القليل من الحبكة الفنية والكثير من البوتوكس والفيلر.. دراما العواجيز في رمضان

عدد القراءات
7,233
عربي بوست
تم النشر: 2020/05/11 الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/11 الساعة 14:01 بتوقيت غرينتش

"لماذا لا تمثل هذه السيدة الموهوبة أكثر؟"، تردد السؤال في ذهني وأنا أشاهد فيلم "تيتة رهيبة" للمرة المليون، قبل شهرين تقريباً، ومازلت فعلاً لا أدري لماذا لا تقوم سميحة أيوب بتمثيل ما يكفي من أعمال درامية، هذه السيدة مازالت تملك الكثير، يدل على ذلك استمتاعي الشديد بأدائها في الفيلم الذي أشاهده كل مرة كأنها المرة الأولى.

فيلم "تيتة رهيبة"

ربما لهذا شعرت بسعادة حين رأيت الإعلان الترويجي لمسلسل "سكر زيادة"، قلت في نفسي، هذا سيكون مسلسلي المفضل بالتأكيد.

مرِح، خفيف، يضم ممثلات مفضلات بالنسبة لي، كذلك الأمر مع "فلانتينو"، حيث لا دموع ولا صريخ ولا مشاهد اغتصاب أو قتل، قصة خفيفة، وابتسامات بسيطة ورتم هادئ ككل عام، لكنني شعرت أن شيئاً ما ليس على ما يرام، عقب عرض عدة حلقات من المسلسلين، اللذين حظيا بكم ضخم من التعليقات السلبية  والجارحة عبر مواقع التواصل.

خمسة من أكبر الممثلين سناً ومقاماً، أصابوني بالإحباط الشديد، لكن لماذا وما السر الذي جعل الأمور تصل إلى تلك الدرجة؟

عادل إمام.. كفاية

"كفاية بقى" ترددت الجملة غير مرة عبر منشورات الكثيرين، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى في التعليقات الخاصة بأخبار مسلسل "فلانتينو" والمقاطع اليومية من المسلسل، لم يعد يأتي بجديد وأن مسلسلاته باتت متشابهة إلى حد لا يطاق، نفس المخرج، نفس الثيمة، نفس الزوجة النكدة الفظة، ونفس الأداء الهادئ جداً والحكمة المبالغ فيها للزوج الصابر المحتسب الذي يملك عالمه الخاص بعيداً عن زوجته الشمطاء، تتغير الوجوه، وبعض التفاصيل، وتبقى تلك الأساسيات ثابتة بشكل مثير للريبة.

لا يزال المشاهدون عاجزين عن فهم الهدف من المسلسل، سيناريو مهلهل، وقصة "باردة" ودراما غائبة تماماً عن المشهد، لا تجذب المشاهد أو تشوقه لانتظار الحلقة التالية، لا أدري إن كان الزعيم يتابع ردود الفعل أم لا،  لكن ما أعلمه جيداً أنني ومع كل مشهد يخصه أنخرط في تأمل وجهه، ونبرة صوته، محاولاته أن يأتي بذات التعبيرات المعتادة المضحكة التي اشتهر بها، لكن ملامحه لم تعد تساعده على الإتيان بها، عادل إمام متعب جداً، للدرجة التي  تجعله يبقى في الدائرة الآمنة والتي للمفاجأة لم تعد كذلك، ذات التفاصيل لا تأتي في مجال الفن بذات النتيجة، يخشى الرجل من التجربة، أو التجديد، ويعجز عن استيعاب المرحلة الجديدة التي يعيشها الآن والتي من شأنها أن تفتح له آفاقاً ضخمة تتسق مع سنوات عمره وملامح وجهه التي دخلت بصحبته إلى مرحلة جديدة تماماً، خاصة وأنه لا يزال يمتلك ما يكفي من الشغف والحماس والطاقة لإنهاء مسلسل كامل.

سكر زيادة أم زفت زيادة؟

تحصل عصمت (نادية الجندي) على الطلاق، فتلجأ إلى صديقتها جميلة (هالة فاخر) وتشتريان فيلا للعيش معاً، في الوقت ذاته تختلف كريمة (نبيلة عبيد) مع ابنها حول إدارة الشركة الخاصة بها وتقرر ترك قصرها والعيش في فيلا، لكن يكتشفن أنهن تعرضن للنصب وأن الفيلا بيعت لثلاثتهن، لتلحق بهن سميحة أيوب، والدة نادية الجندي، قصة تبدو لطيفة للوهلة الأولى، لكنها ليست أصلية، فهي مأخوذة عن المسلسل الأمريكي الشهير The Golden Girls، أخذني الفضول لمشاهدة المسلسل الأصلي الحاصل على تقييم من المتفرجين 4.8.

يجذبك المسلسل الأصلي منذ اللحظة الأولى، لا تخجل بطلاته من شعرهن الأبيض، يتوافق أداؤهن مع أعمارهن، ليس هناك فيلر يجعل الحديث مستحيلاً، ولا بوتوكس يغير من تعبيرات الوجه، كل شيء طبيعي بلا اصطناع، في الواقع العمر الكبير للبطلات كان هو نقطة الارتكاز وليس سبب الهجوم.

تبدو البداية قوية جداً مع التتر الذي يمكن اعتباره العنصر الأقوى في المسلسل، بصوت نانسي عجرم "العمر عمره ما كان سنين بنعدها وتاريخ بنكتبه على الورق

العمر رحلة بحلوها وبمرها داخلين مع الأيام سبق

الشاطر اللي يعيشها وما تشغلوش أيام

حب الأيام".

لا أدري من أقنع النجمات الأربع أن  تجاهل العمر وسياقه مرادف للجمال والشباب، كرنفال ألوان مزعج، سواء في الديكور الخاص بالفيلا، أو بملابس الفنانات الأربع، ومظهرهن، ما هذا الكم من "البواريك"، وما معنى أن ترتدي فنانة مثل هالة فاخر هذا الكم من البناطيل الحمراء والخضراء، أعلم جيداً كم فقدت من وزنها وكم اجتهدت لتبدو السيدة ذات الـ72 عاماً بهذا القدر من الرشاقة والخفة والمرح، لكن الأمر مبالغ فيه، باختصار هي الأكثر مبالغة في التصابي، اتأمل وجهها وهيئتها، كيف تحولت الطفلة حميدة في "لن أبكي أبداً"، والشابة الرقيقة عائشة عبدالجواد في بين القصرين إلى تلك السيدة التي تبالغ بشدة كأنها لا تملك الموهبة أو لا تملك حقيقة جميلة فتحاول أن تمحوها بأخرى لفتاة منحرفة في العشرين من عمرها.

لن أتحدث طويلاً عن نادية الجندي، هي على طبيعتها بالفعل، ربما الوحيدة التي لم ترتد "باروكة" كاملة، وإنما بعض الامتدادات المقبولة لشعرها، لطالما دللت نفسها بشكل مبالغ فيه، صحيح أن المشاهد لا يقبل بهذا أكثر الوقت، لكنها راضية وهكذا يكفي، لكن ماذا عن نبيلة عبيد، لماذا كل تلك المبالغة في الأداء والحركات، خاصة يديها. كيف ارتضت سميحة أيوب ذات الـ88 أن تظهر كأم لنادية الجندي، ذات الـ74 عام؟ والتي للمفاجأة تقوم بتحضير الماجستير! ربما أنجبتها في الـ16 من عمرها، لكن كيف لسيدة بحجم سميحة أيوب أن ترتدي الجينز السكيني! لا أنكر صدمتي ولا أستطيع إلا أن أكرر ما قالته الناقدة ماجدة خير الله في وصف المسلسل باعتباره "الجريمة الكاملة" هذا العام.

من السبب؟

نبيلة عبيد بمشهد تمثيلي في مسلسل "سكر زيادة"

"هانطلب حواوشي

الله أنا بحبه أوي أوي ويكون سبايسي كدا ياااه أنا جوعت أوي.

يدور الحديث في الخلفية، فتهتف نبيلة عبيد بتعال "لا لا أنا هاخد بسكوتة وأنام".

لا يبدو أن المنتج صادق الصباح بخل بشيء على صناع المسلسل، لكن الأكيد أنه والنجمات الأربع لم يقرأوا السيناريو الذي أعده جمال أمين جيداً، حوار قصير  مثل حوار الحواوشي كان كفيلاً برفض السيناريو من أساسه، لكن للأمر مقاييس أخرى بالتأكيد ليست على مستوى وعي المشاهد الذي يجب أن يشاهد في صمت.

في حالة فلانتينو لا يوجد منتج ليقبل أو يرفض، فالإنتاج ذاتي بواسطة شركة ماجنوم للإنتاج الفني لمؤسسها رامي عادل إمام، وصديقه هشام تحسين، أما السيناريو فكان الصدمة الكبرى لمؤلفه أيمن بهجت قمر، والذي لم أستوعب حتى الآن كيف خرج من بين يديه بهذا القدر من الهلهلة.

الأعمار بيد الله

ساءتني الانتقادات العنيفة لمسألة الأعمار الكبيرة، مع بعض الاقتراحات السخيفة بضرورة التوقف عن التمثيل، ليست الأزمة في الأعمار الكبيرة ولكن في العقول التي ترفض الاعتراف بالعمر، والأهداف التي تغيرت من الرغبة في الإبهار إلى الرغبة في الكسب المادي، باختصار لا يوجد اجتهاد أو حماس، مجرد وظيفة اسمها تمثيل مع اعتماد كامل على شهرة الماضي، على اعتبار أن الزعيم لن يقدم شيئاً سيئاً، وأن مسلسلاً يضم نبيلة عبيد ونادية الجندي وسميحة أيوب، وهالة فاخر سوف يكون عظيماً بالضرورة.

الأعمار ليست سبة في جبين أصحابها، لكن الهروب من حقيقتها بالبوتكس والفيلر هو السبة الحقيقية، نظرة سريعة في وجه بريتي وايت ذات الـ94 عاماً –تقوم بدورها نبيلة عبيد- الممثلة الأمريكية التي شاركت أخيراً بصوتها في النسخة الأخيرة من فيلم الرسوم المتحركة "قصة لعبة"، لا تجد أثراً لهذا الكم من الشد والنفخ والمحو للتجاعيد التي ما زالت تصنع مجد السيدة التي قاربت على المائة.

تفسد الطبخة بسبب الكثير من الاستعجال والرغبة في الكسب المادي بالتركيز على الكم، سيناريو سريع، تصوير سريع، بيع سريع، دون أدنى اهتمام بالكيف، مسألة جعلت شركات الإنتاج هي الأخرى تعمل بطريقة "يلا عشان خارجين"، هكذا يخرج الأداء البائس وسط تصفيق الجميع، فالفيصل ليس الجودة ولكن السرعة، ولا تحدثني عن مراجعة أو تركيز أو اهتمام أو تدقيق، "كله ماشي" المهم اللحاق بالموسم الرمضاني، بأعمال  مقتبسة أو مهلهلة أو مملة للمشاهد.

مع ذلك ذلك لا أخفي أمنية دفينة في قلبي أن يلحق هؤلاء الموهبون بما تبقى من عمرهم فيقدموا أعمالاً أكثر قوة، لا أحد ينسى تلك الدقيقة التي ظهر فيها الراحل سعيد صالح في فيلم زهايمر، ليختزل الفيلم بالكامل في مشهد من دقائق، يقول المثل الشعبي "تدبل الوردة وريحتها فيها" أتمنى أن أراهم يناقشون أزمات المسنين الحقيقية وهي فئة لا تجد من يعبر عنها، أمهات وآباء، جدات وجدود لديهم ما يكفي من هموم ومتاعب تستحق أن تجد من يجسدها أخيراً على الشاشة، لا من يتنكر لأعمار أصحابها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رحاب لؤي
كاتبة صحفية متخصصة في الفن
كاتبة صحفية، عملتُ في العديد من الصُحف والمواقع الإلكترونية، أحب الرسم والقراءة والأداء الصوتي
تحميل المزيد