هل وجدت “هاملت” الخاص بك؟

عدد القراءات
1,880
عربي بوست
تم النشر: 2020/05/08 الساعة 13:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/08 الساعة 13:00 بتوقيت غرينتش
هل وجدت "هاملت" الخاص بك؟

تسكن القصص كل شيء حولنا، تلتصق بهويتنا، معتقداتنا، علاقتنا، وما إلى ذلك، تتشكل نظرتنا للعالم بناء على تراكمات القصص التي نمر بها، سواء عبر بوابة الواقع أو الأعمال الأدبية والمسرحية التي تمثل المنفذ لعالم الخيال، ما نكتسبه يتحول لوقود الأفكار في المستقبل، ويمثل تدريباً يعزز فهمنا للواقع.

ولكن بالنسبة للكاتب الأمريكي كورت فونيجت، بعض تلك القصص أقرب لحجر عثرة في طريق تعاطينا مع الواقع لأنها كما استنتج "نادراً ما تقول القصص الحقيقة".

عقب دراسة الأعمال الأدبية والموروثات الشعبية في عديد الثقافات المختلفة من وجهة نظر أنثروبولوجية، وجد أنها تشترك معاً في أشكال سرد متشابهة يمكن تقسيمها لفئات رئيسية محددة.

يمكن العثور على تلك الأشكال من خلال رسم بياني لمسار رحلة بطل القصة، أعلى المحور (جيد) وقادته (مرض)، في كل قصة يبدأ شخص ما في مكان ما، قد يكون جيداً أو سيئاً أو محايداً، ثم يمر البطل بأحداث تصنف على أنها سيئة أو جيدة، يأخذ المنحنى في الصعود والهبوط بحسب طبيعة أحداث القصة، يترنح بين المشكلات وحلها، ثم تكشف القصة عن نفسها في النهاية بحل يجلب السلام النهائي للبطل.

بناء على الرسم البياني، استنتج فونجيت بأن معظم القصص تكذب، واقترح أن يكون شكل القصة الأقرب للواقعية والصدق ببساطة خط مستقيم، حيث تستمر الأحداث في التحرك والشخصيات في التغير دون المساس بغموض المستقبل، ودون إشارة لأن القادم أفضل أو أسوء.

يشير فونجيت لرائعة شكسبير هاملت على أنها أقرب تمثيل أدبي للحياة الواقعية "في هاملت يخبرنا شكسبير بأننا لا نعرف ما يكفي عن الحياة لنعرف ما هو الخبر السار والخبر الجيد".

لكل منا هاملت الخاص به 

"من هناك؟ همسَ في الظلام" كانت تلك افتتاحية قصة التآمر والخداع والالتباس الأخلاقي، مسرحية حيث تملك كل شخصياتها شيئاً لتخفيه، مسرحية ألفها ويليام شكسبير بين عامي 1599-1601، تُصور هاملت البطل الذي تحمل المسرحية اسمه مطارداً من الماضي وعاجزاً  حيال المستقبل.

بعد أشهر من وفاة والده، شعر هاملت بالغرابة عند دخول منزله، هناك شيء ما يتربص به في الظلام، وسرعان ما تصبح تخيلاته واقعاً حيث تراءى أمامه شبح والده، يصرخ بأنه ضحية مؤامرة خبيثة آلت لجريمة قتل بشعة.

كانت تلك الإشارة لنغوص في أعماق نفس هاملت، بعيداً عن عالم شكسبير المليء بالرومانسية الصارخة والأحداث الملحمية التي شهدتها أعماله في تلك المرحلة، جاءت تلك المسرحية بأصدق ما كتب في محاكاة النفس البشرية، تتقدم القصة للأمام دون أحكام نهائية قاطعة، الصراع النفسي للبطل وتردده في الانتقام جعله يرتدي زي العاجز، ضعيف الحيلة، يرتكب إثماً عظيماً أثناء سعيه لتبين الحقيقة بقتل والد حبيبته أوفيليا والإساءة إليها مما دفعها للانتحار.

من تراه هاملت الحقيقي، أهو ابن نبيل يحاول الانتقام لوالده أم مجنون يجلب الفوضى للقصر؟ من يكون؟ ولمَ هو هنا؟ 

ما جعل رائعة شكسبير خالدة هي تفردها في عكس جوانب الصراع الإنساني القابل للتأويل وتعدد القراءات، مما جعل هاملت شخصية ذات خصوصية نابعة من خصوصية تجربة كل مخرج أو رسام تناولها.

التفاوت بين الثقافات والظروف جعل من تناولها في عمل فني يبني موقفه منها وفق رؤية فردانية؛ تلائم جميع المجتمعات، جملة تلك الأسباب وغيرها صدقت على ما قاله لويس آراغون بأن "لكل منا هاملت الخاص به" فهي استحقت عن جدارة لقب مأساة المآسي.

لتقريب الصورة دعنا نتساءل عن الدافع وراء متابعة مسلسل معين، الارتباط بالشخصيات، الحزن والسعادة معهم، التعلق بفخر بانتصاراتهم، والتعايش مع انكساراتهم.

بشكل أو بأخر تمثل المسلسلات الناجحة برهاناً على تحليل فونيجت، لا المشاهد ولا الشخصيات في المسلسل يمكنهم التنبؤ بتبعات الحدث السيئ أو الجيد في الحلقة القادمة.

النتائج مع نهاية كل حلقة لا طائل منها لأنها جزء من دورة التغيير اللانهائية، حلقة الصراع والحل التي تهدف للاستمرار فقط، دون الخلاص بالحل النهائي، بالتالي لن تجد الشخصيات السبيل للتحرر من عدم اليقين والتأرجح على منحنى فونجيت.

بالطبع سيأتي يوم لنهاية العرض، لأنه المسار الطبيعي حيث لكل شيء بداية ونهاية، لكن الحقيقة أن العرض يقاوم طوال مدته للبقاء بعيداً عن تلك اللحظة.

مسلسل جيد لا نريده أن ينتهي، يعطينا معنى من تفاعل الشخصيات في دورة التغيير اللامتناهية، الصراع قانون ثابت ينطوي على المسلسلات والواقع، قد نرى التغييرات على أنها محطات حتمية التوقف فيها قبل متابعة الطريق نحو حالة السلام النهائي، لكنها على العكس تمثل استمرار تغذية الحياة بشيء يدعم التكييف والحركة المستمرة في دورة قصتنا، لتبقى جديرة بأن تعاش.

على الأغلب ننظر للعالم بعين قصصنا المفضلة، التي تتشارك معاً في المكونات والأشكال، انعكاساً لما نريده من العالم.

الافتراض بأن الحياة يمكن أن تتناسب مع قوالب قصصنا المفضلة، إصدار الأحكام على المستقبل مع كل إجراء أو قرار أو حدث نمر به، تحميل المستقبل بما لا طائل له من حمله، يدفع في النهاية نحو الهاوية.

عندما نؤمن بوجود قرار نهائي أو صحيح مطلق، افتراض بأن هناك قراراً نبيلاً سيجلب الراحة لن ينتهي في النهاية إلى شيء.

ربما يكفي فقط القدرة على اتخاذ القرار، بالمضي قدماً في القصة، وتحمل تبعات ما تسببه تلك القرارات، بالبقاء أحياء، نتعلم ونكتسب الخبرة والقدرة على التكيف مع التقلبات تأتي الانتصارات.

لأننا لا نعرف، يعتقد فونجيت بأننا يكفينا فقط أن نستمتع ونتعايش مع دورة التغيير.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد أشرف
كاتب وقاص مصري
كاتب وقاص مصري مهتم بالثقافة العربية وعلم الاجتماع وتقاطعاتهما مع عالم الرياضة