زمنُ كورونا زمنٌ لم نعايشه من قبل ولم نخبره البتّة، زمنُ الحظر وزمنُ التباعد، زمنُ المرض وزمنُ الألم، زمنُ فقدان الأحبّة، وزمنُ التخبّط، زمنٌ موحش مليءٌ بالتراجيديا، زمن سَلَبنا كلَّ شيء في لمح البصر، بعد أنْ ظننا أنَّ أمامنا كل شيء، زمن ماركيز الذي قرأناه في رواية "زمن عجيب لم نتوقعه"، زمن يذكِّرني بقوله تعالى: "وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ". زمنٌ فَرضَ سطوته بامتياز، زمنٌ ألزمنا البيوت بعد أنْ كان الخروج منها تحصيل حاصل.
زمنٌ شديد شدّته كهزيمِ الرّعد في صوته المدوّي، زمنُ الخوفِ والهلع، زمنُ التسوّق الأرعن، زمنُ "خرابِ بيوتٍ" عند كثيرين، وزمنُ ازدهارٍ عند أهل البضائع والتجارة، زمنٌ من الصمتِ والذهول، وزمنٌ من الثرثرة والشائعات، زمنُ الماء والتعقيم، وزمنُ الديتول والهايجين! زمنٌ وعلى الرغمِ من آلامه وصعوبته فهو أقرب إلى الجنون.
زمنُ تكشُّفِ الرأسمالية، وزمنُ بدايات السقوط، زمنُ إشبنجلر وغربه، وولسن ولا انتمائه، زمنُ الصين والزواحف، زمنُ رجوع اليسار، الزمنُ الأصفر، والزمنُ الأحمر، زمنُ الشرود، وزمنُ التركيز، زمنُ التصديق، وزمنُ التكذيب، زمنٌ يقول فيه النّاس أَنجزَعُ أم نصبر؟ زمنٌ ضاقَ بالخلق وتضرّعوا بالدعاء لخالق الأكوان، زمنٌ صارَ العلماني فيه متديّناً، وصار المتديّن فيه وليّاً من الأولياء.
زمنٌ جلل، زمنُ العِلل، زمنٌ صارَ فيه الشارعُ مملكة، وزمنٌ صارَ فيه المشي ترفاً، زمنٌ فقدنا فيه المساجد، زمنٌ فقدنا فيه التوسّل لرحمةٍ منجية، زمنٌ أُسمّيه أحياناً بالزمنِ اللغز! زمنٌ لا ندري فيه ما هو الحقّ وما هو الباطل، زمنُ عواصفِ العقل وإعماله، زمنُ البحث عن الحقيقة، وفي ذات الوقت زمنُ التيه، فلا ندري أهي كورونا حقّاً أم أكذوبة، زمنُ الاقتصاد وألاعيبه عند البعض، زمن الغضب والنقمة عند آخرين، زمنُ القوى العظمى، وزمنُ الشرق الأوسط. أقولها وفي الصدر ضيق، وفي العقل إعصار، أقول وأقول: زمنٌ لا يرحم، وإيماننا بالرحمن الرحيم، زمنٌ يتجبّر، وإيماننا بالجبّار العزيز، زمنٌ يضرِبُ من كلِّ حدب وصوب، وإيماننا بالذي قال: "ولكنَّ اللهَ رَمَى"، زمنٌ جعلَ العاقلَ يهذي، والمجنونَ يَصدُق، زمنٌ هو أبعد من شيء يُدعى بزمنِ كورونا.
زمنٌ أراه ملحمة، وغيري يراه لعبة، زمنٌ أراه نقطةَ تحوّل، وغيري يراه عابراً، زمنٌ سيقلب كلَّ شيء، وغيري يراه مسبوقاً، زمنٌ لا أدعو فيه للتشاؤم، ولكنْ هو زمن الملاحم، فقدْ قلتُ إنّي أراه ملحمة، وسنمضي فيه إلى بلبلة، زمنُ تغيير النظرة، وزمنُ اتخاذ العِبرة، زمنٌ نحتاجُ فيه إلى الشديد، فلا يفلُّ الحديد إلّا الحديد، زمنٌ يحتاج دراسة، في الوقت الذي ألغيتْ فيه الكَرّاسة.
وكما بدأنا سنختم: زمنُ كورونا زمنٌ عجب، زمنُ التباعد، زمنُ العطب، زمنُ البيوت، زمنُ الموسيقى، زمنُ الطرب! زمنُ العجائب زمنُ الكُرَب، ويكأنّه زمنٌ في زمن! فما تعوّدنا عليه ذهب مع الريح، وصارَ الزمنُ فصيحاً، يقول لنا: فالقولُ مضحكٌ والفعلُ مُبكٍ.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.