لا أحد يتحدى الأسد.. هل أطلق رامي مخلوف الرصاص على نفسه؟

عدد القراءات
5,835
عربي بوست
تم النشر: 2020/05/12 الساعة 15:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/13 الساعة 06:02 بتوقيت غرينتش
بشار الأسد ورامي مخلوف/ عربي بوست

وصل رجل الأعمال السوري الأشهر رامي مخلوف مؤخراً إلى حافة الانهيار خلال الإغلاق العام في البلاد. وبالرغم من أن هذا قد يقال على سبيل المزاح، فإن أفضل ما يمكن أن يقال لوصف الفيديوهين اللذين نشرهما، إنه "فقد صوابه" في خضم جائحة فيروس كورونا التي اجتاحت المنطقة.

انتشرت كثير من التكهنات والتحليلات بشأن ما يعنيه هذا لسوريا وبشأن صدع محتمل داخل المؤسسة الحاكمة. غير أن أي قراءة متأنية للوضع الراهن الأحدث في سوريا، مقترنة بإعادة قراءة التاريخ، تشير إلى أنه برغم الأهمية التي لا يمكن إنكارها لهذين الفيديوهين، فإننا نشهد ما يمكن وصفه باستعادة الرئيس السوري بشار الأسد السيطرة على البلاد.

يقترب اقتصاد سوريا من حافة الانهيار بعد عقد من الحرب والعقوبات المُكبِّلة التي هددت بفقد المكاسب العسكرية التي حققها الجيش.

وليس من قبيل المصادفة أن يسقط مخلوف ضحية للقانون، لمّا كانت سوريا تتطلع للمرحلة التالية من الحرب: وهي استقرار اقتصادي في مواجهة قبول إقليمي للأسد وضغط من روسيا لاقتلاع الفساد المستشري لاقتصاد الحرب.

نفوذ مخلوف في سوريا ما قبل الحرب

كان مخلوف الوجه الأشهر لفساد سوريا ما قبل الحرب، وفي الأيام الأولى للثورة طالب المحتجون بقتله.

بالرغم من اكتساب شهرته من اسم عائلته، كان مخلوف بين حفنة من المليارديرات السوريين الذين كانوا يفتتحون الاقتصاد في السنوات الأولى من رئاسة بشار الأسد. أما الآخرون الذين حققوا تلالاً من المال عن طريق العلاقات الحكومية، فقد ابتعدوا بدرجة كبيرة عن الأضواء.

لم تأت قراءة متأنية للسيرة الذاتية شبه الرسمية للسنوات الأولى للأسد في سدة الحكم، المعنونة بـ The New Lion of Damascus للكاتب ديفيد ليش، على أي ذكر لمخلوف من جانب مؤلفٍ منُح فرصة اطلاعٍ أكبر مما مُنحت لأي أكاديمي غربي في الأزمنة المعاصرة.

عندما يتحدث عن الاقتصاد ومن يهتمون به، يتحدث ليش عن عبدالله الدردري ومحمد الحسين، وهما خبيران اقتصاديان أُحضرا لاستهلال الإصلاحات. وبالمثل، في السيرتين الذاتيتين اللتين كتبهما إيل زيسر وفلينت ليفريت، كان هناك بعض النقاش عن ربط الحسين اقتصاد البلاد بدول الخليج، فيما ركز الدردري على الأسواق الغربية.

اقتصرت النقاشات المتعلقة بمخلوف على زاوية الفساد، والآن يبدو أن مطالب المحتجين تعود إلى نقطة البداية. بينما يبحث مخلوف عن التعاطف، ليس أمامه أي منه ليحصل عليه. فضلاً عن أن هذه التطورات تأتي تماشياً مع حملة مكافحة الفساد في دمشق.

تهديد مبالغ به

يبالغ مخلوف في إشارته إلى أنه موّل الحرب مبالغةً ضخمةً. صمد الاقتصاد السوري أمام ويلات الحرب حتى الوقت الذي انهار فيه الاقتصاد اللبناني في 2018، وتفاقمت العقوبات ضد دمشق بينما واصلت تحقيق مكاسب عسكرية على الأرض. 

في واقع الأمر، اتسم الاقتصاد السوري والقطاع المصرفي بالمرونة خلال الحرب. ولما خفت وطأة الحرب العسكرية واشتدت حدة الحرب الاقتصادية، وجه الروس والأسد انتباههم إلى هؤلاء الذين تربحوا من الحرب. بيد أنه برغم حملة الحكومة ضد نخبة رجال الأعمال الفاسدين، لم يعتقد أحد أن يد النظام سوف تصل إلى مخلوف.

سيكون أي حديث عن أن مخلوف يشكل تهديداً للأسد مبالغاً فيه، ومفتقداً إلى ركن أساسي متعلقٍ بهوية الأطراف التي فازت بالحرب وماهيتها. فاز بالحرب الجيش وأجهزة الاستخبارات، بدعم كامل من روسيا، ومن خلال توجيه مخلوف انتقادات إلى هذه الأجهزة، فإنه يطلق الرصاص على نفسه.

نجا الأسد بالفعل من الاختبار الحقيقي، عندما فقد في عام 2012 أربعة من كبار المسؤولين الأمنيين الموثوقين. ونجا أيضاً من انشقاق العميد مناف طلاس، الذي سُلط الضوء عليه آنذاك بوصفه يعكس الانقسامات بين النخبة الحاكمة. وبالمثل، لم يؤثر الانشقاق المزعوم  للعماد علي حبيب على المؤسسة.

ولكي نكون واضحين، لا يملك مخلوف أي نفوذ سياسي أو عسكري، وثمة رجال أعمال ذوو مكانة أقل يمكنهم المساعدة والحل محله. يتعلق مخلوف أكثر بالاقتصاد، الذي يسقط سقوطاً حراً مع الفساد المستشري.

الأسد هو الزعيم

يجري التعامل بسرعة كذلك مع إحباط روسيا من الفساد المالي بين الدائرة الداخلية للأسد، إذ إن الحملة ضد مخلوف تُظهر أن سوريا تستجيب للشواغل الخطيرة لموسكو. بتوجيه من روسيا، تحرك الأسد بحسم لمكافحة الكسب غير المشروع المتزايد، بما في ذلك استهداف ابن خاله والممول السابق لنظامه.

ففي سوريا التي مزقتها الحرب والتي تعاني من ضغوط مالية، لا توجد مساحة للخطأ في الوقت الذي يطهر فيه الأسد المنزل لإفساح المجال أمام تحالفات جديدة، وفي الوقت ذاته لترسيخ عامل الردع الروسي ضد أعداء دمشق. كان مخلوف متماشياً علناً مع المصالح التجارية الإيرانية، بينما يريد الروس أن تدخل شركاتهم، وكذلك السعودية والإمارات. 

في مقال حديث، أوضح الصحفي السوري إبراهيم حميدي أن عاملاً آخر كان مرتبطاً بـ "صراع اقتصادي في سوريا بين شركات روسية وأخرى تدعمها إيران، واعتراض شركات روسية وتنظيمات بعضها تابع لـ "فاغنر"، بسبب عدم توفر عائدات مالية موازية للتدخل العسكري".

وخلال مؤتمر عُقد في عام 2018 بجامعة دمشق نظمته الجمعية البريطانية السورية، استُجوب رئيس الوزراء السوري ووزير المالية استجواباً عسيراً حول فساد الدولة وكيف يشكل الخطر الأكبر على الاستقرار فيما بعد. ولم يُستثن أي من الأسماء. 

وفي هذا الأسبوع، ذكر المسؤول السابق في إدارة كلينتون وأوباما، ستيفن سيمون، أن هذا كان يمثل سيطرة الدولة السورية، وغالباً يجري تجاهل هذه النقطة. لا يزال الأسد هو من يصدر الأوامر. وفي نهاية المطاف، تحدى مخلوف الدولة، ويدفع ثمن ذلك.

– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

كمال علم
زميل زائر في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، ومتخصص في الشؤون السورية
زميل زائر في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، ومتخصص في الشؤون السورية
تحميل المزيد