موت الزعيم الكوري وفيروس كورونا.. ما بين استراتيجية “أثر الفراشة” و”القط الميت”

عدد القراءات
2,288
عربي بوست
تم النشر: 2020/05/10 الساعة 11:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/10 الساعة 11:20 بتوقيت غرينتش
زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون

في خضم أزمة وتداعيات فيروس كورونا على العالم بكامله، ووسط حالة الذعر الكبيرة التي تسيطر على جميع سكان العالم نجد أن حادثة اختفاء الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" عن الأنظار قد استحوذت على اهتمام الصحف العالمية، وأصبح الحديث عن سيناريوهات ما بعد اختفاء الزعيم الكوري وتداعياته على السلم والأمن العالميين هو الشغل الشاغل للصحافة العالمية. ما الذي يحدث؟ هل حياة الزعيم الكوري ذات أهمية كبيرة للدرجة التي تشغل العالم عن سيناريوهات الموت بفيروس كورونا، والآثار الاقتصادية للأزمة الاقتصادية العالمية؟!

هل هناك سيناريو تم إنجازه ما بين إعلان خبر اختفاء الزعيم الكوري وحتى نبأ ظهوره مرة أخرى أمام شاشات الإعلام العالمي؟

****

صحيفة صينية مغمورة تبث خبراً غير مؤكد حول الغياب الطويل للزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون"، تلمح فيه إلى أن هذا الغياب ربما يكون بسبب وفاة محتملة نتيجة عملية جراحية، وقد يبدو الخبر عادياً لو تم قياسه بحجم الجريدة والنطاق الذي توزع فيه، لولا أن تلقفت كبريات الصحف الأوروبية والأمريكية الخبر وراحت تدبج السيناريوهات المحتملة لغياب الزعيم الكوري على الوضعين الإقليمي والدولي! وكذلك السلم النووي وتداعيات ذلك على الاقتصاد العالمي. وما هي إلا أيام حتى ظهر الزعيم الكوري سليماً معافى، ولكن مهلاً فالوضع العالمي ما قبل الاختفاء لم يكن كما كان بعد الظهور، كيف؟!

يبدو أن الزعيم الكوري الشمالي قد تم استخدامه بحرفية كاملة في الحرب الإعلامية الدائرة بين أمريكا والصين على خلفية أزمة فيروس كورونا، ومدى مسؤولية الصين عن تفشي المرض، سواء بقصد أو عن غير قصد. فطبقاً لاستراتيجيات السيطرة الإعلامية والتحكم في الرأي العام للجماهير فقد تم استخدام استراتيجية "القط الميت"، وهي تعتبر من أهم طرق إلهاء الناس عن واقعهم، وتؤكد على تقديم قضية تافهة أو خبر غير مهم بشكل درامي، أو بقدر كبير من الإثارة أو الصدمة من شأنه أن يلفت انتباه الجميع، بعيداً عما يراد لهم الانشغال عنه. ويتم تسويقها عبر استراتيجية أخرى بسيطة لا تكاد تُلاحظ وهي "أثر الفراشة"، وذلك عبر تمرير خبر بسيط في زاوية بعيدة تبدو كتموج جناحي فراشة بسيط ليس له أثر واضح، ولكنه سرعان ما يحرك الهواء بعيداً مسبباً إعصاراً كبيراً في الناحية الأخرى.

وهذا بالضبط ما حدث في أزمة اختفاء الزعيم الكوري الشمالي، فالخبر الذي نشر في الصحيفة الصينية المغمورة كان بمثابة أثر الفراشة الذي حوّل الأنظار ناحية كوريا الشمالية، وكان تسويق الزعيم الكوري كالقط الميت الذي ألقي فجأة على مائدة الاجتماعات العالمية، فتحوّل الاهتمام حول المائدة من مناقشة القضايا إلى كيفية التخلص من جثة القط، ومن ألقى الجثة؟ ومَن سيتخلص من الجثة ومحو أثرها في الغرفة؟

ومع تواري القصة إلى الزاوية المهملة مرة أخرى، فقد بدا أن الحرب الإعلامية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين قد تغيرت لهجتها وأصبحت أقل حدة!!

قبل الأزمة كانت هناك لهجة تصاعدية وعدائية من قبل أمريكا وأوروبا لتحميل الصين المسؤولية الكاملة عما آلت إليه الأوضاع العالمية الاقتصادية، بسبب تفشي فيروس كورونا من على أراضيها، وهذا الهجوم الإعلامي قوبل من قبل الصين بلهجة حازمة وصارمة رافضة تحميلها ما حدث للعالم، خصوصاً أن الأزمة العالمية الاقتصادية كانت واقعة لا محالة، وأن الاستعدادات لها على مستوى العالم كانت قائمة بالفعل قبل ظهور فيروس كورونا. وفجأة تسرّب خبر اختفاء الزعيم، وبدا كأثر فراشة، مهّد لاستراتيجية إلهاء عالمية (القط الميت) من أجل الخروج من أزمة إعلامية لا لزوم لها! وتحول الإلهاء إلى لهجة تصالحية عالمية مع الصين، وأفاقوا القط الكوري الميت إلى حين استخدامه كإلهاء أو فزاعة عالمية تتم بها أو من خلالها تسويات عالمية على حساب الدول الفقيرة لصالح الرأسمالية العالمية.

ولكن هل استراتيجيات "أثر الفراشة" و"القط الميت" تم استخدامهما خلال أزمة كورونا في مواقع أخرى من العالم؟!

****

في لحظة أنْ تتوقف عن متابعة أرقام المصابين أو المتوفين بفيروس كورونا حول العالم ستكتشف أن العالم له حركة أخرى تتحكم فيه؛ استراتيجيتا أثر الفراشة والقط الميت!

فخبر فيروس كورونا الذي تحول من أثر فراشة إلى جائحة عالمية تهدد العالم بالموت والخراب الاقتصادي تحوّل بمرور الأيام والشهور إلى قط ميت أُلقي في الشارع عبر الإعلام يخير الناس بين التعامل مع الموت والاقتصاد معاً، أو يكون مصيرهم كالقط الملقى بجانب جثث مصابي كورونا، فالفيروس ليس له لقاح حتى سنوات قليلة قادمة، وعودة الاقتصاد هي طوق النجاة.

إذاً ما الذي حدث للعالم خلال سيادة استراتيجية أثر الفراشة التي تحولت لإعصار إعلامي أثار الفزع حول العالم، وحتى ظهور استراتيجية القط الميت التي تبشر بنهاية دراماتيكية غير متوقعة لأزمة كورونا؟

العالم جرى التلاعب به من وراء الستار في أكبر عملية إلهاء في التاريخ، فوسط أزمة فيروس كورونا جرى إلصاق الأزمة الاقتصادية العالمية بها كسبب رئيسي، وهذا ليس صحيحاً بالأساس، لأن كورونا وفّر غطاءً إعلامياً للتغطية على فشل الحكومات العالمية في إدارة الاقتصاد العالمي، ووفر بيئة مناسبة لإعادة هندسة العالم اقتصادياً وسياسياً من جديد. ويكفي أن ترى آثار استراتيجية "أثر الفراشة" متناثرة في كل مكان تُمهِّد لما بعدها من عينة: "هل الاستبداد أنجح طريقة في مكافحة فيروس كورونا؟"، "مناعة القطيع التي تبشر بأننا ليس لدينا ما يكفي لعلاج من ليس لديه مال"، "القطاع الخاص يعاني بشدة من الأزمة الاقتصادية ويجب أن نقف بجانبه"، "النظام الديمقراطي والحريات الواسعة هي التي مهدت لانتشار الوباء والموت في العالم"، "صندوق النقد الدولي يحذر بأن الوباء سيتفشى في إفريقيا".

فجأة ومن دون مبرر واضح يظهر "القط الميت" كحلٍّ للخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية بالأساس، فيتم إلقاء أزمة البترول العالمية على المائدة العالمية لتبرير الإجراءات التي ستتخذها الدول من أجل السماح بعودة الحركة الاقتصادية العادية، فينشغل العالم بأسعار البترول ويصبح وصول سعر البترول الأمريكي لرقم البيع بالسالب هو حديث العالم، ويتوارى مؤقتاً الحديث عن كورونا، وفجأة تتحول إذاعات وفضائيات العالم كلها من التحذير من الموت إلى التعايش معه من أجل الاقتصاد العالمي.

ماذا بعد التعايش مع الموت وفقاً لاستراتيجيات أثر الفراشة والقط الميت؟

****

العالم لن يعود كما كان، فلمدة طويلة قادمة لن يكون هناك حديث في العالم إلا حول الغذاء والدواء والتكنولوجيا، وستكون استراتيجيات أثر الفراشة والقط الميت وسيلة ناجحة للسيطرة على الرأي العام العالمي بسبب ندرة الغذاء والدواء ومحاولات دول العالم الاتجاه إلى العمل من خلال شبكة الإنترنت للحدِّ من المصروفات العالية، وهو ما يهدد ملايين الوظائف حول العالم! وهو ما يضع الحكومات العالمية أمام أثر فراشة ثوري مضاد تتحسب لاندلاع أحداثه حول العالم، حتى لا يتحول لإعصار عالمي يطيح بحكومات عالمية كثيرة، ويغير خريطة العالم بطريقة جذرية، ويصبح القط الميت هو الحكومات المحلية التي ترميها الرأسمالية العالمية حتى تشغل الجماهير في الدول الفقيرة عن العدو الحقيقي الذي يقود العالم "النيوليبرالية ورجالها الذين يتحكمون في الاقتصاد العالمي".

لهذا سنجد أن العالم سيتجه إلى عالم أكثر انغلاقاً لا يتحرك إلا من خلال التكنولوجيا وفقاً لمنظومة أمنية أكثر صرامة لن تقبل التعايش مع أي خروج ولو بسيطاً عما يجري هندسته في العالم، فالليبرالية الجديدة لا تعيش إلا من خلال منظومة أمنية صارمة تكبح كل خروج عما رسمته لسيادة نموذجها الاقتصادي، وسيصبح ظهور الأخبار ونفيها ومراقبة أثرها هو سياسة عالمية ثابتة لقياس مدى جاهزية الرأي العام العالمي للسيطرة، وإذا بدا أن خروجاً كبيراً على وشك الظهور فإن استراتيجية الإلهاء الكبرى "القط الميت" جاهزة للتنفيذ في أي وقت.

****

من رواية 1984 للكاتب "جورج أوريل" يقول: "دائماً ما ينحصر اختيار الإنسان بين السعادة والحرية، لكن معظم البشر يرون أن السعادة أفضل". لذلك فأهلاً بكم في زمن ما بعد كورونا، زمن الرأسمالية العالمية المتوحشة، فقليل من السعادة يبرر ما بعده. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسر رافع
كاتب مصري مهتم بالسياسة
كاتب مصري مهتم بالسياسة
تحميل المزيد