أيهما أهم القبطان أم الشراع؟ حقبة مانشستر يونايتد الذهبية تُجيبك

عدد القراءات
861
عربي بوست
تم النشر: 2020/05/08 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/08 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش
أيهما أهم القبطان أم الشراع؟ حقبة مانشستر يونايتد الذهبية تُجيبك

حسناً، تشعر وكأنك جِئت في المكان الخاطئ؛ فبالكاد تتساءل الآن، ما نوع تلك العلاقة التي تربط يوماً بالسفينة وقبطانها وشراعها بحقبة مانشستر يونايتد في الألفية الجديدة، أو ما هي علاقة السفينة بكرة القدم من الأساس؟

للرد على تلك المعضلة، يجب أولاً معرفة من هو قبطان السفينة ووظيفته، وكذلك بالنسبة لشراعها أيضاً. حسناً، قبطان السفينة هو قائد الطاقم البحري لها، لأنه أعلى رتبة في الطاقم البحري بصفة عامة، ويفهم كيفية قيادة السفينة في البحر، وقيادة مَن على السفينة أيضاً، أما شراع السفينة فهو عبارة عن سطح مصنوع عادةً من القماش، يتم تثبيته على صاري السفينة حتى يصد الرياح، لغرض دفع القارب أو أي مركبة أخرى في الماء. 

لابد أنك عرفت الآن على الأقل أن قبطان السفينة هو المسؤول عن شراعها وليس العكس، فبإمكانه من خلال ذكائه وحِنكته البحرية أن يجعلها الدافع للسرعة والقوة، وبإمكانه أيضاً من خلال غبائه وجهله أن يجعلها سبب الدمار في منتصف البحر!

يبدو أنه يتبادر في ذهنك الآن السؤال المتواجد في عنوان المقال، لكن إجابته ليست بتلك السهولة، فنحن الآن على أعتاب معضلة فيما يبدو، وحلها يَكمُن في 4 عوامل أدت لتوهج مانشستر يونايتد مع السير فيرغسون في الألفية الجديدة!

منظومة ودائرة مغلقة

يبدو أننا على أعتاب معضلة أخرى، حيث وصف الكاتب جيمس مكارثي حقبة مانشستر يونايتد (منذ 2006 إلى 2009) بالدائرة المغلقة في كتابه "مانشستر يونايتد، وُلدوا فائزين". في الحقيقة تلك لم تكن معضلة أخرى، فالوصف جاء كتتابع للمعضلة الأساسية في الكتاب، وهي مقارنة القائد بالأدوات -مثل الشراع- التي تجعله قائداً، وهنا نحن أمام وصفين، الأول أن السير أليكس فيرغسون كان بمثابة المفتاح الذي أضاء جميع المصابيح، والثاني أن اللاعبين كانوا بمثابة المصابيح التي أُنيرَت في الدائرة المغلقة بسبب المفتاح.

فيما يبدو أنك تعتقد الآن أنني أمزح معك، لكن في الحقيقة الأمر ليس كذلك على الإطلاق، فبين هذا وذاك، لا يوجد أب بدون أبناء، ولا يوجد مدرب بدون لاعبين، وهذا هو الامتداد الوصفي لمنظومة الفريق التي تحقق كل شيء، ففي العادة هي ما تُغنينا عن المهاترات والمقارنات السطحية بين اللاعبين، وهي ما تجعل المدرب واللاعبين والإدارة في فلكٍ واحد؛ المدرب يمثل الدور الريادي الذي يؤدي للعوامل الأخرى، وتُظهِر تلك العوامل مدى نجاحه على أرض الملعب، وحتى إذا تغيرت العوامل الأخرى، ستظل أفكار المدرب قائمة على الأساس الذي نجح من خلاله. الجميع له عامل في نجاح الجميع.

مانشستر يونايتد في موسم 2007/08 بقيادة السير أليكس فيرغسون، حقق أرقاماً مميزة فردياً وجماعياً بسبب تلك المنظومة التي أدت للعمل الجماعي، ويزعم البعض أنه واحد من أفضل مواسم السير فيرغسون مع مانشستر يونايتد إن لم يكن الأفضل على الإطلاق؛ حيث فاز الفريق حينها بالخماسية التاريخية. في الدوري الإنجليزي فاز الفريق في 27 مباراة، وتعادل في 6 مباريات، وخسر 5 مباريات.

أما فردياً، فسجل كريستيانو رونالدو 31 هدفاً و6 أسيستات، وكارلوس تيفيز يأتيه تباعاً ليسجل 14 هدفاً و6 أسيستات، وروني يأتي بعدهما ليسجل 12 هدفاً و 10 أسيستات، ليساهم الثلاثي الأمامي فقط بحوالي 70% من أهداف الفريق، و41% من الأهداف المصنوعة، وعلى الصعيد الدفاعي كان خط دفاع مانشستر يونايتد الخط الأكثر تحقيقاً للشباك النظيفة في إنجلترا حينها برصيد 21، والأكثر إيقافاً للأهداف، حيث أوقف فيرديناند 35 كرة، وويس براون 34 كرة، وباتريس إيفرا 33 كرة. لتعطي كل تلك الأرقام الضوء الأخضر للعامل الثاني.

صبغة سحرية

كل ذلك كان بسبب المرونة التي وضعها السير فيرغسون في الفترة بين 2006 و 2009 بين الثلاثي الأمامي في خطة 4-3-3، التي تمت إضافتها لخطة 4-4-2 أولى خطط السير فيرغسون مع مانشستر يونايتد، بجعل كارلوس تيفيز في المقدمة، وبالحرية الإيجابية لكريستيانو رونالدو، اللاعب الذي كان يتحرك على الجناح ثم ينضم للعمق كي لا يتسبب في عزل تيفيز في المقدمة بسبب دفاع المنطقة الذي انتهجه غالبية فرق الدوري الإنجليزي حينها.

أما واين روني فكان دوره مائلاً لصناعة اللعب بشكل أكبر من التهديف، ما جعله العامل الأساسي في المرونة في التحرك بدون كرة بينه وبين تيفيز لتشتيت منهجية الرقابة لدى الخصم، حيث لعب الفتى الذهبي خلال الموسم بأكمله 16 مباراة كجناح أيسر، و8 مباريات كصانع لعب متحرك، و17 مباراة كمهاجم ثانٍ.

في تحليل لموقع The False 9 ذكروا أن مانشستر يونايتد كان يعتمد بقيادة السير فيرغسون على غلق المساحة على الطرف الأيمن بين جاري نيفيل والجناح الأيمن، والتقدم الهجومي على اليسار بين إيفرا الذي كان يتقدم بطول الخط لينضم رونالدو برفقة تيفيز وروني لمناطق الخصم لدَك حصون الخصم هجومياً والضغط المباشر دفاعياً، ومن ثم ترحيل اللاعبين الدفاعي على اليسار (التحرك ناحية اليسار لغلق منطقة إيفرا وثبات نيفيل فقط على اليمين). فالديناميكية كانت عبارة عن هيكل يتوازن بأكمله، فالدفاع عبارة عن بداية الهجوم قبل أن يكون دفاعاً، والهجوم عبارة عن بداية الدفاع قبل أن يكون هجوماً.

الاستمرارية

بعد ذِكر العاملين السابقين اللذين وضحا قوة مانشستر يونايتد في الفترة من 2006 حتى 2009، جاء دور العامل الأهم على الإطلاق، فالعديد من المدربين قدموا عطاءً مذهلاً مع فرقهم على مر التاريخ، لكن فجأة وبدون سابق إنذار يقف هؤلاء المدربون عن العطاء لعدم تقديم جديد يمتلكونه، لكن السير فيرغسون استطاع أن يكون من متصدري عناوين المنافسة بشكل دوري منذ 1990 حتى 2013 بـ3 أجيال مختلفة من اللاعبين.

فيرديناند وغيغز يحملون الثنائية

الأمر كان شبيهاً بدورة التجدد في دم الجسم، أو الجلد، الحقيقة أن جزءاً كبيراً من الجسم يحتاج كل فترة لتغيير بعض الأمور التي تجعله يواصل عملياته الحيوية بالشكل المُعتاد. في مانشستر يونايتد كان الأمر كذلك، فلسفة مختلفة تحدث عنها السير فيرغسون لصفحات طويلة في كتابه The Leading عن التعاقد المستمر مع الشباب كل موسم في فبراير/شباط، للاستمرارية في التجدد وصناعة الأجيال بشكل مستمر.

 يذكر السير في الكتاب.. "أخبرني بريان كيد -مساعد السير فيرغسون وقتها- بأنه هناك العديد من المواهب التي قد تفيد النادي، من بينها كان سكولز، الشاب الصغير الذي كان يلعب مهاجماً في الفئات العُمرية الأقل من 16 عاماً في صفوف مانشستر يونايتد. كيد يقول إن الأشقر الصغير سجل 14 هدفاً في 29 مباراة، لكن رغم مركزه قام بصناعة 32 هدفاً! الرقم كان غريباً لأن أولوية المهاجم هي تسجيل الأهداف وليس صناعتها، حينها قررت أن أزور إحدى المباريات التي سيلعب فيها هذا الصغير وسأفهم خصائصه بنفسي.

ذهبت وشاهدت المباراة وتفاجأت بالوضع مجدداً، صنع سكولز 4 أهداف في 22 دقيقة وافتك العديد من الكرات، حينها حدثت كيد وقلت له.. هذا ليس مهاجماً، هو لاعب وسط يملك رؤية كبيرة ستجعل له شأناً كبيراً في المستقبل.

صرح جيمي سيريل مدرب فريق نوتس كاونتي في إحدى لقاءاتهما أنه كان حريصاً دائماً على ألا تنتهي عقود اللاعبين أبداً في نفس الوقت، ليشكل ذلك مساعدة كبيرة لفيرغسون لتفادي هدم الهيكل العام للفريق. حدث ذلك مع أمثلة عديدة من اللاعبين أهمها ديفيد بيكهام ورود فان نيستلروي وكريستيانو رونالدو.

العقلية التنافسية

يحكي باتريس إيفرا أنه في ديربي مانشستر في 2009، ورغم تقدم مانشستر يونايتد في الشوط الأول جاء إليه السير أليكس وجلس بجانبه وحدثه على مدى سوء مستواه. لم يفهم باتريس عما يتكلم السير، لكن كان رد السير عليه بأنه قام بإرجاع الكرة لفان دير سار مرة خلال الشوط الأول، وأنه يجب دائماً أن يصنع الفارق بالكرة لأنه يلعب في مانشستر يونايتد.

 اهتم السير بعقلية المنظومة بشكل أكبر من أي عامل آخر، فالعقلية التنافسية التي لا يشوبها شائبة للاعبين هي إطار شامل لكل تلك العوامل السابقة، فتجدد الهيكل العام للمنافسة على البطولات لا يكتمل إلا بتلك العقلية التي لا تشبع ولا تُخطئ، فالعديد من المواهب التي كان متوقعاً لها أن تضمن اسمها في القمة اندثرت تحت التراب بسبب فراغ وفساد عقليتها.

في النهاية جاء وقت الإجابة على سؤالنا الأبرز.. ما الأهم للسفينة، القائد أم الشراع؟

حسناً، إذا ظلت إجابتك بالقائد، فأنت مع الأسف لم تفهم اللعبة، أما إذا كانت إجابتك بالشراع، فأنت أيضاً لم تفهم اللعبة؛ فإجابتك بقبطان السفينة لأنه صاحب القرار لم يُفِد بالضرورة أهميته على حساب الشراع، فبدون وجود الشراع لن يتواجد قراره من الأساس، وبالتالي لن يتواجد أي أساس لتلك المقارنة، لكن في ظل وجود الشراع، إذا كان القبطان يملك قدراً كافياً من الحِنكة البحرية التي تجعله مستعداً للتعامل معه حينما يلزم الأمر، فلن تسقط السفينة أبداً. فالجواب الآن: الاثنان معاً!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد حبيب
كاتب رياضي
كاتب رياضي
تحميل المزيد