مع إغلاق العالم حاليًا للأعمال التجارية، هناك الكثير من الوقت للتفكير. ستكون نتائج كل هذا التفكير رائعةً في جميع مجالات النشاط البشري، وليس أقلها في كرة القدم، الشيء الأكثر أهميةً بين كل الأشياء "غير المهمة".
البرازيل على سبيل المثال، لديها الفرصة للتفكير في هويّتها الكروية -التي تمّ تعريفها أكثر من أي شيءٍ آخر عبر الانتصار المجيد في كأس العالم 1970، وهي الأولى التي تمّ فيها بثّ المونديال مباشرة على التلفزيون.
دولة ذات معدلات أعمارٍ صغيرةٍ نسبيًا، لم تكن غالبية سكّانها على قيد الحياة عندما كان بيليه وجايرزينيو وتوستاو وجيرسون وريفلينو ورفاقهم يذهلون الكوكب بـ 19 هدفًا وستة انتصاراتٍ متتاليةٍ حتى رفع قائد الفريق كارلوس ألبرتو الكأس.
كان سيتمّ الاحتفال بالذكرى الخمسين للفوز بمونديال المكسيك 70 في الظروف العادية. لكن ظهور جائحة فيروس كورونا أدّى إلى تقديم العملية وضمانها لجمهورٍ أوسع. على مدار الست ليالٍ الماضية، تم عرض جميع مباريات البرازيل الست في المونديال على شاشة التلفزيون -وهي الفرصة الأولى التي تمكّن فيها الكثيرون من مشاهدة المباريات بكاملها. مع توفير التغطية لأحاديث مع بعض اللاعبين.
يجب أن يكون أولئك الذين شاهدوا المباريات واهتمّوا بالنقاشات التي دارت حولها، في وضعٍ جيدٍ لمعايشة إحدى الأساطير الدائمة لكرة القدم البرازيلية -وهي عبارةٌ عن مجموعة من لحظات العبقريّة الفرديّة، التي أنتجها لاعبون منتزعون حديثًا من الشاطئ ليس لديهم أيّ اهتمامٍ بالدفاع أو مراعاةٍ للقواعد الجماعيّة.
كان الأب المؤسس لهذا المشهد هو نيلسون رودريغز، وهو كاتبٌ مسرحيٌ بارزٌ مع افتتانٍ بكرة القدم وموهبةٍ في محاكاة وتجسيد الأحداث.
من منتصف الخمسينيات عندما كانت الألقاب العالميّة لا تزال تبدو بعيدةً، كان يصرخ بأنّ البرازيل ستغزو الكوكب، وقد ثبتت نبوءته في انتصارات 1958 و 1962. وكان من بين أوّل من اكتشف إمكانات بيليه، مثلما دافع عن لاعب خط الوسط الجنرال ديدي -الذي كان يُنظر إليه أحيانًا على أنّه لاعبٌ زائدٌ عن الحاجة حتى نجاح 1958 وأطلق عليه لقب "الأمير الإثيوبي".
عشيّة مونديال السويد 1958 رسم صورةً لا تنسى: "الحقيقة الصرفة هي هذه؛ أي لاعبٍ برازيليٍ، عندما يتخلى عن معوقاته ويضع نفسه في حالةٍ من الرضا والصفاء، يكون فريدًا من حيث الخيال والارتجال والاختراع. باختصارٍ -لدينا فائض من المواهب ".
بالنّسبة لرودريغز كان هذا هو مفتاح كل شيءٍ -كانت الهزائم نتاج عدم الاعتقاد بالذات، والانتصار هو النتيجة الحتمية للاعب البرازيلي الذي يدخل حالة الرضا والصفاء هذه. كانت هناك لحظاتٌ كافيةٌ من العبقريّة الفرديّة لإعطاء الفكرة جاذبيةً تم تعزيزها بشكلٍ كبيرٍ عبر مهارته في الكتابة. لقد حدد نبي النّصر نغمة التصوّر العالمي للعبة البرازيلية.
ولكن مهما كانت مكتوبةً بشكلٍ جيدٍ، كانت وجهة نظر رودريغز كسولةً بشكل أساسي، وغير دقيقةٍ وخطيرةٍ. أغفلت وجهة نظره العمل الشاقّ الذي تمّ من أجل إعطاء النجوم منصةً للتألق عليها.
في وقتٍ مبكرٍ من عام 1958 كانت البرازيل تقود المجال المتعلّق بالتحضير البدني والتطوير التكتيكي -وكانت هذه السمات مهمةً بنفس القدر في عام 1970، كما يجب أن تكون واضحة الآن لأولئك الذين شاهدوا المباريات.
عبر الاستعداد الرائع لحرارة غوادالاخارا وارتفاع مكسيكو سيتي، فازت البرازيل بمعظم مبارياتها في الشوط الثاني. من بين الأهداف الـ 19 التي سجلوها، جاء 12 بعد استراحة ما بين الشوطين.
المدرب ماريو زاغالو كان مسؤولاً فقط لمدة ثلاثة أشهرٍ -لكنّه استخدمها لتغيير توازن الفريق. كان جزءًا أساسيًا من الفريق في عامي 1958 و62، حيث كانت البرازيل رائدة في الدفاع، لكنهم قدموا طريقة اللعب 4-2-4. كان من الممكن أن يؤدي سحب لاعبٍ إضافيٍ إلى قلب الدفاع إلى ترك خط الوسط يلعب فوق طاقته، لكنّ زاغالو انتقل من الجناح الأيسر للمساعدة. في آذار 1970 ورث فريقًا كان يلعب 4-2-4، وبدأ على الفور بتغييره.
لقد تطوّرت اللعبة. انتهى به الأمر أنّه سعيدٌ بالاتفاق مع طريقة اللعب في العصر الحديث: 4-2-3-1. عندما كان الفريق يفقد الحيازة، كان مهاجم الوسط توستاو هو اللاعب الوحيد المتبقي بعد الكرة.فيما كان البقية يعودون كوحدةٍ واحدةٍ.
كانت هذه الميّزة واضحةً في ربع النهائي الجذاب ضد بيرو، والتي تمتعت بها البرازيل مرةً أخرى ليلة الجمعة. تولّى تدريب بيرو الزميل القديم لزاغالو ديدي، وتمركز فريقهم الجريء والموهوب في نسخة تحاكي طريقة البرازيل 4-2-4 القديمة.
كانت المباراة مفتوحةً بشكلٍ رائعٍ. من الواضح أنّ البرازيل كانت أفضل، لكنّ بيرو كانت موجودةً في اللعبة، خاصةً بعد ظهور نجم برشلونة المستقبلي هوغو سوتيل وبدأه في الاندماج مع تيوفيلو كوبيّاس.
أعاد هذا الثنائي بيرو إلى المباراة عبر تقليص النتيجة إلى 2-3 ، وكان سوتيل يتقدم للأمام بنيّة التسجيل مرةً أخرى. ولكن تمّ تعقّبه عميقًا في النصف الخاص بفريقه بواسطة بيليه. هذا الرجل الإضافي في خط الوسط صنع كلّ الفرق، خاصةً إذا كان يحمل رقم البرازيل الذي لا يضاهى "10". لقد استخلص الكرة عبر الزحلقة، قبل أن يخدع ريفلّينو دفاع البيرو بكرةٍ ساقطةٍ، استقبلها جايرزينيو -الذي كان رائعًا طوال البطولة- وتخطى الحارس قبل أن يودع الكرة في الشباك ويضمن مكان البرازيل في نصف النهائي -خطوةٌ أخرى نحو اللقب لفريقٍ قام بالعمل الجسدي والتكتيكي للحصول على أفضل النتائج من نجومه.
نادرًا ما تكون المواهب بمفردها كافيةً -كما قد تتعلم البرازيل في الحدث الذي يعرضه التلفزيون لإقصاء الفريق الذي كان يعجّ بالمواهب عام 2006 أمام فرنسا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.