– يؤذيني لكنني لا أستطيع أن أطلب الطلاق
- كيف يؤذيك؟
- يؤذيني نفسياً وجسدياً
- ماذا تقصدين بالإيذاء الجسدي؟
- بالطبع لا أقصد الضرب لكنه على المستوى النفسي يُهين كرامتي بما يشاهده من مواقع إباحية.. وجراء ذلك يهجرني بالأيام والشهور في الفراش.
أشعر بأني مجبرة في تلك العلاقة ولا أستطيع أن أطلب الطلاق.
- هل حاولت الإصلاح؟
- حاولت بشتى الطرق.. أنا أحاول منذ عدة سنوات وهو لا حياة لمن تنادي،
أغيّر من نفسي وأطوّرها وهو لا يشعر بشيء ولا يؤثر فيه شيء مما أقول
تحدثت معه بالشدة واللين.
تدخل بعض الأصدقاء للصلح
محاولاتي جميعها باءت بالفشل
ولم أعد أحتمل تصرفاته، كما أنني لاحظت أن احتياجاتي النفسية بدأت في الازدياد.
صمت طويل.. راحت تنظر إلى فراغ في الحائط ثم أردفت والحمرة تملأ وجهها:
ولا أخفيك سراً أن احتياجاتي الجسدية أيضاً بدأت في الازدياد.
- ولمَ الخجل؟
- لا أعلم.. لكنني أعتقد أن هذا شيء لا يصح أن أشعر به.
- لماذا لا يصح؟
لا أعلم هكذا هي مشاعري فقط
لأن الأهم هو الالتفات لرعاية أبنائي بدلاً من التفكير في تلك الأمور،
ليس هذا هو المهم الآن.
- وهل هناك ما هو أهم من ذلك؟
- نعم لقد لجأت إليك حتى ترشديني للقرار السليم.
- أي قرار؟
- هل أصرّ على طلب الطلاق أم أتنازل عن ذلك مقابل رعاية أبنائي وهو في النهاية يقوم بالتكفل بكل شيء في البيت من مسؤوليات تجاهي وتجاه الأبناء ولا يقصّر معنا في شيء.
- هذا طبيعي لأنه واجبه
– أعلم ذلك لكنني مترددة في اتخاذ قرار الطلاق، وأريدك أن تتخذي معي القرار.
- يا عزيزتي إن مهمتي ليست اتخاذ القرار نيابةً عنك
أنا أقوم فقط بعمل "استبصار" لك
أي أننا نعرض الوضعين وأقلّهما إيلاماً وخسارةً بالنسبة لك تقومين أنت باختياره ولست أنا.
- ولماذا لا تتخذين القرار نيابة عني
- أولاً: لأنني لست أنت.. ولأنك الوحيدة القادرة على ذلك.
ثانياً: لأنك أنت مَن يجب أن يأخذ القرارات في حياته وليس أي أحد آخر
لا أحد يقرر عنا ولا أحد يدير لنا حياتنا بأي شكل كان.
نحن فقط مَن نقوم بذلك لأننا أدرى وأعلم الناس بظروفنا.. ومشاعرنا.
- لا أخفيك سراً أنا أريد الطلاق لكنني مجبرة على الاستمرار
– وهل يمكن أن يجبرك أحد على الاستمرار في علاقة زوجية مؤذية؟
- منطقياً لا
أما واقعياً فالإجابة تختلف كثيراً
- بالطبع فالأمر ليس سهلاً؟
- نعم.. منطقياً وفي شرع الله لا يمكن أن يجبرني أحد على ذلك، لكن في هذا العالم القاسي الذي نعيشه فنعم.
نعم هناك مَن يجبرني على ذلك
يجبرني أبنائي الذين صاروا مراهقين وبالطبع لن يتقبلوا وجود والدهم في بيت آخر، ولن يتقبلوا فكرة زواجي إن فكرت فقط في ذلك حتى أصون نفسي وأعفها ولن يفهموا مطلقاً ما أشعر به.
حتى ابنتي لن تشعر بما أشعر رغم أنها في عمر المراهقة إلا أنها لم تمر بما أمر، ولن تشعر بما أنا فيه الآن، وبالطبع لو تزوجت سأخاف أن يكون زوجي معنا في نفس المنزل.
يجبرني المجتمع القاسي الذي سيحكم عليّ بنظراته الوحشية أو حكمه المسبق وإطلاق لفظ مطلقة وكأنني من كوكب آخر.
يجبرني تعامل صديقاتي معي ونظرتهم لي وخوفهم على أزواجهم من تواجدي داخل عائلاتهم.
يجبرني أهلي الذين يضغطون عليّ وبكل قوة، بدعوى أنه لا يوجد مَن طُلّقت في عائلتنا، وأن ما أشكو منه وَهم وأسطوانة أن جميع الرجال هكذا، وزوجات كثيرات يعشن هكذا راضيات بحالهن طالما أن الزوج لا يقصر في مصاريف بيته.
يجبرني قِصَر ذات اليد وقلة حيلتي، فأنا منذ التخرج لم أعمل مطلقاً ولا أعرف القيام بأي عمل يُدر عليّ دخلاً مريحاً يكفيني أنا وأبنائي لأنني أعلم تماماً أنه سيتحداني ويشفي غليله منّي عن طريق منع المصروف عن أبنائه، وفي نفس الوقت ليس لديّ سوى أخ واحد بالكاد يكفيه دخله، ناهيك عن أنه لا يريدني أن أنفصل عن زوجي لأنه غير مقتنع بالسبب مطلقاً، ولأنه يخشى أن أصبح حملاً ثقيلاً عليه.
كانت هذه قصة من عشرات بل مئات القصص التي صارت تقابلني كثيراً في استشاراتي، وصرنا نسمع عنها أو نقابلها في حياتنا اليومية.
قد تكون قصة صديقتك.. أختك.. جارتك.. أو حتى قصتك أنت.
في النهاية هي قصة تصور مدى المعاناة التي تعانيها المرأة في مجتمعنا والصراع النفسي الرهيب الذي تتعرض له.
صراع في الاختيار بين أمرين كلاهما علقم.
ونحن بدورنا ندور معها في دوامة لا تنتهي
ما بين ناقم عليها ومعاتب لها لا يشعر بمدى معاناتها.
وبين آخر مقدر لمشاعرها متعاطف معها يوافقها الرأي في قرار الطلاق لكنه لا يملك أن يقدم لها سوى النصيحة أو التعاطف فقط؛ لأن تبعات القرار هي فقط من ستتحمله وحدها.
صارت الزوجة التي تتخذ قراراً كهذا لا تواجه زوجاً عنيفاً أو قاسياً فقط بل صارت تواجه مجتمعاً يحكم عليها بداية من التفكير في الطلاق حتى الحصول عليه ولومها إذا ما ابتعد عنها أبناؤها فتتهم نفسها بالتقصير لتصبح هي الضحية والجاني في آن واحد.
في هذا المقال أدق ناقوس الخطر للمجتمع بجميع طبقاته ومؤسساته التي تعنى بهذا الشأن.
المرأة في هذا الشأن تعاني.. نعم تعاني والجميع يعلم ذلك ومحاكم الأسرة تشهد على ذلك.
فماذا عليها أن تفعل إذا ما تعرضت للأذى النفسي أو الجسدي؟
ماذا عليها أن تفعل وقد أعطاها الشرع حرية الاختيار ما بين الاستمرار أو الطلاق
لماذا يحكم المجتمع عليها بتلك الصورة القاسية؟
لماذا إذا قصرت الزوجة في حق زوجها فأول ما يتبادر إلى ذهن البعض هو أن يبحث الرجل عن زوجة أخرى كي تريحه.
وإذا ما اشتكى أنها لا تهتم به أو لا تلبي له رغباته وجد ألف ناصح يخبره بأن النساء غيرها كثيرات.
لماذا نكيل بمكيالين في هذا المجتمع؟
لماذ نحمّلها همّ الأبناء وأنها إذا اختارت الطلاق فسوف تتحمل عناء تربيتهم وعناء احتياجاتهم المادية؟
لماذا لا يوجد قانون رادع يطبق على الفور؟
لماذا يجب عليها الجري في المحاكم لسنوات كي تحصل على حريتها أو تأخذ حقها،
فقط حقها المشروع من رب البرية وليس شيئاً آخر؟
أليس ذلك من أبسط حقوقها؟
من هنا أهمس في أذن كل امرأة:
أولاً: حاولي الإصلاح ما استطعتِ وبشتى الطرق والفيصل في الاستمرار في الإصلاح هو وجود رغبة من الزوج في البدء في التغيير.
أما إن كان يرفض التغيير أو يرفض الاعتراف بخطئه فاعلمي أنه لن يتغير مهما حدث ومهما بذلت من مجهود.
ثانياً: أعلم أنك تعانين وأول ما تعانين منه هو نظرة أبنائك لك.
أحب أن أخبرك عدة أشياء بخصوص الأبناء:
- هم لن يشعروا بمعاناتك لأنك لن تستطيعي شرح كل التفاصيل بينك وبين أبيهم.
– حتى وإن علموا فلن يشعروا إطلاقاً بما تشعرين به.
- الاستمرار في علاقة مؤذية لن يضرك أنت فقط بل سيضر الأبناء أيضاً لأنك لن تستطيعي التواصل معهم بالشكل المناسب بسبب حالتك ومعاناتك.
- حاولي أن تتخيلي حياتك بنفس الشكل بعد عشر سنوات كيف ستكون؟ مظهرك.. مشاعرك.. حالتك النفسية.
وكيف سيكون حال أبنائك؟
- في النهاية سيكون لكل واحد من أبنائك عالمه الذي يعيش فيه ولن يظلوا بجانبك طوال العمر.
ثالثاً: احتياجاتك النفسية والجسدية إن لم تشبع من خلال علاقة شرعية أحلّها الله لك فمن أين ستشبع؟ احذري على نفسك الفتنة.
رابعاً: أي كلام أو هراء يقوله المجتمع ضعيه في سلة المهملات ولا تلتفتي له مطلقاً لأنهم لن يعيشوا بدلاً منك ولن يقدروا مشاعرك وما تعانين.
خامساً: أعلم أن لائحة مصروفات الأبناء ومسؤوليات المنزل المادية لا تنتهي وأن زوجك هو مَن كان يقوم بها وبعد الطلاق سيكون الوضع صعباً بسبب العند والتحدي من جانبه، لكنك يجب أن تعلمي يا عزيزتي أن زوجك ما هو إلا وسيلة كما كان والدك من قبل وسيلة فقط لجلب الرزق.
فالرزاق هو الله جلّ وعلا
نعم نحن نعلم ذلك لكننا لا نطبق ما نعلم ونظل نخشى من الغد وكأن البشر هم من يرزقوننا.
كما يجب أن تحاولي تطوير هواياتك واستغليها للبحث عن عمل مناسب حتى ولو من منزلك.
سادساً: في هذا المقال لا نقوم بالتعميم فكل حالة لها ملابساتها وظروفها التي يجب أن تناقش بالتفصيل لكننا فقط نضع بعض النقاط الأساسية حتى يستفيق المجتمع.
في النهاية رسالتي إلى كل زوج أناني لا ينظر إلا لشهواته ونزواته ولا يراعي الله في زوجته:
"اتقِ يوماً ستقف فيه أمام الله تعالى ليسألك عمن تعول لأنك لن تتحمل عقاب الله".
اللهم أصلح حال جميع البيوت وأصلح ذات بين الأزواج واجعل كل زوج قرة عين لزوجه.. اللهم آمين
دمتم بألف خير..
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.