رمضان عراقي بين الماضي وزمن كورونا

عدد القراءات
1,814
عربي بوست
تم النشر: 2020/04/30 الساعة 10:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/30 الساعة 10:48 بتوقيت غرينتش
محمود النجار

يعتبر رمضان هوية المسلمين في العالم، حيث تجتمع الشعوب بمختلف أوطانها كي تصوم وتصلي وتقرأ القرآن وتستفيد من الدروس والعبر، كما تمارس الشعوب العادات والتقاليد المجتمعية الفلكلورية، حيث يتميز هذا الشهر بتعزيز صلات القرابة وزيارة الجيران، وطرق أبواب بيوت الأرامل واليتامى لتقديم المعونة. لكن كل شيء اختلف في رمضان هذا العام بسبب كورونا. وبالرغم من ذلك، سنسرد لكم طقوس رمضان  في العراق في هذا المقال.

قراءة القرآن وصلاة التراويح 

من المعروف أن أغلب البيوت العراقية يوجد فيها المصحف الشريف، وفي شهر رمضان غالبية الناس يلتزمون بشعائر الشهر بالصيام وصلاة التراويح وقراءة القرآن، وحتى النساء غير المحجبات يرتدين الحجاب خلال شهر رمضان احتراماً لعادات وتقاليد المجتمع العراقي. أمّا المساجد، فتعيش أجواء مميَّزة في رمضان، حيث تمتلئ المساجد بالمصلين، ويكون للشهر نكهة أخرى إن جاء رمضان في فصل الصيف تنشط فيها المسابقات الفكريَّة، توزَّع خلالها جوائزُ ومصاحف وكتب قيمة للفائزين في جو تنافسي ممتع. وتزداد الأصوات الرنانة في صلاة التراويح ويجتمع الأصدقاء ويتزاورون فيما بينهم بعد الصلاة.

تبادل الأطباق بين الجيران

ومن بين العادات الرمضانية تبادل الأكلات بين الأهل والجيران، حيث تقوم كل عائلة بإرسال طبق معين من الأكلات إلى جيرانها. ومن عادات أهل العراق في رمضان كثرةُ التزاور فيما بينهم في رمضان، وإقامة الولائم العائلية، وكذلك يتميَّز العراقيون بإخراج الطعام قبل الإفطار إلى الجيران، فيحصل تبادلٌ رائع بأطباق الطعام المختلفة، وأهم تلك الأكلات "الشوربة، وحساء العدس واللبن البارد والتمر والبرياني والمقلوبة ومرقة الباميا والدليمية والدولمة والكبة، والمشويات". أما الحلويات فأشهرها "البقلاوة والزلابية". كما يشتهر الطبق العراقي في رمضان بالتمر العراقي، والمعروف بـ(تمر البصرة) أو (الخستاوي)، كما تشتهر موائد العراقيِّين في رمضان بشراب (النومي بصرة)، وهو شرابٌ مميَّز يحتسيه العراقيون عند السحور والإفطار، ويقولون عنه إنَّه دواء للصداع.

طرق أبواب الفقراء

يتميز الشعب العراقي بأنه يقدم المعونات الغذائية ويشتري الأدوية للمرضى من الفقراء والمحتاجين، حيث يجتمع مجموعة من الشباب ويجمعون التبرعات، ويقدمون المساعدة للعائلات الفقيرة، وذلك كجزء من عمل الخير وفضله الكبير في رمضان، حيث تزداد ثقافة الإحساس بهموم ومشاكل الفقراء المادية، وتحولت هذه الثقافة إلى ظاهرة مجتمعية وحدت جميع المواطنين لبذل المعروف تجاه الناس. فرمضان يعتبر فرصة لتخفيف المعاناة عن كاهل المحتاجين، وتزداد هذه المعونات في هذا الشهر لتدل على التماسك الاجتماعي بين أفراد المجتمع.

لعبة المحيبس

مع حلول شهر رمضان المبارك من كل عام تنتشر لعبة المحيبس التراثية في الشارع العراقي الشعبي بشكل لافت للنظر وتستهوي هذه اللعبة آلاف العراقيين من لاعبين ومشجعين، وتمارس في الأحياء والمقاهي الشعبية منذ مئات السنين. وقد اشتهرت في أقدم المحال البغدادية القديمة كالكاظمية والأعظمية والجعيفرية والرحمانية فتقام مباريات بين أبناء المنطقة الواحدة، وبين المناطق المتجاورة مثل المباريات التي تقام كل عام بين منطقة الكاظمية ومنطقة الأعظمية.

المسحرجي (المسحراتي) الليلي

المسحرجي (المسحراتي) هو شخصية رمضانية شهيرة بقيت حاضرة في قلوب العراقيين والبغداديين خصوصاً، خاصة كبار السن ممن وعوا وجود "المسحرجي"، أو "أبو طبل"، أو "أبو طبيلة" كما يسميه أبناء البصرة. و"المسحرجي" شخصية فلكلورية مازالت تجوب ليالي رمضان رغم الحداثة والتطور التقني. والمسحرجي يقول "سحور… سحور… سحور"، هي تلك الكلمات التي اعتاد البغداديون على سماعها في أيام رمضان، ثلاث كلمات تليها ضربات طبل على إيقاع رمضاني مفعم بالحنين، لتعطي للصائمين إشارة بوقت السحور، قبل بزوغ الفجر، وهنا تنتهي مهمة "المسحراتي" اليومية.

الكليجة العراقية

في الثلث الأخير من شهر رمضان يبدأ الناس بالاستعداد لاستقبال عيد الفطر المبارك من خلال تزيين البيوت لاستقبال المهنئين من الجيران، والأقارب، والأصدقاء، وتقوم ربات البيوت بصنع الحلويات والمعجنات خاصة (الكليجة) لتقديمها مع العصائر للضيوف الذين يأتون في العيد. كما يتم تجهيز ألعاب الأطفال (المراجيح، الزحليكات، دولاب الهواء) في الساحات والمناطق الشعبية. 

 ماجينا يا ماجينا

بعد أذان المغرب يوم الخامس عشر من رمضان بدقائق تنهمر أصوات عذبة، بنغم جميل، تداعب المسامع وتشد السامع حينما يرتفع صوت التلفاز بأنشودة: (ما جينا يا ما جينا، حلي الكيس واعطينا، تعطونا لو نعطيكم، لبيت مكة نوديكم، ربي العالي يخليكم، تعطونا كلما جينا، الله يخلي راعي البيت، آمين، بجاه الله وإسماعيل آمين)، تلك الأنشودة التي يتنبه لها الصغار والكبار لما تتركه في نفوسهم من ذكريات.

ما الذي اختلف في رمضان بسبب وباء كورونا؟

مددت السلطات العراقية المختصة العمل بقانون حظر التجول في شهر رمضان، والوضع في العراق بالنسبة لعدد الإصابات والوفيات خطير نتيجة جائحة كوفيد-19، والنتائج الأخيرة لقياس الموقف الوبائي في العراق بحسب وزارة الصحة، والتي أعلنت أن عدد الإصابات 1631 وعدد الوفيات 83 وعدد حالات الشفاء 1146، حتى 22 أبريل/نيسان عام 2020.

حظر الأماسي

من المتوقع أن تتأثر الأجواء الرمضانية التي اعتادت عليها العائلة العراقية بشدة هذا العام نتيجة فرض الحجر الصحي الذي يشمل منع التجول في أماسي رمضان التي تعد الوقت الأمثل لخروج العوائل للترفيه والتسوق وزيارة المولات والمراكز التجارية، وما يصاحب ذلك من تجمع الشباب في المقاهي والمتنزهات التي تشهد ممارسة الألعاب الفلكلورية مثل "المحيبس"، كل ذلك سيكون ممنوعاً وبأوامر من الجهات الحكومية هذه السنة.

زيادة معدلات الفقر

كما تتجلى في موسم رمضان لهذا العام مشاكل عائلات فقيرة بلغ عدد أفرادهم 7 ملايين شخص تضرروا بسبب حظر التجول حسبما أعلنته الحكومة العراقية. هذه العائلات التي تطعم أطفالها على ما تكسبه من القوت اليومي، والتي لم تمتد يد الدولة لها بالدعم حتى الآن، وقد تنادت مؤسسات مجتمع مدني، ومؤسسات خيرية مدنية ودينية لدعم العوائل المتعففة في رمضان الحالي لسد احتياجاتها ولو بالحد الأدنى، لأن الضغوط تراكمت وتنوعت على هذه العوائل في زمن تفشي الوباء، وفي النهاية ستبقى أكفهم مرفوعة في شهر الطاعات سائلين الله أن يرحمهم ويزيح هذه الغمة عنهم وعن البشرية جمعاء.

غلق المساجد ومنع التجمعات العائلية

كما شمل الحظر غلق جميع المساجد ومنع صلاة التراويح وحرمان العراقيين من الأجواء الروحانية في رمضان، بالإضافة لتقييد حركة المواطنين التي منعتهم من زيارة أقربائهم وجيرانهم، بالتالي طغيان الجو الكئيب على بيوت العراقيين.

موسم حزين

نشعر -نحن العراقيين- بموسم كئيب، فمنذ بداية عام 2020 بدأت الصراعات السياسية، واستمرت عمليات قمع المتظاهرين في ساحات الاعتصام، ثم اكتملت القصة الكئيبة باجتياح فيروس كورونا وحرمان المواطنين من العيش بهدوء، وأقسى لحظات هذا الموسم هو فقدان روح وأجواء شهر رمضان الذي كان يعتبر المتنفس للعراقيين للعيش قليلاً بهدوء والترفيه عن النفس وفضفضة الهموم والمعاناة بين الأصدقاء والجيران.

في العراق ما زال التمسك بروح الشهر الفضيل يخيم على أجوائه رغم كورونا، وما يجلبه هذا الشهر من آمال بدعوات مستجابة كي ينهض الوطن ويعيش المواطن بحرية وكرامة، ويأمل الشعب العراقي أن تنتهي الصراعات والنزاعات، وأن تشهد البلاد رمضاناً أكثر استقراراً في كل عام. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمود النجار
كاتب إعلامي عراقي
تحميل المزيد