ثمة أسئلة عديدة تطرح نفسها بخصوص اعتزام إسرائيل ضم الضفة الغربية، أو أجزاء منها، سيما بعد توافق نتنياهو ـ غانتس على تمرير تلك الخطوة في الكنيست (في يوليو/تموز القادم)، بخاصة في ظل موافقة إدارة ترامب على ذلك، تبعاً لخطته "صفقة القرن"، وباعتبار أن الظروف الراهنة، على كافة الأصعدة، تشكل الفرصة السانحة لإسرائيل لتمرير خطوة كهذه.
ومثلاً، فهل ستقوم إسرائيل بضم الضفة الغربية فعلاً؟ وهل ستضم الضفّة كلها أم مناطق المستوطنات وغور الأردن؟ ثم هل سيغيّر قرار الضم شيئاً من واقع الفلسطينيين في الضفة، التي تخضع للاحتلال والسيطرة الإسرائيلية، في كل شيء، منذ 53 عاماً؟ وأخيراً، ما تداعيات ذلك إسرائيلياً، وفلسطينياً؟
في الإجابة على تلك الأسئلة من الواضح أن إسرائيل ستتجاوز تلك العتبة المتعلقة بالضم، بعد 35 عاماً على احتلال تلك الأراضي (1967)، بخاصة أن الانقسام السابق بين تياري "وحدانية الأرض" (ليكود ومعه بقية القوى القومية والدينية)، و"وحدانية الشعب"، أي الحفاظ على أغلبية يهودية في إسرائيل (حزب العمل وبقية القوى اليسارية)، والذي حال دون ضم أو انفصال هذه الأراضي، لم يعد موجوداً، مع أفول القوى التي تمثل تيار "وحدانية الشعب"، وهو ما بينته الانتخابات الإسرائيلية في السنوات الماضية، باختفاء حزبي "العمل وميرتيس" من الخريطة الإسرائيلية تقريباً.
رغم ما تقدم فما زال من غير الواضح، أو المحسوم، إسرائيلياً، حتى بالنسبة للقوى اليمينية القومية والدينية، إمكان ضم الضفة الغربية كاملة، أو بعض منها، إذ ترجح أغلب التوقعات أن الضم سينحصر في مناطق الكتل الاستيطانية الكبرى، القريبة من الخط الأخضر، ومنطقة غور الأردن، لسبب بسيط يتعلق بحرصها على الإبقاء على معادلة ضم أكبر مساحة من الأرض مع أقل قدر من السكان، مع الحفاظ على بقاء نوع من الكيان الفلسطيني؛ هذا فيما يتعلق بسؤال الضم.
وبالنسبة للتغيرات، فمن الواضح أن عملية الضم لن تغير من الواقع الذي يرزح تحته الفلسطينيون منذ احتلال إسرائيل للضفة وغزة (1967)، من ناحية عملية، لجهة سيطرتها على حياتهم، وتحكمها بالأحوال الاقتصادية والاجتماعية عندهم، وإنشائها المستوطنات، ومحاولتها تهويد القدس والضفة، لكن ما سيتغير هو تعامل إسرائيل مع تلك المنطقة باعتبارها جزءاً من أراضيها، وهو أمر من المبكّر تبين تفاصيله، أو ترجماته، في مختلف المجالات.
أما فيما يخص التبعات أو التداعيات التي قد تنجم عن خطوة كهذه على إسرائيل ذاتها، وعلى الفلسطينيين، فيمكن تحديد أهمها في أن إسرائيل، في هذا المنحى، ستكون قد كرّست ذاتها كدولة "أبارثايد"، حتى لو اقتصر الأمر على ضمها مناطق فلسطينية قليلة السكان، وهو ما كانت أكدته سابقاً بسنّ الكنيست قانون أساس (يوليو/تموز 2018) ينص على أن إسرائيل هي دولة قومية لليهود، أي أن حق تقرير المصير في "أرض إسرائيل الكاملة" إنما هو لليهود فقط؛ هذا أولاً. ثانياً، سيعني ذلك أن عملية الضم ستفيد بنفض إسرائيل يدها من عملية التسوية مع الفلسطينيين، بعد أن كانت دفنت اتفاق أوسلو (1993) في مفاوضات كامب ديفيد 2 (2000)، ومع رفضها تنفيذ الاستحقاقات المطلوبة منها في الحل الانتقالي، المنصوص عليه في ذلك الاتفاق. ثالثاً، ستكون إسرائيل، بعد عملية الضم، معنية بتحمل مسؤوليتها عن الفلسطينيين، في تلك الأراضي، ما يضعها في احتكاك، أو في اختبار جديد، مع السلطة الفلسطينية، وربما الأمر يصل إلى حد التطويح بتلك السلطة أو الإبقاء عليها كسلطة حكم ذاتي ـ إداري. رابعاً، حسب كيفية وحجم الضم فإن هذا الأمر سيطرح على إسرائيل مسألة التعامل مع الفلسطينيين، وبالتأكيد فهي لن تمنحهم المواطنة، وربما قد تلجأ لوسائل أخرى لتحديد مكانتهم، بمنحهم بطاقات إقامة، أو شيئاً من هذا القبيل، على نحو ما حصل في الجولان، أو في القدس.
هكذا، فإن الخطوة الإسرائيلية المقبلة، مهما كان شأنها، أو حجمها، ستضع إسرائيل أمام مسؤوليات، أو تحديات عديدة، أهمها: أولاً، أنها ستكون مسؤولة مباشرة عن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، في كافة المجالات. ثانياً، إن أية خطوة في هذا الاتجاه سيعني أن إسرائيل هي المسؤولة عن شل كيان السلطة الفلسطينية أو عن اضمحلالها. ثالثاً، سينجم عن ذلك أن إسرائيل ستكون مسؤولة عن وجود عدد كبير من الفلسطينيين ضمن دائرة سلطتها، سواء كانوا ثلاثة ملايين، وعدة مئات من الألوف، وهذا سيعيد، داخلياً، طرح قصة "القنبلة الديمغرافية"، والمخاوف على يهودية الدولة، كما سيعيد، خارجياً، قصة التناقض بين إسرائيل كدولة ديمقراطية وبين كونها دولة استعمارية وعنصرية، وفي الحالين فإنها ستكون، مستقبلاً، أمام تحدي كونها دولة أبارثايد، أو دولة مواطنين متساوين. رابعاً، لا شك أن أية خطوة إسرائيلية في هذا الاتجاه ستفضي إلى ردة فعل فلسطينية، وضمن ذلك إنهاء حال التنسيق الأمني، وأية تداعيات أخرى قد تنشأ عن ذلك، بما فيه احتمال انتفاضة شعبية جديدة.
عموماً فقد أكدت التجربة أن خطوات إسرائيل مدروسة غالباً، وأنها تحسب لردات الفعل الفلسطينية سيناريوهات بديلة، تستوعبها، أو تتجاوزها، سيما أنه لا يوجد في الظروف والمعطيات الذاتية والموضوعية الراهنة حوامل داخلية، ولا حواضن خارجية (عربية أو دولية)، لأية حالة استنهاض فلسطينية، وهو واقع الحال، للأسف، بانتظار معطيات وظروف جديدة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.