حين أكون ضمن مجموعة من الأصدقاء في حوار عن اللاعبين الأفضل لكل مركز يتبادر لذهني تياغو، لاعب الوسط الذي طالما كنت أعتبره أيقونة ولا يقل عن أي لاعب وسط في مركزه مهما كان اسمه؛ لأنه شخص موهوب بالفطرة.
بعد الولادة تجد نفسك ضمن مجتمع واسع يمثل الإنسانية، كما أنك وفي بدايتك تكون متأثراً بمن هو حولك، فتجدك تسير على نفس الدرب وتقوم بنفس الوظائف، وعن طواعية. العائلة حينها هي من يرسم مخيلتك، ويحدد في جزء مهم من عقلك أهدافك المستقبلية المتعلقة بعديد الاختصاصات.
لقد نشأ تياغو في عائلة كروية بامتياز، حيث يعتبر والده مازينيو لاعب كرة قدم، وقد مثل المنتخب البرازيلي وأحرز معه كأس العالم في سنة 1994 كما يعتبر أخاً لرفينيا اللاعب السابق لبرشلونة والحالي لسيلتا فيغو، حتى أن رودريغو المهاجم الأول لفالنسيا يعتبر ابن عمه.
لو أننا نعود بضع سنوات للوراء، سنشاهد كم أن المشجعين في كتالونيا قد نال منهم الحزن حين أُعلن عن رحيل تياغو، لقد كان موهبة فذة، واعتبره بيب واحداً من اللاعبين الأفضل الذين قام بتدريبهم. مسيرة تياغو انفجرت للعالم حين كان في طريقه لإتمام الـ21 سنة، وقد شارك مع إسبانيا في بطولة يورو الشباب، وكان الفارس صاحب السيف الذهبي الذي قاد منتخب بلاده للقب حين سجل ضد إيطاليا في النهائي هاتريك.
بعد مدة قياسية من نهاية البطولة ذهب بيب وتحدث مع إدارة البافاري حول اللاعب وقال ما مفاده إنه يريد تياغو فقط ولا أحد غيره، لأنه لاحظ فيه موهبة مرعبة واستثنائية قادرة على العطاء والإبداع مستقبلاً.
وحين رحل غوارديولا ناحية السيتي، وفي سنة 2018، كان يطالب بألكانتارا من جديد، وكأنه يبصم ويؤكد أن تلك الموهبة قادرة من جديد على البزوغ والانفجار.
تشاهد مركز اللاعب في برشلونة بعد رحيله فتلاحظ كماً هائلاً من التعاقدات التي كانت فاشلة ولم تقدم المطلوب منها بل إنها زادت الطين بلة، حين نتحدث عن أردا توران وعن كوتينيو وآندريه غوميز، فالجميع دون استثناء قد فشل في ما قد طمح له النادي والجماهير، خاصة مع صفقات قياسية، إضافة إلى أن دي يونغ اللاعب الذي يعتبره العديد من المتابعين أنه يحمل جينات برشلونة، لكنه ولحد هذه اللحظة لم يقدم الأداء السوبر المعروف عنه، ورغم التكلفة العالية التي تم صرفها على هذا المركز، فإنه لا يوجد لاعب قد اقترب من أداء تياغو مع البايرن.
الزئبق الذي ومهما تقدم به العمر ستظل وظيفته ثابتة لا تتغير وسيكون مفعوله جباراً.. هكذا تماماً هو تياغو لاعب ورغم تقدمه في السن فإنه دائماً ما يظهر على أنه القائد المنظم الذي يستطيع التحكم في رتم الوسط بشكل دراماتيكي وبكل سهولة وانسيابية.
أصبح لاعب الوسط يتكون من ثلاثة لاعبين مع الكانترا، مهمة الارتكاز المساند أصبحت تشغل بعض المهام الدفاعية بالإضافة إلى تمرير الكرات إلى الأمام، وضبط إيقاع اللعب في خط الوسط فيما يعرف بـ Deep Lying Mid.
وهذا الامتداد الجبار للاعب وسط يعتبر بكل هذه الإمكانيات "متكاملاً"، حيث يمكنه التسريع في كل هجمة والتحكم في رتمها بشكل مدهش.
نحن نتحدث هنا عن لاعب كانت مسيرته مضطربة في عديد من محطاتها بين الإصابات المتكررة والتغيير الهائل للمدربين في فترات وجيزة مما لم يساعده على التأقلم بشكل أكبر.
تياغو فنان مع كل تمريرة وعند الاستلام كذلك، يجعلك تنبهر حين يستلم الكرة، مراوغ ويتحمل الضغط المسلط عليه حين يحوز الكرة.
لكن الجميع لا يعلم أن اللاعب يعتبر ضمن أفضل 15 لاعباً في العالم الذين يقومون بالعرقلة القانونية، حيث يجيد افتكاك الكرة واسترجاعها كارتكاز دفاعي محترم، كما يتقدم بعض الأمتار يميناً أو شمالاً للأمام، ليشغل مركز اللاعب رقم 8، يستطيع الربط بينهما وكأنه يستخلص الشعرة من العجين، وقد نجح في ذلك على مدى العديد والعديد من المباريات بشكلها القياسي عدداً.
رجل حقيقي لا يكتسي للخيال سُمعة، يجيد دور اللاعب القوي بدنياً، كما أنه يتقن جيداً الفاصل المهاري، وقد كسب عدد متابعين أعلى ومؤيدين أكثر في السنوات الأخيرة مع كل تمريرة أو مراوغة تستهوي عقل المشاهد… بكل حياد يمكنه أن ينتحل صفة البائع والمشتري، القوي والضعيف، الفنان وصاحب البنية الجبارة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.