دعوا الإمارات تُفرغ بعض خزائنها في جيوب الفقراء.. رأيي المُختلف في “قلبي اطمأن”

عدد القراءات
2,480
عربي بوست
تم النشر: 2020/05/04 الساعة 10:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/04 الساعة 10:34 بتوقيت غرينتش
برنامج "اطمأن قلبي"

في الآونة الأخيرة شهدنا جدلاً كبيراً بخصوص برنامج "اطمأن قلبي" ورأينا انقسام الجمهور إلى فئتين، كل منهما على حق، كنت أسمع إلى هذا فأقول بأن الحق كله بيده، وعندما أدير سمعي إلى الطرف الثاني أقول بل الحق كله في قبضة هذا الطرف، وهكذا، إلى أن شاهدت حلقتين لأحكم بنفسي وأتخذ رأيي مستقلاً عن كل ما سمعت.

أولاً: غيث، هو كل شخص داخلنا، فمن منا لا يريد الخير؟ ومن منا لا يتمنى لو أن يكون مكان غيث، سواء أكانت نية غيث طيبة أم خبيثة، لا نعلم، لكننا نعامل الناس بما يظهرونه لنا والله يتولى ما في الصدور.

ثانياً: لماذا غيث مطموس الملامح مجهول الهوية؟

أعتقد أن سر نجاح شخصية غيث هو ألا يكون البطل إطاراً، فلا تصبح بطولته مرتبطة باسمه وملامحه ونسبه، فترافقه مئات السنين، بل البطل هنا هو عمله، فكل من انتهج عمل غيث أصبح بطلاَ مثله.

ثالثاً: لماذا أصحاب الحاجة مكشوفو الهوية يظهرون للشاشة بوجوههم وأشكالهم؟

إنها النقطة التي تدور حولها آلاف الأسئلة، وكل أسئلة الذهن لا تجد جواباً واحداً مقنعاً برغم وجود آلاف الإجابات الشافية، ورغم تفسير البعض لتلك القضية تفسيراً إعلامياً من ناحية زيادة تحفيز المشاهد وتشجيعه على اعتبار قضية الدعم والتبرع قضايا غير وهمية، وما إلى ذلك، إلا أنها لا تزال تشكل ريباً كبيراً، ولربما لو كان البرنامج لا يظهر وجوه الناس لاتهم بالتمثيل والتعاون مع الشخصيات المجهولة ووجهت أصابع الاتهام إلى أنهم من أعضاء فريق العمل ذاته.

الآن ما هو انطباعي عن هذا البرنامج، وكيف أستطيع أن أوفّق بين قلبي الذي يرقص لفرحة فقير قُضيَت حاجته وبين عقلي الذي يرفضُ قطعاً أن تُستَغّل حاجات الناس بإظهار هويتهم أمام الكاميرا؟ وبعد تفكير خرج من ذهني ما يلي:

نحن نموت ونتألم كلما رأينا رجلاً أثقله الدَّين وقهرته حوائج الدنيا وأوجعته معدة أطفاله الفارغة أو ألم زوجته المريضة، وأول ما نتمناه عند رؤية مثل هذا هو أن نمتلك المال لمساعدة أحد ما لكي نقوم بالواجب.. هنا ظهر (غيث). 

نحن نغضب كثيراً عندما نرى المجتمع ينظر إلى الفقير نظرة الشفقة والدونية والاحتقار، ونردد دوماً أن الفقر ليس بعيب ولا عار، لكننا في الوقت ذاته نغضب إن ظهرت صورة أحد ما وكتب عليه، هذا فقير. إذاً فنحن أيضاً شركاء في جريمة الشعور الذي نمنحه للناس، ما دمنا ننظر إلى الفقر بغير إرادة على أنه عيب وعار.

لا أحبذ أبداً بل وأكره كثيراً استغلال حوائج الناس بطريقة كهذه، ليس لأنني أحتقر الفقر أو أنظر إلى الفقير على أنه مسكين مضطهد، بل لأنني أعلم تماماً أن العيب فقط في مجتمعي الذي يحزن على الفقير، لكنّه لا يتزوجه ولا يصادقه ولا يقترب منه، بل يكتفي بالشفقة وأحياناً الدعاء.

ثم أعود وأقول بأن تصوير الفقير وهو سعيد بأن قُضيَت حوائجه وفُرِجَت همومه أفضل بكثير من تصويره وهو يأخذ سلة غذائية صغيرة ستفتح بعد الحلقة ويجد الفقير فيها خمسة علب دقيق فاسد وبعض السكر الخشن ولحم التونة النتن.

ولا ننسَ أن أرقى الفرق الإغاثية التي يشهد لها بنزاهتها لا تزال لليوم تلتقط صورة الأطفال في المخيمات وهم يلتقطون قرطاسية المدرسة أو دمية العيد البلاستيكية، وكل ذلك نتجاوز عنه دوماً في سبيل توثيق العطاء رغم أنه ليس إلا استعطافاً للجيوب المغلقة بإحكام.

الجيش الأمريكي قتل الكثير والكثير من أهلنا في العراق، وما إن خرجت أنجلينا جولي إلى مخيمات اللاجئين وشعوب الفقر والمجاعة والتقطت معهم الصور وساعدتهم حتى شيد لها تمثال عظيم لن ينساه التاريخ قط، والفرق هنا أن أنجلينا تمتلك ثروة طائلة تستطيع بمفردها أن تساعد الناس بمبادرات فردية دون الحاجة بالرجوع إلى دولتها المجرمة وطلب الدعم، لذلك ضربنا بمعاناة أهل العراق عرض الحائط وفصلنا فعل أنجلينا العظيم عن أفعال دولتها الإجرامية، بينما غيث لا يمتلك ثروة كثروة الأولى فمن البديهي أن يتم الدعم بمبادرة دولية تظهر علم الجهة الداعمة واسمها كما يحصل دائماً عندما تقدم الكويت أو السعودية أو تركيا أو ألمانيا مساعداتها.

وحينما أفكر في دولة الإمارات، وألاحظ أن جماهير النقد تنتقد البرنامج لأجل الجهة الداعمة فقط، أيقن بأن هذا أفضل ما جاء في هذا البرنامج، إذ إن الجهة التي كانت تدعم وتشارك في تحجيم معاناة الفقراء ها هي اليوم بدأت في محاولة مساعدة الفقراء في سبيل تلميع صورتها التي لن تتغير في رؤوسنا مهما فعلت، إلا في رأس المغيّب تماماً عن الواقع فهو سهل لين، يسوق مع كل تيار، ولا نؤاخذ النائم طويلاً من صحوته الثقيلة.

إن كنتم ترون البرنامج نفاقاً، فدعوها تفرغ خزائنها في نفاقٍ جيد أفضل من إنفاقه في نفاق يضرّ بالمسلمين ولا يخدم قضاياهم، بطون الفقراء الآن أولى من تزيين الأبراج والشوارع، وكما قلت سابقاً برنامجها هذا لن يغير في نظرة المتابعين لقضايا المسلمين شيئاً فكلنا نعلم تفاصيل القضية، وإنما الآن مصلحة فقرائنا فوق كل حاجة.

السكوت لأجل فقرائنا الذين في الأصل قد غيّبنا نحن عن حاجاتهم أفضل بكثير من النقد المفرط الذي قد يؤدي إلى إغلاق البرنامج وتوقفه يوماً ما، ثم إنّ مساعدة ثلاثين عائلة في شهر واحد (لمصلحة سياسية) خير من هدم وتدمير ثلاثين عائلة لمصلحة سياسية أيضاً وهنا تكون المقارنة.

أخيراً أقول إن رأيي الشخصي بكل وضوخ: الجهة الداعمة لن تغير من موقفي شيئاً، وأعتقد أن العائلات كلها لو رفضت إظهار هويتها لأغلق البرنامج منذ سنة أو أكثر، لذلك من وجهة نظري الشخصية كلّ فقير ظهر بوجهه هو عزيز مكرّم ظهر لا يعيبه الفقر كما تظنون، وما وافق على الظهور إلا في سبيل استمرارية العطاء وتحفيزنا نحن النائمين عن معاناة إخواننا الفقراء من أبناء آدم.

نحن الذين علينا أن نخجل إن ظهرت وجوهنا إذ فُرِضت علينا الزكاة ولا يزال بين بيوتنا وفي مجتمعاتنا توجد كل هذه الأزمات والقصص.

تحية لكل جندي مجهول يطرق أبواب الناس ليقضي حوائجهم، ولا جزاء ولا أجر، إن شاء الله، لكل من فسدت نواياه وخبثت عطاياه وخلط حسناً ظاهراً منه بسوءٍ مستتر.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

هيا محمد
كاتبة شيشانية
تحميل المزيد