برنامج “قلبي اطمأن”.. القصة الكاملة لبابا نويل العرب

عدد القراءات
3,524
عربي بوست
تم النشر: 2020/04/30 الساعة 11:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/30 الساعة 12:22 بتوقيت غرينتش
برنامج "قلبي اطمأن".. القصة الكاملة لبابا نويل العرب

"بسم الله نبدأ سعادة جديدة"، بجملته المعبرة، يبدأ بطلنا الشاب غيث رحلته، يرتدي ملابسه البسيطة، ويتحدث بنبرة هادئة، كلماته العطرة، تطيب به نفوسنا.
"إحنا آسفين.. الناس للناس"، يتجول غيث في البلاد الحزينة، يبحث عن القلوب الدامية، يواسيهم بما في حقيبته، ينشر السعادة على وجوه الأم الباكية، والأمة المكلومة، ويجدد الآمال الغائبة، نحو حياة أفضل، بوجهه الجميل الباسم، نعم لم نره، لكن منذ متى وكل جميل يُرى؟

نرى الجمال في قلوب الصالحين، في أعمال المفلحين، ربما لم نرَ وجهه، لكن رأينا صلاح قلبه، وروعة عمله، يفتح بابا نويل العرب حقيبته الصغيرة، فيحقق أحلاماً كبيرة، ويبني بيوتاً جميلة، يبذر الخير في أراضينا، فتثمر أزهارها البديعة، ويعمّ السلام، وتعود السعادة. بالحديث عن الحقيبة، نرى علم الإمارات الشقيقة، وهنا وعلى العكس من رسالة البرنامج، لم يطمئن قلبي.

غيث

بين "غوث" و"غيث".. خذ لقمتك وأعطني وطني

غيث اسم جميل، بالتأكيد الشاب الإماراتي يحمل اسماً آخر، هذا فقط اسم دعائي يعبر عن طبيعة البرنامج. يخبرنا قاموس المعاني بأن "غيث" هو المطر الغزير جالب الخير، وأنه من الفعل غاث، وأن ما يفعله هو "غوث". يذكرنا التاريخ بوكالة "غوث"، التي تهتم بإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، تأسست عام 1949 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد نكبة 1948، وتهجير قرابة 800 ألف فلسطيني عن أرضهم، وتدمير أكثر من 500 قرية، صمت العالم عن قتل 15 ألف فلسطيني صاحب أرض، وعن كل الانتهاكات التي يحدثها المحتل دائماً، سلب من فلسطين الأرض والولد والأمن، وأرسل لهم "غوث"، محمّلة بأجولة الدقيق والمعلبات الغذائية.

"اخرجوا من أرضنا، من برّنا، من بحرنا، من قمحنا، من ملحنا، من جرحنا، من كل شيء، واخرجوا من مفردات الذاكرة".

  • محمود درويش

اليمن الحزين.. يبحث عن السعادة 

"أول ما قامت الحرب، جيت لهنا أنا وأولادي"، ببساطة تُخبر "انتصار" بابا نويل العرب عن سبب وجودها في الصومال، تحدثه عن الحرب، السيدة التي تركت اليمن الحزين، بعدما فقد سعادته في الحرب منذ سنوات. تلك الحرب التي تتحدث عنها "انتصار"، ويكمل "غيث" الحديث بسعادة وودّ، قالت الحرب، تقصد تلك التي يعرفها غيث، فقد شاهدها وعاصرها، ربما أقاربه شاركوا فيها، الكلمة لم تستوقفه كثيراً، كأنها تحكي عن تجربة صغيرة في جزر المالديف، وليست حرباً بالتأكيد فقدت فيها الأقارب والأحباب والأرض والأمان. لكن غيث من اسمه الجميل يتفضل عليها بالإغاثة، وانتصار من اسمها الحزين تبحث عن الانتصار للعودة لليمن السعيد، ربما لو منح لها الفرصة لتخبره عن الحرب التي تعنيها لسمع ما لا يرضيه، كانت لتخبره عن عشرات الآلاف من الضحايا اليمنيين جراء الحرب الجارية منذ عام 2015 بقيادة قوات التحالف العربي وعلى رأسها الإمارات. 

وتخبره عن مقتل ثمانية آلاف مدني بسبب الغارات الجوية لقوات التحالف، وعن أكثر من 10 آلاف طفل لقوا حتفهم باليمن حتى عام 2018، وعن توثيق وقائع اغتصاب نفذتها القوات المدعومة إماراتياً في مراكز اعتقال سرية، وعن جرائم الحرب وانتهاكات القانون الدولي، بالتأكيد لم يكن وقت الحلقة سيسعفها لتحكي له كل التفاصيل؛ لأن ليس من قُتِلَ كمن قتَل.

هل جاءك حديث علياء عبدالنور؟

"لم أعد أتحمل، بل ماذا سأتحمل؟ أنا حبيسة هذه الغرفة المفرغة من كافة الإمكانيات، محرومة حتى من الهواء"، كانت تلك كلمات صادقة للشابة الإماراتية. في صباح الرابع من مايو/أيار عام 2019، توفيت علياء عبدالنور عن عمر يناهز الواحد والأربعين عاماً، على إثر إصابتها بالسرطان، قبل هذا التاريخ بأربع سنوات اعتقلت علياء من سلطات الأمن الإماراتية، واستمر اعتقالها حتى توفيت. 

كانت الناشطة السياسية تحاول أن تبدأ سعادة جديدة، وأيقنت بأن الناس للناس كما يخبرنا "غيث"، فجمعت التبرعات لأسر السوريين المحتاجين في الإمارات، والنساء والأطفال الذين تضرروا من الحرب في سوريا. لكن آل زايد يستأثرون بالكرم والعطاء عن من سواهم، فاتُّهمت علياء بتمويل الإرهاب وحُكم عليها عام 2017 بالسجن 10 سنوات. لم تصمد الشابة حتى تكمل مدة الحكم، بل قضت فقط نصف المدة، منها سنة كاملة في معتقل سري، حيث تعرضت للتعذيب والانتهاكات النفسية والجسدية. هذه تفاصيل لن تشاهدها كل مساء على قناة أبو ظبي، فأنت تشاهد فقط، ما أختير لك بعناية، في الغرف المغلقة.

كيف تغسل الدول سُمعتها.. الإمارات تخبرك

في عام 2016 تبرعت دولة الإمارات بقرابة 3 ملايين دولار لصالح مؤسسة "كلينتون" الخيرية، بالإضافة لاستثمار مليار دولار في الشركات الأمريكية. ليس هذا من أجل مساعدة المواطن الأمريكي الفقير المنتشر في أرجاء الولايات الأمريكية. وليس لأن الناس للناس، بل محاولة لبسط النفوذ الإمارتي، ومحاولة التحكم في القرار الأمريكي الصادر من البيت الأبيض، حسب خطط محددة، تنفذها كبرى شركات العلاقات العامة العالمية. حيث أنفقت الإمارات في عام 2017 قرابة 22 مليون دولار على تلك الشركات، للتواصل مع السياسيين ومؤسسات ضغط ووسائل إعلام، من أجل الترويج لوجهة نظر الإمارات، وتبرير سياستها الخارجية بشأن الحروب والاعتداء على الدول الأخرى، إن كان هذا يحدث في واشنطن، فتخيل أنت ما يحدث في دمشق والقاهرة وصنعاء.

 شعبية جارفة.. ابحث معنا عن "غيث" الحقيقي

جذب برنامج "قلبي اطمأن"ملايين المتابعين على مدار 3 سنوات، أعداد هائلة من الوطن العربي تبارك خطوات البرنامج، وتمتدح الشاب المعطاء "غيث"، وترى فيه حاتم الطائي. حيث يتخيل الكثيرون أن الشاب ينفق من ماله الخاص كل هذه الملايين، وشريحة كبيرة تنظر إليه باعتباره "رجلاً تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق"؛ لأنه لا يظهره بوجه أمام الكاميرات. حتى تحوّل العديد منهم لمشجعين للبرنامج وللشاب، على طريقة تشجيع أندية كرة القدم. 

في كتابه "سيكولوجية الجماهير"، يقول جوستاف لوبون: "إن العواطف التي يعبر عنها الجمهور، سواء كانت طيبة أم شريرة، فهي تتميز بطابع مزدوج: بمعنى أنها مضخمة جداً ومبسطة جداً.. العاطفة تنتشر بسرعة شديدة عن طريق التحريض والعدوى، الاستحسان والقبول الذي تلقاه يزيد من قوتها إلى حد كبير". 

يتساءل العرب كل عام عن "غيث" الحقيقي؟ سؤال يراود الكثيرين، ولا أحد يجيب، أنت أيضاً تريد الآن أن تعرف من هو "غيث" الحقيقي، سأحاول معك أن نصل لإجابة صحيحة، لو بحثت بدقة حولك ستجده، لو نظرت إلى بعيد ستجده، ربما استشهد في غارة على حلب، أو يقبع الآن في سجن "الوثبة" في الإمارات، أو في سجن العقرب بمصر، ربما مغترب الآن في إسطنبول، أو لاجئ على حدود هولندا ينتظر الحياة من جديد، ربما تراه كل يوم، إجابات عديدة، لكن اعلم أن "غيث" الحقيقي"هو مَن يقرأ الآن تلك الكلمات. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
بلال فتيان
مدون مصري
مدون مصري
تحميل المزيد