"في الليلة الماضية وأنا غائص في عالم النوم، فجأةً تحول جسدي إلى فراشة خفيفة الظل، مستمعةً بجناحيها بين الأغصان، لم أدرك أنه أنا، أنني تلك الفراشة في منامي، وإذا لم أكن أنا حقاً وصدقاً، فهل أنا تلك الفراشة التي تحلم أنها أنا؟ أم أنا أنا الذي حلم أنه فراشة؟"
تلك فقرة موجودة في مذكرات الفيلسوف الصيني جوانغ زي، المعلم الروحاني الذي ألقى حجرةً في المياه الصافية، ليدعونا إلى التساؤل: هل حياتنا مجرد حلم؟
كذلك يرشق العالم الإسلامي أبوحامد الغزالي الحياة الحالمة، قائلاً إن حياتنا مجرد وهْم وخيال، فنحن نحلم كثيراً، وفي هذا الحلم نعتقد أننا وسط الحقيقة حتى نستيقظ، فنتأكد أن ما عشناه في الحلم هو مجرد وَهم، فما الذي يوقفنا عن التفكير بأن حياتنا مجرد حلم طويل لم نستيقظ منه.
وَهْم الزمن في الصورة المعاكسة
تستمر الحقيقة مخفية حتى نضع لها قانوناً يهبها وجود محسوساً حتى وإن لم تبلغ درجة الملموس، بين الفيزياء واللافيزياء تبلغ درجة المعلوم مقاييس عددية في الأولى، بينما في الثانية هي لا شيء، وإن كانت موجودة إلى أن يكتشفها أحد العلماء.
ضمن سرعة الزمن، هنالك ثلاثة تقسيمات حقيقة: الماضي والحاضر والمستقبل، وإذا تأملنا في حاضرنا فإننا نستدرج حقيقةً غائبة وهي أنْ لا حاضر لنا، فكم هو هذا الحاضر؟ كم وقته؟ وهو أكثر ما نخطط له سواء اعتمدنا على بنية الماضي أم على تطلعات المستقبل.
هذه الجدلية في وهم الزمن، طرحها الكاتب كمال ممدوح في رواية "وجع الحالمين" قائلاً إن تحديقك في المرآة لمدة طويلة سترى لنفسك وقتها ألف صورة كلها سابقة على ما أنت هو عليه الآن.
هذه الصورة المعاكسة لما نفكر فيه كل الوقت، ونعتقده حدثاً آنياً، هو مجرد وهم في معاكس الصورة الحقيقة، فلن نمتلك القدرة نهائياً على تحديد أين نحن؟ أو أين نتحرك وفق محرك الزمن؟
وهذه هي النظرية حول الحياة الحلم؛ لأننا لا نتحكم في أحلامنا في الماورائيات، بل نسير وفق اتجاه معين وهو الأمام دون توقف.
بين الحلم والمحسوس
أثناء نوم عميق، قد نصادف، أو في الحقيقة غالباً ما تحاكي رؤيتنا الحلم ما شعرنا به للحظات متفرقة أثناء يومنا.
يسمى هذا التخزين الدماغي، أي أن عقلنا اللاواعي يحفظ كل حدث على حدة، ثم يقوم بتجميعه على شكل صور أو وقائع أو سقطة من على السرير، أو صراخ.. إلخ.
وبمجرد ما أن يقع التسارع حتى يبدأ الإنسان في الشعور بمحاكاة حقيقية لكل كآبة أو حزن أو سعادة أو نجاح في حلم بعيد نظرياً عن الحياة المعاشة، إلا أن هذه المدة الزمنية تصور حقيقة ربط الحلم بالواقع دون أدنى شك.
فاصل الموت
لتقريب النموذج بين الحلم والحياة، فصل الروح عن الجسد في الإسلام يمثل جزءاً مهماً بين الزمن الوهمي -أي الذي نعيشه- والزمن الحقيقي الذي سنعيشه، الفارق هو أن الزمن في الحياة الآخرة كما يتصور لا يحكم بتقسيمات الزمن الحالية، بل لا يكاد يخضع لأدنى قانون بسيط مما نعرفه.
فالزمن بعد انسلال الروح من الجسد ذي معايير مختلفة تماماً أنبأنا الله بها في كتابه الحكيم، والمطلع على سيرة سيدنا علي بن أبي طالب قد يقرأ على لسانه قائلاً إن الناس نيام فإذا حضرت سكرة الموت أفاقت بصيرتهم وتنبهت إلى الحقيقة.
إذاً فحياتنا مجرد حلم مقدم لما نعيشه الآن فنعتقد أننا نعيشه، قد تجزئنا هذه الاستنتاجات على وضع الأجوبة على التساؤل الأكبر.
هل حياتنا مجرد حلم؟ هل تمنحنا هذه الفرضية إحساساً بالراحة أم شعوراً بالعبثية؟
حسناً، إننا نحدد على أن حياتنا مجرد حلم، وهذه جدلية قائمة منذ زمن ولها حججها، وإذا افترضنا وجودها فإنها ستمنحنا إحساساً بالطمأنينة لأن نسير وفق نظام غير متعمد أو عابث.
فالدنيا كم يقول الحسن البصري حلم والآخرة يقظة، والموت متوسط بينهما، وإذا كان الحلم خاضعاً لمعايير ما نعيشه في أيامنا فإن النتيجة أن لا شيء يحملنا على نعته بـ"العشوائية".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.