العالمية وهي الأكثر ربحية بالطبع.
الهدف الأول والأخير لبعض الدول الإفريقية التي أعلنت عن استئناف السياحة الداخلية من مصر وجنوب إفريقيا سيكون محاولة التقليل من الخسائر، وإيجاد حلول لمشكلة نزيف الوظائف بعد توقف حركة الطيران. لكنّ الخطوة تعطي الأمل وتحفز على الاستعداد لعودة أفواج السياح الدوليين إلى القارة السمراء.
وينبغي كذلك على دول القارة التي تتجاهل السياحة الداخلية مثل إثيوبيا أن تعمل على تشجيع المواطنين لتمضية عطلاتهم داخل البلاد بدلاً من السفر للخارج. ولن يتأتى ذلك إلا بإلزام الفنادق ودور الإيواء بتقديم أسعار تفضيلية للسياح الداخليين، إلى جانب الضغط على شركة الطيران الحكومية "الخطوط الإثيوبية" كي تدلي بدلوها عبر منح المسافرين الداخليين أسعاراً تفضيلية على تذاكر السفر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.